القاهرة – (رياليست عربي): القضية الفلسطينية، هذا هو المسمى الذي نشأنا على سماعه منذ نعومة أظافرنا، وكنّا نسمع أيضاً مصطلح الصراع العربي – الإسرائيلي، لكن تغير الظروف والأحداث والمعطيات، أصبح المسمّى الشائع هو صراع غزة وإسرائيل.
ومنذ فرض إسرائيل حصارها الحدودي والجغرافي والأمني والاقتصادي والسياسي وغير ذلك من كافة أنواع وأشكال سبل الحصار القديمة والحديثة، التقليدية والمعاصرة، منذ أواخر حقبة التسعينيات من القرن الماضي وحتى الساعة، ورغم شن الإدارات الإسرائيلية المتعاقبة خلال تلك الفترة حروب عسكرية مسلحة بحجج وأسباب مختلفة، أهمها تهديد الأمن والمواطن الإسرائيلي من قبل عناصر حماس والمقاومة الإسلامية وغيرها الذين يسيطرون سياسياً وإدارياً واقتصادياً على القطاع، ومؤخراً تحت غطاء محاربة ومكافحة الإرهاب.
شنت إسرائيل حروب عدة على القطاع منذ انسحابها منه في أغسطس/ آب عام 2005، إبان حكومة رئيس الوزراء السابق آرييل شارون، وهو حدث تاريخي، حيث لم يسبق لإسرائيل أن أخلت طواعية أرضاً استولت عليها منذ احتلال فلسطين عام 1948 من القرن الماضي، عدة حروب في أعوام 2008 وهي الحرب التي تسببت القيادة الإسرائيلية في إحراج كبير للرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك، حيث بدأت إسرائيل بضرب القطاع في أعقاب انتهاء زيارة وزيرة خارجيتها لمصر حينها “تسيبي ليفني” للقاهرة، وادعت حينها الإدارة الإسرائيلية أن الغزو تم بمباركة القيادة المصرية، وتكررت الحروب في أعوام 2012، 2014، 2016، ناهيك عن الأحداث والمناوشات المتفرقة بين الحين والآخر.
وبالأمس تجدد الصراع المسلح بين إسرائيل والمقاومة المسلحة بقطاع غزة في أعقاب قيام السلطات الإسرائيلية ببدء تنفيذ إجراءات التهجير وإخلاء أُسر فلسطينية من حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية، والذي أعقبه اقتحام للمسجد الأقصى، وهي الأحداث التي تناقلتها وسائل الإعلام المختلفة في جميع أرجاء المعمورة، والتي دفعت المقاومة للتضامن مع هذه الأحداث بإطلاق مئات الصواريخ على مدن إسرائيلية كبرى مثل عسقلان، والعاصمة تل أبيب، وهو الأمر الذي قوبل بتصعيد من الجانب الإسرائيلي بضرب المنشآت المدنية الآهلة بالسكان في القطاع، الأمر الذي تسبب في وقوع ضحايا ومصابين على كلا الجبهتين، وفي انتظار تطور تلك الأحداث خلال الأيام القادمة، والتي نتمنى عدم تصاعدها ونجاح القوى العالمية في وقفها اليوم قبل الغد.
مع تكرار تلك الأحداث وتشابهها بين الأمس واليوم، نجد أن القيادة الإسرائيلية لديها عقيدة وإصرار على إحراج القوى السياسية الداعمة للسلام في المنطقة، فما تقوم به إدارة نتنياهو من هذه الإجراءات التعسفية من تهجير للفلسطينيين من منازلهم، واقتحام للمسجد الأقصى، هو العمل الذي يتكرر كل عام خلال شهر رمضان، وما يمثله الأقصى من قدسية للمسلمين كأول القبلتين وثاني الحرمين لحوالي ما يقرب من ملياري مسلم حول العالم، وحسب آراء العديد من المحللين والخبراء في الشؤون السياسية، إنما هو ورقة سياسية يلعب بها نتنياهو لإرضاء اليمين المتطرف بالكنيست الإسرائيلي للحصول على تأييدهم لتشكيل حكومة أغلبية، وخاصة بعد عدم نجاحه مؤخراً في تشكيل حكومة بزعامة حزبه، وهو الأمر المتكرر في العديد من الانتخابات السابقة وعدم نجاح أي قوى سياسية بتشكيل حكومة خلال الأعوام السابقة.
