عبر مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسون عن إحباطه الشديد من فشل اللجنة الدستورية السورية في البدء في صياغة ميثاق جديد في أحدث جولة من اجتماعاتها بعد أن رفض الوفد الحكومي المقترحات المطروحة، وقال بيدرسون إن ممثلي الوفد الوطني السوري رفضوا مقترحات قدمتها المعارضة السورية فضلاً عن الأفكار التي قدمها هو نفسه لدفع العملية قدماً، طبقاً لوكالة “رويترز” للأنباء”.
وقال أحمد الكزبري الرئيس المشارك للجنة الدستورية من جانب الحكومة السورية إن وفده طرح أفكارا “إيجابية”، لكن هادي البحرة الرئيس المشارك للجنة الدستورية من جانب المعارضة اتهم وفد الحكومة بعدم الانخراط في صياغة الدستور الجديد، من جهتها قالت بسمة قضماني عضو وفد المعارضة إن أعضاء اللجنة المعارضين للدولة السورية يأملون في أن تسارع إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن بالدخول في العملية في الأسابيع القادمة حتى يتمكن المشاركون من إبقاء اللجنة الدستورية على قيد الحياة، طبقاً لذات المصدر.
نقاط خلافية أساسية
من المعروف أن بيدرسون يحاول إيجاد حل توافقي حتى وإن كان شكلياً بين الطرفين المجتمعين ضمن الجولة الخامسة من اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف، لكن الوفد السوري طار إلى جنيف حاملاً معه الثوابت الوطنية والأساسيات التي هي بطبيعة الحال أكد عليها منذ الجولة الأولى، وهي الهوية الوطنية والسيادة السورية وعدم التقسيم، وبدون قبول من الوفد المعارض على أساسيات هذه الشروط، فيكون كل ما بعد ذلك ليس له معنى ومجرد تضييع للوقت كما وصف بيدرسون، لكنه غير مخيب للآمال، لأن الوفد المعارض اجتمع مع المعنيين في هذا الأمر من الأتراك والأمريكيين، والذين يفاوضون هم بشروطهم التي يريدون.
وبالتالي، إن التفاهم على مناقشة الدستوري يجب أن تتضمن كافة الشرائح السورية ومن بينها الأكراد، لكن ولأن وفد المعارضة موالٍ لتركيا، فالواضح أن أنقرة لا تريد للأكراد دوراً في سوريا الجديدة أو دستورها، فكيف تتم صياغة بنود الدستور الجديد وسط نقاط خلافية حساسة، مع الإشارة إلى أن روسيا هي الراعي الأول لهذه المبادرة وهي التي تريد إشراك جميع السوريين، وتركيا شريكتها في هذا الملف، لكن الولايات المتحدة تريد تعطيل هذا الملف لإيجاد صيغة ما في الدستور الجديد تتيح مثلاً التقسيم أو الإدارة الذاتية للأطراف الموالية لها، وهذا ما لا يمكن نقاشه تحت أي شكل من الأشكال.
أجندات غربية
الوفد المعارض قدم دعوة لتدخل الإدارة الأمريكية الجديدة وتحديداً من الرئيس بايدن، وكأنه سيقدم حلاً سحرياً لإنجاح المفاوضات، على الرغم من أن واشنطن تحاول في هذا الوقت تقريب قوات سوريا الديمقراطية وجناحها العسكري “قسد” من الشق الكردي الممثل في اللجنة الدستورية، الأمر الذي سيسبب خلافاً كبيراً مع أنقرة، لكن الحقيقة هي أن الدول الأجنبية المسيطرة على المعارضة السورية، ينصب اهتمامها بعدم وصول محادثات واجتماعات اللجنة الدستورية إلى نتيجة، فإن أراد الوفد المعارض الوصول إلى حل، عليه أن يتخلص من الضغوطات الخارجية المسيطرة عليه وهذا أمر مستحيل، لأنه لا يمكن أن يكون هناك دستور جديد ما لم تجلس الأطراف معاً على طاولة واحدة دون إملاءات خارجية، حتى أن القضية الكردية كما أشرنا خارج حسابات الوفد المعارض، ما يعني عدم اعترافهم بهم من ضمن النسيج السوري الواحد فالواقع يقول يجب أن يكون من ضمن الوفد ممثلين عن مجلس سوريا الديمقراطية وهذا بسبب تعنت المعارضة لن يتحقق، وبالتالي من الطبيعي أن تفشل المفاوضات.
وإن كتب أي نجاح لهذه المحادثات فهو سيكون من نصيب المسار الضامن للعملية السياسة في سوريا، أي روسيا وتركيا وإيران، وبالطبع هذا لن يعجب الولايات المتحدة الأمريكية، التي ستعمل على نسف الجهود أو التعطيل على أقل تقدير.
أخيراً، إن هذه الجولة وما سيليها من جولات بكل تأكيد هي مخيبة للآمال، لأن الوفد السوري رفض إملاءات الخارج والموافقة على الأجندات الغربية التي حملتها المعارضة السورية والمصرّة عليها في كل مرة، فقد تكون سوريا اليوم منقوصة السيادة بسبب الحرب الدائرة عليها، فمن المفروض أن ينص الدستور الجديد على علاج هذا النقص ويؤكد على سيادة سوريا، كما أن ملف النازحين لا يزال نقطة خلافية كبيرة، كون الدول الغربية تستخدم هذا الملف لغايات سياسية أيضاً لا نية من علاجه على المدى المنظور وبالتالي، إن الإدارة الأمريكية الجديدة لن تقوم بدعم الأكراد على الرغم من بوادر الخلاف المعلن عنها مع تركيا، لكنها لن تضحي بحليف متين مثلها لأجل مكون واحد، وهذا سيعيد الأمور إلى نقطة الصفر، فهذه الجولات ستبقى مستمرة إلى ما لا نهاية لأن كل الأطراف لن تتنازل عما تريد، ما يعني لا دستور جديد للبلاد، ولا حلول مرتقبة.
فريق عمل “رياليست”.