موسكو – (رياليست عربي): بعد أن أعلنت الناطقة بإسم البيت الأبيض الأمريكي (كارولين ليفيت) أن الإدارة الأمريكية ستقوم بتدقيق المساعدات المالية التي سترسل من قبل الإدارة الأمريكية لكييف، وهو الأمر الذي اعتبر أولى نتائج الخلاف (الأمريكي – الأوكراني) والذي تسببت به تلك المشادة الكلامية في واشنطن أمام وسائل الإعلام الأمريكية والأوكرانية والعالمية بين الرئيس (دونالد ترامب) ونظيره (فلاديمير زيلنسكي):
- راقب الخبراء والمسؤولون الروس في وزارة الخارجية الروسية ذلك الخطاب الذي ألقاه الرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون) مساء يوم الأربعاء 5 مارس 2025 والذي استمر لمدة خمسة عشر دقيقة موجهاً فيها رسالة واضحة إلى الشعب الفرنسي بشأن التهديد الروسي (على حد وصف وتقدير ماكرون)، حيث ذكر بأن هناك تحديات كبيرة بدأت تواجه فرنسا كدولة بسبب الإضطرابات الجيوسياسية التي حلت بأوروبا منذ بدء الحرب (الروسية – الأوكرانية) والتي ازدادت توتراً بسبب التهديد الروسي والإنسحاب الأمريكي، الأمر الذي بات يفرض على الأوروبيين بشكل عام والفرنسين بشكل خاص التدخل عسكرياً، ولهذا اختصر (إيمانويل ماكرون) فحوى وأهمية خطابه بكلمات الجملة التالية:
(إن بقاء الأوروبيين والفرنسيين متفرجين في هذه الحرب سيكون بمثابة ضرب من ضروب الجنون).
- وعلى الرغم من أن الخطاب قد تضمن بعض القرارات التي تم تأجيلها حتى القمة انعقاد القمة الإستثنائية لرؤساء الدول الأوروبية، المقرر عقدها اليوم الخميس 6 مارس 2025 في بروكسل، إلا أن خطاب رئيس الجمهورية الفرنسية قد حظي بترحيب واسع النطاق في مجلس الشيوخ الفرنسي، ليس لأنه قام بطمأنة الفرنسيين من الخطر الروسي ولكن بسبب المزاج الحربي لماكرون الذي التقى مع المزاج الحربي لأعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي الكارهين أكثرهم لروسيا الإتحادية.
آراء المراقبين والمحللين والخبراء في مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية الروسية والعالمية:
- تحدث العديد من المراقبين والمحللين والخبراء في مجال العلاقات الدولية من المختصين بملف تطورات الحرب (الروسية – الأوكرانية) وتأثيرها على الأوضاع الأمنية والعسكرية واللوجيستية ليس فقط في بلدي طرفي النزاع، بل على دول القارة الأووبية ودول حلف شمال الأطلسي وعلى رأسها فرنسا، حيث أكد هؤلاء بما لا يدعو للشك بأن الأوروبيين يحاولون إطالة أمد الحرب قدر المستطاع بغض النظر عن الموقف الأمريكي الحالي الداعي لعقد مفاوضات سلام بين أوكرانيا وروسيا الإتحادية.
- وحول هذه النقطة بالذات، تؤكد الخبيرة العالمية الفرنسية (هيلين كونواي موري)، والتي تشغل حالياً منصب سيناتور في مجلس الشيوخ الفرنسي عن الحزب الإشتراكي الفرنسي، أن (إيمانويل ماكرون) خلال خطابه كان يعمل على تجييش النواب الفرنسيين تأييداً لقرار باريس بضرورة متابعة هذه الحرب، ولهذا السبب فقد اختار (إيمانويل ماكرون) أن يرفق خطابه بالخرائط والرسوم البيانية التي ضمت الكثير من مفردات الحرب، ومن ثمَّ تحدث عن تصريحات (دونالد ترامب) اليومية والتي كانت تثير إنزعاج الفرنسيين كثيراً لأن تلك التصريحات كانت تصب جميعها في مصلحة الكرملين الروسي.
- وتضيف الخبيرة الفرنسية (هيلين كونواي موري)، أن الرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون) قد حسم ضمن خطاب الأمس حالة عدم الإستقرار التي سادت خلال الأيام الأخيرة، فيما إذا كانت الدول الأوروبية سترسل قوات برية إلى أوكرانيا من عدمها، حيث أعلن ماكرون أن القوات الأوروبية لن تقاتل على الخطوط الأمامية، بل ستكون هناك بمجرد توقيع السلام المزمع لضمان احترامه بشكل كامل، وهو الإعلان الذي يتناقض مع إعلان آخر له بشأن اجتماع رؤساء أركان الدول الأوروبية الراغبة في التدخل عسكرياً في أوكرانيا والذي سيعقد في باريس الأسبوع المقبل.