القيادة السياسية الإسرائيلية وكعادتها تضع العالم الحر، وكل القوى المحبة والداعمة للسلام في العالم، وخاصة السياسيين في الدول العربية التي قامت بمبادرة منها مؤخراً بالتطبيع مع الدولة الإسرائيلية، في إحراج شديد وموقف معقد للغاية أمام شعوبهم وأمام التاريخ، لذا، أمام السياسيين العرب فرصة أخرى، إذا أحسنوا الاستفادة منها، بالتعاون والتنسيق مع القوى الدولية المختلفة بالعودة إلى ضرورة إيجاد حل نهائي للقضية الاساسية وهي الصراع العربي – الإسرائيلي والقضية الفلسطينية (وليس قضية قطاع غزة فقط) وهي (القضية الأصلية والأساسية في المنطقة والعالم – قضية القرن )، استناداً إلى:
أولاً، الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن تؤيد حل الدولتين.
ثانياً، تفعيل الدور الفرنسي الدائم والمساند دائماً للقضية الفلسطينية، وموقفه ضد استخدام القوة الإسرائيلية المفرطة ضد السكان العزّل بقطاع غزة.
ثالثاً، حشد القوة الحرة المؤيدة والمحبة للسلام في أنحاء العالم، بضرورة حل تلك القضية، والتي تسببت في دمار وخسائر بشرية ومادية واقتصادية بالمليارات منذ بدايتها وحتى اليوم.
رابعاً، زيادة إقناع العالم بأن تلك الأحداث المتكررة تزيد من العنف والكراهية والعنصرية في المنطقة والعالم، وخاصة مع انتشارها وتوثيقها عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المختلفة.
خامساً، زيادة فاعلية الدور السياسي الرسمي والشعبي والإعلامي لدعم إرساء الأمن والاستقرار بالمنطقة، وأنه من الضروري والواجب وبعد جائحة “كوفيد 19″، وأن العالم بحاجة إلى مزيد من الاتحاد والتضامن، وليس الصراع غير المبرر، والذي يستند على أسباب وحجج بالية عفى عليها لزمن، وأنه حان الوقت للوقوف أمام قوى التعصب الأعمى والكراهية.
سادساً، مناشدة القادة العرب الذين تربطهم أواصر روابط مباشرة ومعلنة مع القادة والمسؤولين الإسرائيليين، للضغط عليهم وحثهم على إيجاد حل نهائي لهذا الصراع وفقاً للمواثيق الدولية والعالمية المدعومة من أغلب دول العالم، وأن السياسية والقرارات الإسرائيلية تضعهم وتعرضهم للإحراج الشديد أمام شعوبهم، وشعوب المنطقة.
أخيراً وليس آخراً، آمل أن يعي القارئ، أن الحلول لا تأتي فقط بالتنديد والشجب والإدانة، وبالتغريدات والمنشورات والهاشتاغ وغيرها.
وكمواطن مصري عربي، لا أملك سوى القلم والكلمة للتعبير عن بعض المواقف والأحداث، فإنني على ثقة بأنه مع وجود الظلم، هناك عدل، ومع وجود الضعف، توجد قوة، والظلام بعده نور، وأن التاريخ عامر بكثير من القصص والحكايات عن نهاية قوى الشر والظلم والعدوان، وانتصار العدل والسلام والمحبة والرحمة والقيم الإنسانية، ذلك هو الأمل للأجيال الحالية والقادمة.
خاص وكالة “رياليست” – د. خالد عمر.