- وحول هذا الإجتماع بالذات المتعلق بتداعيات الحرب (الروسية – الأوكرانية) تحدث خبير أوروبي ثاني، هو الخبير الفرنسي (سيدريك بيران) وهو رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الفرنسي بصفته سيناتور عن الحزب الجمهوري الفرنسي، حيث يؤكد بيران بأن هذا الإجتماع الأوروبي سيكون في غاية الأهمية من الناحيتين الأمنية والعسكرية، سواءً لفرنسا، أو لغيرها من الدول الأوروبية لأن هذا الإجتماع سيكون نقطة تحول للأوروبيين على طريق الإستقلال (الأمني والعسكري) التام عن حليفتهم الولايات المتحدة الأمريكية والتي تحاول حالياً أن تعيد شرعنة نظام الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) وهو الأمر الذي بات يتطلب من الفرنسيين والأوروبيين البحث عن حلول أخرى للصراع في أوكرانيا.
- فيما يرى خبير ثالث، هو السيناتور الفرنسي (فرانسوا باتريا) وهو زعيم المعسكر الرئاسي في مجلس الشيوخ الفرنسي، أن بلده فرنسا، ورغم الخطاب المهيب للرئيس (إيمانويل ماكرون) إلا أن باريس لن تتقاسم قوتها الرادعة النووية مع جيرانها الأوروبيين، وهذا يعني بأن القرار سيبقى في أيدي رئيس الجمهورية الفرنسية نفسه لكونه قائد القوات المسلحة الفرنسية، وهو الوحيد الذي سيبقي يده على الزر النووي، الذي تحدث عنه (إيمانويل ماكرون) بشكل دقيق، ليجعل الفرنسيين على دراية بالمخاطر التي تهدد أوروبا من قبل الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) ومن قبل القوات الروسية التي وصفها ماكرون بالمعادية للأوروبيين (على حد تقدير الرئيس الفرنسي).
- أما فيما يتعلق بــتأثير التطورات الدبلوماسية للحرب (الروسية – الأوكرانية) وتداعيات الحرب على العلاقات (الأوروبية – الأمريكية) بشكل عام والعلاقات (الفرنسية – الأمريكية) بشكلٍ خاص، تؤكد خبيرة رابعة، هي الخبيرة الفرنسية (روز أميلي بيسيل) وهي كاتبة صحفية ومحللة سياسية وإعلامية، فتقول: (إن رئيس الجمهورية الفرنسية (إيمانويل ماكرون) قد ردَّ على (دونالد ترامب) بلباقة تامة، فقد وجه رئيس الجمهورية هذا الخطاب الحازم على وجه الخصوص فيما يتعلق بنظيره الأمريكي، مؤكداً بأن الفرنسيين يريدون أن يصدقوا بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستبقى إلى جانب الفرنسين وليس إلى جانب الروس، وحتى إذا كان الأمريكيين سيقفون إلى جانب روسيا الإتحادية، فقد حان الوقت كي يتعين علينا أن نكون مستعدين لكافة الخيارات، ولهذا السبب فقد ركز الرئيس ماكرون بشكل خاص على الرسوم الجمركية البالغة 25% التي يريد (دونالد ترامب) تطبيقها على المنتجات الأوروبية .
- وأضافت الخبيرة الفرنسية (روز أميلي بيسيل) أن هذا القرار الأمريكي الذي أتى لصالح روسيا الإتحادية كان غير مفهوم سواء بالنسبة للإقتصاد الأمريكي أو بالنسبة للإقتصاد الفرنسي والأوروبي، ولذلك فقد أكد (إيمانويل ماكرون) بأنه سيحاول إقناع جميع القادة الأوروبيين بأن هذا القرار سيضر بهم جميعاً، لكي يتمكن لاحقاً من إقناع (دونالد ترامب) وثنيه عن استصدار قرارات كهذه.
- وتختم الخبيرة (روز أميلي بيسيل) أنه ومع تعليق المساعدات الأمريكية لأوكرانيا وانفصال البلاد عن الدفاع الأوروبي، فإن كل هذه الأحداث قد دفعت بالرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون) لبدء العمل جدياً انظلاقاً من باريس لإقناع بقية القادة الأوروبيين بأن هناك حاجة لزيادة الإستثمار بشكل جدي أكثر (في أمن فرنسا وأمن أوروبا) على الرغم من أن الفرنسيين ملتزمين بحلف شمال الأطلسي وملتزمين بالشراكة (الأمريكية – الفرنسية) ولكن المباحثات (الأمريكية – الروسية) أكدت للفرنسيين بما لا يدعو للشك بأن مستقبل أوروبا يجب أن تقرره عواصمها، ولا ينبغي أن يُقرر في واشنطن أو في موسكو.
- وفيما يتعلق بالإجتماع الأمني والعسكري الذي سيعقد في العاصمة الفرنسية باريس خلال الأسبوع القادم، وسيحضره رؤساء هيئات الأركان العسكرية ورؤساء الأجهزة الأمنية في الدول الأوروبية، فإنه سيكون بمثابة إجتماع تنفيذي لتنفيذ قرارات الدول الأوروبية التي ستصدر عن القمة الأوروبية التي ستعقد اليوم 6 مارس 2025 في بروكسل، نظراً لأن القرار الأمريكي بوقف بعض المساعدات العسكرية لأوكرانيا سيكون له نتائج عسكرية وأمنية ليس فقط على أوكرانيا وإنما على بقية دول القارة الأوروبية.
- وحول هذا الإجتماع الأمني والعسكري بالذات، والذي دعا إليه (إيمانويل ماكرون) يتحدث خبير خامس هو الخبير العسكري والأمني الروسي اللواء (فلاديمير بوبوف)، فيؤكد الأخير بأن القوات المسلحة الأوكرانية لن تشعر في البداية بخروج راعيها الأمريكي من اللعبة، لأنه في الحقيقة لا يزال لديها الكثير من الأسلحة التي يمكن أن تستعملها كييف، خاصةً تلك المتكدسة في مخازنها، ولكن المسألة ستختلف تماماً إذا قررت الولايات المتحدة الأمريكية وقف الدعم المعلوماتي، ونقل المعلومات الإستخباراتية حول إحداثيات الأهداف العسكرية، ووقف دعم الملاحة لأنظمة إطلاق الصواريخ المتعددة، وأنظمة التحكم في الصواريخ المجنحة الأرضية والجوية، لأنه وفي حال اتخذ الأمريكيون مثل هذا القرار، والذي يمكن أن ينجح الروس بإقناع الأمريكيين لاتخاذه فعندها ستواجه القوات المسلحة الأوكرانية أوقاتاً عصيبة للغاية، حيث يمكن عندها تقييد استخدام نظام (ستارلينك) على سبيل المثال.
- وهنا يؤكد الخبير الروسي اللواء (فلاديمير بوبوف)، أن مثل هذه الإجتماعات الأوروبية في باريس، من شأنها أن تبحث عن حلول لتجاوز هذه القيود، لأن هناك عناصر أخرى ذات استخدام مزدوج لنظام (ستارلينك) تعمل في بولندا والمجر وسلوفاكيا ورومانيا، وهذا يعني أنه يمكن برمجة النظام الأمريكي لنقل الإشارات والأوامر من دول حلف شمال الأطلسي إلى أوكرانيا. وفي هذه الحالة سيكون من المستحيل حجب المعلومات الإستخباراتية التي كانت تنقلها الولايات المتحدة الأمريكية إلى أوكرانيا بشكل كامل، وهو الأمر الذي سيساعد قوات نظام كييف كي تصمد بسهولة لفترة ستة أشهر أخرى، أي حتى منتصف الصيف المقبل. ويضيف الخبير (فلاديمير بوبوف) أنه وعلى الرغم من تصريحات المتحدث بإسم البيت الأبيض الأمريكي بتعليق المساعدات العسكرية لأوكرانيا، وأن القرار سيظل سارياً حتى تقتنع الولايات المتحدة الأمريكية برغبة كييف في المساعدة لحلِّ هذا الصراع، إلا أن الأوكرانيين لديهم مخزونات كبيرة من الأسلحة والمعدات وقطع الغيار اللازمة للعمل، مثل منظومات صواريخ (باتريوت)، وباستخدام ترساناتهم الصاروخية الحالية، فضلاً عن الدعم المقبل من الدول الأوروبية، فإن الأوكرانيين سيكونون قادرين على العمل بالكثافة القتالية نفسها لستة أشهر أخرى بلا أدنى شك.
خاص وكالة رياليست – حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية.