موسكو – (رياليست عربي): اتصل الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) بالرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) مساء أمس الثلاثاء 17 مارس 2025 في تمام الساعة الرابعة مساء 16:00 بتوقيت العاصمة الروسية موسكو، وناقش معه طوال ساعة وثمانية وأربعين دقيقة، تفاصيل العرض (الأمريكي – الأوكراني) لوقف الحرب والمعارك في جميع الجبهات بين الجانبين الروسي والأوكراني ولمدة 30 يوماً.
- وقد وافق الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) على القيام بوقفٍ فوري للضربات الجوية الروسية على مرافق البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا لمدة 30 يوماً، كما وفق الرئيس بوتين على ما سمي بالمفهوم العسكري بــــــ(وقف إطلاق النار المحدود)، لكنه امتنع شخصياً عن متابعة وقف القتال بشكل يتجاوز مدة 30 يوماً، وهو ما يعني وقف الضربات الروسية على مرافق الطاقة الأوكرانية، ولكنه لا يعني وقف الضربات ضدَّ جميع المواقع العسكرية الأوكرانية، وهو الأمر الذي يخالف طموحات الرئيس ترامب.
- وبعد هذه المكالمة مباشرةً، خرج الرئيس الأوكراني (فولوديمير زيلينسكي) متحدثاً بأنه يدعم الإقتراح الأمريكي لوقف ضربات كييف على البنية التحتية الروسية للطاقة أيضاً، مضيفاً بأنه يأمل في التحدث مع الرئيس ترامب مرةً أخرى، لمعرفة (ما قدمه الروس للأمريكيين أو ما قدمه الأمريكيون للروس) خلال محادثته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مكرراً في الوقت نفسه بأن المحادثات المستقبلية بشأن أوكرانيا بدون وجود كييف على الطاولة لن تحقق أي نتائج سلمية يمكن تبنيها لإنهاء هذه الحرب، في الوقت الذي أكد فيه الرئيس بوتين بأن أي اتفاق طويل الأجل بين الجانبين الروسي والأوكراني، بات يتطلب وقفاً كاملاً لتبادل المعلومات الإستخباراتية والمساعدات العسكرية لأوكرانيا من حلفائها.
- وعاد الرئيس الأوكراني (فولوديمير زيلينسكي) مرةً أخرى ليجيب الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) فقال: إن شركاء أوكرانيا لن يوافقوا أبداً على مثل هذه الخطوة، وأعرب عن أمله بأن تستمر المساعدات والإمدادات الغربية إلى أوكرانيا، مؤكداً بأن الطلب الروسي الذي قدمه الرئيس بوتين للأمريكيين، كان ببساطة مثالاً واضحاً على محاولة الرئيس بوتين إضعاف أوكرانيا، لكن الولايات المتحدة الأمريكية، ورغم السجال الإعلامي (الروسي – الأوكراني) بين الرئيسين بوتين و زيلنسكي، إلا أن الرئيس ترامب اعتبر بأن هذه المكالمة الهاتفية قد نجحت لتكون بمثابة الخطوة الأولى نحو تحقيق السلام.
- ولهذا السبب، أكد البيت الأبيض الأمريكي في بيان رسمي له أن الرئيسين ترامب وبوتين اتفقا على قيامهما بخطوة من أجل (التحرك نحو السلام)، والذي يجب أن يشمل في نهاية المطاف وقف إطلاق النار في البحر الأسود، وأن يشمل نهاية كاملة ودائمة للقتال. كما أضاف البيت الأبيض أن هذه المفاوضات ستبدأ على الفور في منطقة الشرق الأوسط في إشارة إلى (المملكة العربية السعودية).
- من جانبه رحب الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) بدعوات الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) لوقف إطلاق النار (البحري)، وأعلن عن موافقة موسكو لبدء المفاوضات من أجل وضع تفاصيل محددة لمثل هذا الإتفاق، وذلك بعد أن اقترح مسؤولون أوكرانيون في وقتٍ سابقٍ إمكانية وقف إطلاق النار في حوض البحر الأسود، ووقف الضربات الصاروخية بعيدة المدى، والإفراج عن السجناء، وذلك خلال اجتماعهم مع الوفد الأمريكي في المملكة العربية السعودية في وقت سابق من هذا الشهر.
- كما أكد الكرملين الروسي أيضاً بعد الإتصال أن روسيا الإتحادية ستبادل 175 أسير حرب مع أوكرانيا، وأن موسكو ستسلم أوكرانيا 23 جندياً مصاباً بجروح خطيرة (هم من الضباط الأوكرانيين الكبار)، فيما ردَّت الإدارة الرئاسية الأوكرانية على الكرملين الروسي قائلةً بأن روسيا الإتحادية يمكن أن تثبت جديتها بشأن محادثات السلام من خلال إطلاق سراح جميع السجناء والأسرى الأوكرانيين.
- وللتخفيف من حدة المفاوضات المتوترة: أكدت موسكو في البيان الرسمي للكرملين ضمن ملخصها عن هذه المكالمة إن السيد (دونالد ترامب) يؤيد فكرة الرئيس (فلاديمير بوتين) لتنظيم مباريات هوكي الجليد في الولايات المتحدة الأمريكية بين اللاعبين المحترفين من الروس والأمريكيين، ليخرج الرئيس الأمريكي بعد وقت قصير من المكالمة الهاتفية، ويعلن قائلاً:
- (لقد اتفقنا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على وقف فوري لإطلاق النار في كل ما يتعلق بمجالات الطاقة والبنية التحتية، وتفاهما أننا سنعمل بسرعة للتوصل إلى وقف كامل لإطلاق النار قريباً، وفي نهاية المطاف، سيكون هناك نهاية لهذه الحرب الرهيبة بين روسيا الإتحادية وأوكرانيا).
- وقد اعتبر أعضاء الإدارة الرئاسية الروسي في الكرملين بأن هذه المكالمة الهاتفية بين الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) ونظيره الأمريكي (دونالد ترامب) الذي بادر بالمكالمة، تعتبر أحدث تطور في العلاقة المتغيرة بشكل كبير بين القوتين العظميين، حيث أكد السيد ترامب بأن هناك إمكانية جدية للتوصل إلى نهاية سريعة للصراع الحالي (الروسي – الأوكراني) رغم توتر العلاقات الأمريكية مع حلفاء واشنطن من الأوروبيين الذين يريدون من الرئيس (دونالد ترامب) الضغط على الرئيس (فلاديمير بوتين) من أجل أن يدفع الأخير ثمن قيامه بالعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
- لكن الرئيس ترامب، ومن خلال مكالمة الأمس، أبدى مرةً أخرى إعجابه بالرئيس بوتين، وقام مجدداً بإلقاء اللوم على أوكرانيا لكونها السبب في استفزاز الروس لقيامهم بالعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، والتي اعتبرها الأوربيون بأنه عملية (غير مبررة)، ولذلك واصلت الدول الأوروبية إظهار دعمها لأوكرانيا في الوقت الذي بدا فيه الرئيس ترامب مؤيداً لموسكو في سعيه لوضع نهاية لهذه الحرب.
وفيما يتعلق بردة فعل الرئيس الأوكراني (فولوديمير زيلنكسي) بعد المكالمة الهاتفية، ليس على الجانب الروسي، وإنما بشأن تفاعله مع القادة والمسؤولين الأوروبيين:
- أعلن (فولوديمير زيلينسكي) أنه تحدث إلى الزعيم الألماني (أولاف شولتز) وكذلك مع الرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون) عقب هذه المكالمة مباشرةً، بالتزامن مع خروج بيان رسمي للمتحدثة البريطانية باسم داونينج ستريت، حيث قالت:
- (نحن نرحب بالتقدم الذي أحرزه الرئيس ترامب مع الرئيس بوتين نحو وقف إطلاق النار، وكذلك نحو المفاوضات القادمة بين روسيا الإتحادية وأوكرانيا. ولكننا نعتقد بأن هذه العملية يجب أن تؤدي إلى سلام عادل ودائم في أوكرانيا. ولذلك سنقف نحن في بريطانيا إلى جانب أوكرانيا ما دامت لندن قادرة على ذلك لضمان عدم تمكن روسيا الإتحادية من شن غزو غير قانوني مرة أخرى).
- وبعد وقتٍ قصير من هذا الإتصال الهاتفي بين الرئيسين الأمريكي ترامب والروسي بوتين، دوت صفارات الإنذار بسبب غارات جوية تعرضت لها العاصمة الأوكرانية كييف، تلاها انفجارات كبيرة في المدينة، حيث أتت هذه الهجمات مباشرةً بعد أن تعرضت مصفاة النفط الخاصة لمجموعة (AES) لأضرار بالغة بسبب الهجوم الروسي المفاجئ الذي ضرب منطقة خاركوف مساء يوم الإثنين 17 مارس 2025، حيث أكدت مجموعة (AES) تدمير المنشأة في (ميريفا) بعد إطلاق نحو 20 طائرة مسيرة، لتؤكد من بعدها السلطات الإقليمية بأن أوكرانيا نفذت هجوماً بطائرة بدون طيار على مستودع نفط روسي في منطقة (كراسنودار) الروسية مما أدى إلى اشتعاله وتحطمه، ولم يسفر الحريق عن إصابة أحد.
- وأضافت وزارة الدفاع الروسية أن وحدات الدفاع الجوي الروسية قد دمرت 57 طائرة مسيرة أوكرانية، منها 35 فوق منطقة (كورسك) والبقية فوق مناطق (أوريول) و(تولا) و(بريانسك) وبحر آزوف، حيث أكد المسؤولون الروس في الوزارة بأن القوات الروسية قد منعت وحدات للقوات الأوكرانية من عبور الحدود (الروسية – الأوكرانية) إلى منطقة (بيلغورود) الحدودية مساء الثلاثاء 18 مارس 2025 مما تسبب بوضع صعب للغاية قرب المدينة الروسية الحدودية.
- وفيما يتعلق بالملفات الفرعية التي سيتناولها الجانبين الروسي والأمريكي بعد المكالمة، فقد أكدت مصادر من واشنطن أمس، بأن هناك بالفعل قائمة طويلة من الطلبات الروسية، أهما رفع جميع العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، وتأكيد السيطرة الروسية على منطقة البحر الأسود، والمناطق التي استعادتها في كورسك، وفك تجميد الأصول المالية الروسية للبنك المركزي الروسي لدى الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي، والتي تقدر بنحو 300 مليار دولار أمريكي، علماً بأن النقاشات كانت تدور حول استخدام فوائد هذه الأموال الروسية المجمدة لتمويل أوكرانيا.
- وتضم قائمة المطالب الروسية أيضاً تخلي أوكرانيا عن طموحاتها للإنضمام إلى حلف شمال الأطلسي الــــــــــــــــ(ناتو)، وهو الأمر الذي دفع نائب وزير الخارجية الروسي ألكسندر غروشكو ليؤكد قبل المكالمة مباشرةً بأن روسيا الإتحادية ستسعى للحصول على ضمانات أمنية صارمة لضمان استبعاد كييف من حلف شمال الأطلسي في أي اتفاق سلام متوقع، حيث أصرَّت روسيا الإتحادية على رفض نشر قوة حفظ سلام أوروبية في أوكرانيا بعد إنتهاء الصراع، علماً بأن بريطانيا وفرنسا أعلنتا استعدادهما لإرسال قوات لمراقبة وقف إطلاق النار. كما تقرر عقد اجتماع بين المفاوضين الأمريكيين والأوكرانيين خلال الأسبوع الحالي، وذلك بعد أن صرح الكرملين بأن مفاوضين أمريكيين أيضاً سيسافرون كذلك إلى روسيا الإتحادية لإجراء المزيد من المحادثات المتاحة بشأن وقف القتال في أوكرانيا.
- وقد أبدت أوكرانيا مخاوفاً كبيرة من هذه المحادثة الهاتفية التي جرت بين فخامة الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) ونظيره الأمريكي (دونالد ترامب)، لاعتقد نظام كييف بأن هذه المكالمة قد شهدت حدوث ميل أمريكي واسع النطاق للإستجابة للمطالب الروسية، والمتمثلة بالإحتفاظ بكثير من الأراضي التي يسيطر عليها الجانب الروسي، ولذلك فإن نظام كييف يعيش حالة قلق من إمكانية حدوث أي محاولة روسية أخرى للسيطرة على أوكرانيا بأكملها بعد بضع سنوات، ولذلك فإن الجانب الأوكراني غير متفائل بالمحادثات التي جرت بين الرئيسين (فلاديمير بوتين) و (دونالد ترامب) لكونها تهدف إلى وقف الحرب بما يتناسب مع طموحات الجانبين الأمريكي والروسي على حساب الأوكرانيين.
- ووفقاً لتقرير عسكري حديث نشره (معهد دراسات الحرب) في مقره الحالي الكائن في العاصمة الأمريكية واشنطن، فإن أوكرانيا فقدت السيطرة على نحو 11 بالمائة من أراضيها منذ بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، حيث تعد التنازلات عن الأراضي من بين أكثر القضايا حساسية، علماً بأن العديد من المسؤولين الأمريكيين قد صرحوا مراراً بأن أوكرانيا ستحتاج إلى التنازل عن بعض الأراضي لإنهاء الحرب مع روسيا الإتحادية، وهو ما يراه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأنه خيار سياسي غير مجد لأنه سيكون مثل «مكافأة» للرئيس بوتين على شن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
- وقد وافقت أوكرانيا على الشروط التي حددتها الولايات المتحدة الأمريكية لوقف إطلاق النار الكامل مع روسيا الإتحادية لمدة 30 يوماً، عقب محادثات مدينة جدة الساحلية في المملكة العربية السعودية لكن منذ موافقة كييف على الشروط، اشتعل القتال على امتداد مئات الأميال من خطوط المواجهة في شرق أوكرانيا، وفي منطقة كورسك الغربية الروسية. علماً بأن أوكرانيا قد شنت ذلك التوغل بكورسك في شهر أغسطس (آب) 2024، واحتفظت بجزء من الأراضي التي طالبت بها في هجومها الأولي، بينما صرحت روسيا الإتحادية بأنها استعادت (سودجا) وهي أكبر مدينة في مقاطعة كورسك، خلافاً لأوكرانيا التي تدعي بأنها ما زالت تسيطر على المدينة الإستراتيجية.
آراء المراقبين والمحللين والخبراء في مراكز الدراسات السياسية و الإستراتيجية الروسية والعالمية:
- تحدث العديد من المراقبين والمحللين والخبراء في مجال العلاقات الدولية من المختصين بملف تطورات الحرب (الروسية – الأوكرانية) وتأثيرها على الأوضاع الأمنية والعسكرية واللوجيستية ليس فقط في بلدي طرفي النزاع، وإنما تأثيرها على الصعيدين الإقليمي والدولي أيضاً، فأكد معظمهم بأن استعداد الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) لتقديم تنازلات إلى موسكو خلال محادثاته الهامة مع الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) قد أدت إلى إثارة قلق حلفاء «الناتو» في أوروبا، الذين باتوا يتساءلون علناً عما إذا كان يمكن الإعتماد على عقود من الضمانات الأمنية الأمريكية للقارة الأوروبية من عدمها، ولهذا السبب فإن المكالمة التي جرت بين الرئيسين الروسي بوتين والأمريكي ترامب، ستزيد من نشاطات الأوروبيين السياسية والعسكرية للتكيف مع النظام الدولي الجديد الذين لا يريد فيه الأوروبيون الإعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية بأي شكل من الأشكال.
- حيث أعلنت العديد من الدول الأوروبية مساء الثلاثاء 18 مارس 2025 عن خشيتها من أي اتفاق سلام سيبرمه الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) مع الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) سيقر لاحقاً بسيادة روسيا الإتحادية على الأراضي الأوكرانية، على الرغم من معارضة الأوروبيين لذلك، بسبب مخاوفهم من انتهاك الجانب الروسي لأي اتفاقيات والمضي في طموحات الكرملين لتهديد بولندا ودول البلطيق.
- بالرغم من هذا، وخلافاً للأوربيين، فإن الأمريكيين يعتقدون بأن هذه المكالمة ستسمح للجانبين بأن يدعي الفوز في نهاية المطاف ضمن مساعيه الخاصة به، سواءً الرئيس ترامب، أو الرئيس بوتين، حيث يؤكد الخبير الأمريكي (مارك ستون)، بأنه بالنسبة للرئيس ترامب، فإنه يستطيع أن يزعم بأنه نجح في تأمين وقف إطلاق النار على مراحل، أي وقف إطلاق النار الجوي والبحري ومن ثمَّ البري، وسيزعم على نحو صحيح أنه نجح في تقريب المسافة إلى السلام (على الأقل في الأمد القريب) في هذا الصراع الطويل.
أما النسبة للرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) فقد قبل بوقف إطلاق النار الجزئي وعدم استهداف مرافق الطاقة والبنية التحتية في أوكرانيا، لكنه لا يزال قادراً على مواصلة حربه على طول خط المواجهة هناك، وهو الأمر الذي يحتاجه الرئيس بوتين بالضبط، لأنه يعتقد أنه يملك اليد العليا ويمكنه مواصلة الصراع في ساحة المعركة لدفع خط المواجهة إلى أقصى الغرب قدر استطاعته.
- ويبرر الخبير الأمريكي (مارك ستون) رأيه هذا، بأن هذه الحرب (الروسية – الأوكرانية) قد اندلعت منذ البداية لكسب المزيد من الأراضي واسترجاع المزيد من الأراضي، حيث بات معروفاً بأن روسيا الإتحادية تريد السيطرة على أكبر قدرٍ ممكن من الأرض قبل توقيع أي خطةٍ لوقف إطلاق النار الشامل، وهذا الأمر ينطبق على بعض المناطق مثل مدينة (أوديسا) مثلاً، وغيرها من المناطق التي تعود سابقاً في التاريخ إلى الإمبراطورية الروسية القيصرية.
- وحول هذه النقطة بالذات، يقول (مايكل كلارك)، المحلل العسكري البريطاني والمدير السابق للمعهد الملكي للدراسات الإستراتيجية، والذي يتخذ من لندن مقراً له، إن العالم، وبعد المكالمة الأخيرة بين الرئيسين بوتين و ترامب، سيعتبر روسيا الإتحادية بأنها المنتصرة في هذه الحرب، لأنه في الحقيقة باتت قريبة من إنهاء هذا الصراع، وباتت قريبة من عملية بسط السيطرة على الأراضي التي حصلت عليها واستطاعت تخفيف التوترات مع الولايات المتحدة الأمريكية، ولذلك، وفي حال وفا الرئيس ترامب بوعده بأن ترفع الولايات المتحدة الأمريكية العقوبات عن روسيا الإتحادية، وكذلك في حال حصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على شراكة إستراتيجية مع واشنطن كما تطمح موسكو، وهو الأمر الذي تسعى إليه إدارة الرئيس الأمريكي (دونالد ترمب) فإن بقية دول العالم ستجلس مكتوفة الأيدي.
- ويتابع الخبير البريطاني (مايكل كلارك) قائلاً: (إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بدأ يظهر عالمياً بأنه حقق السلام، وإن كان على المدى القصير، وفي حال قام الرئيس بوتين بالهجوم على أوكرانيا مرة أخرى في العام 2029 أو 2030، فإن الرئيس ترامب سيتفاخر بأن الرئيس الروسي لم يستطِع غزو أوكرانيا مرة أخرى خلال فترة وجوده في البيت الأبيض، وهو الأمر الذي بات يرضي الفريق الرئاسي الروسي تماماً كما يرضي الفريق الرئاسي الأمريكي، ولكن هذا الأمر بات يغضب القارة الأوروبية كثيراً وليس فقط أوكرانيا، ولذلك صدرت بعد المكالمة والمحادثات العديد من البيانات الرسمية الأروبية غير المتفائلة بسير هذه المحادثات الروسية الأمريكية.
- فيما يرى خبير ثالث، هو الخبير العسكري والأمني الروسي المتشدد، المفكر وعالم السياسة والإجتماع الروسي (ألكسندر دوغين) وهو أكثر المفكرين الروس قرباً من الرئيس بوتين، أنه لا يرى حلاً سريعاً لأزمة أوكرانيا، على الرغم من التقارب الإيديولوجي الحاصل بين الرئيسين فلاديمير بوتين و دونالد ترامب.
- ويضيف الخبير الروسي (ألكسندر دوغين) أن حل الأزمة الأوكرانية الحالية لن يكون سريعاً للأسف، رغم الجهود الكبيرة التي يبذلها الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) مقارنة بالحلفاء الغربيين للأوكرانيين، ورغم طبعه المحافظ ودفاعه عن القيم التقليدية الوطنية للأمة الأمريكية، إلا أن الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) يريد أن يؤكد من خلال محادثاته مع الجانب الروسي أن النظام العالمي تقوده القوى العظمى فقط، مثل الروس والأمريكيين، وهو يلتقي في هذه النقطة شكلاً وتفصيلاً مع الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) بل ويتفق معه حتى على تبني هذا النموذج بدلاً من العولمة الليبرالية الأوروبية المنشأ، ولهذا السبب نرى كيف شرع كلا من الرئيسين ترامب وبوتين بالمحادثات، والتي لم تكن أوكرانيا هي كل شيء فيها، صحيح أنها كانت الأساس لهذه المحادثات، ولكنها لم تكن الأهم، لأن الأهم في هذه المحادثات هو إمكانية توصل الزعيمين إلى إتفاق جديد حول هيكلية مشتركة لترتيب النظام العالمي.
- فيما يرى خبير رابع، هو الخبير الأمريكي العالمي (ستيف ويتكوف) والذي يشغل حالياً منصب مبعوث الرئيس الأمريكي إلى روسيا الإتحادية وأوكرانيا، أن هناك اتفاقاً مطروحاً على طاولة محادثات وقف إطلاق النار، موضحاً أن الروس يركزون على أن تتناول هذه المحادثات كافة مناطق المفاعلات النووية، والوصول إلى الموانئ وتوقيع إتفاقية محتملة بشأن البحر الأسود، وجملة هذه التفاهات مرضية نوعاً ما لجميع الأطراف المعنية، بمن فيهم الأمريكيين، الذين باتوا ملتزمين ببذل كل ما في وسعهم للتوصل إلى حل ناجح، خاصةً بعد أن التقى (ستيف ويتكوف) مع الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) في موسكو وطرح عليه المبادرة التي اقترحها البيت الأبيض لوقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً.
- ويتحدث هنا خبير خامس، هو الخبير العالمي (نيل مالفين) والذي يشغل مكتب مدير الأمن الدولي في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، ويعمل على دراسة ديناميكيات الأمن الدولي، ولا سيما في أوروبا وأوراسيا، والخليج والشرق الأوسط، ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، فيؤكد مالفين أن منطقة البحر الأسود مهمة جداً لروسيا الإتحادية، وتعدُّ أحد الأهداف الرئيسية للترويج لروسيا الإتحادية كقوة عظمى من خلال سيطرة الرئيس بوتين على هذه المنطقة، والسعي للإحتفاظ بها منذ عام 2014، عندما استولت روسيا الإتحادية على شبه جزيرة القرم، ثم انخرطت في العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في 2022 لتوسيع القوة العسكرية عبر جنوب القوقاز، بعد أن أنشأت روسيا الإتحادية قواعد عسكرية لها في جورجيا وأرمينيا، لكن مع زيادة قدرات حلف شمال الأطلسي العسكرية الدفاعية وانضمام السويد وفنلندا للحلف، لم تعد روسيا الإتحادية قادرة على الوصول إلى منطقة البلطيق بشكل فعال، لذا أصبحت منطقة حوض البحر الأسود اكثر أهمية للرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) وهو الآن لا يستطيع تحمل خسارة هذه المنطقة، ولذلك سيعمل على ضمها بالكامل سلماً أو حرباً، حيث طرح هذا الملف ضمن المكالمة الهاتفية وتعهد الجانب الأمريكي ببحثه مع الجانب الروسي لاحقاً.
- فيما يؤكد خبير سادس، هو الخبير الروسي العالمي (دميتري ترينين) الرئيس السابق لمعهد (كارنيغي) في العاصمة الروسية موسكو، أن الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) حاول من خلال المحادثة الهاتفية التي أجراها أمس مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، طرح عدة سبل لإنهاء حرب أوكرانيا، ومن بين هذه السبل، طرح الرئيس الأمريكي على الرئيس الروسي إمكانية (تبادل أراضٍ) بين الجانبين من أجل تجاوز عقبة الهدنة المقترحة من الجانب الأمريكي، وهو الأمر الذي أخذه الرئيس (فلاديمير بوتين) على محمل الجد، ولكنه قد لا يوافق عليه في نهاية المطاف، لأنه ليس مضطراً للقيام بذلك في الوقت الحالي، خاصةً بعد أن استعادت القوات الروسية كافة أراضي مقاطعة (كورسك) حالياً، وباتت تجهز للتقدم في داخل أراضي أوكرانيا بالتزامن مع بدء فصل الربيع وتغيير المناخ الذي سيسمح بالمزيد من العمليات العسكرية من قبل القوات العسكرية الروسية المنتشية بتقدمها العسكري حالياً.
- ويضيف الخبير الروسي (دميتري ترينين) أن الرئيس ترامب قد أخبر الصحفيين على متن طائرة الرئاسة الأمريكية مساء يوم الأحد 16 مارس 2025، بأن جدول الأعمال الي سيبحثه مع الرئيس بوتين سيشمل تبادل الأراضي إضافة إلى محطات الطاقة، خاصةً وأن كييف قد وافقت على الشروط التي حددتها واشنطن لوقف إطلاق النار الكامل مع موسكو لمدة 30 يوماً، عقب المحادثات التي جرت برعاية سعودية في مدينة جدة، وهو الأمر الذي سيجعل كلمة الفصل الأولى والأخيرة في هذه المحادثات بيد الكرملين الروسي وليس بيد الأمريكيين، وهو الأمر الذي يقلق الأوكرانيين والأوروبيين.
- فيما تحدث خبير سابع، هو الخبير البريطاني العالمي (جيمس ليندل) وهو متخصص في الشؤون الأمنية والعسكرية، أنه وبعد المكالمة الهاتفية الأخيرة التي جرت أمس بين الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) والرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) أصبحت بعض الأمور أكثر وضوحاً، حيث سيكون من غير المرجح أن يتم حل السلام في أوكرانيا من خلال محادثة واحدة، على الرغم من وعود البيت الأبيض بالتواجد على (خط العشرة ياردات من السلام).
- ويتابع الخبير البريطاني (جيمس لندل) أن الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) ووفق معلومات مؤكدة قد رفض عملية وقف إطلاق النار غير المشروط، وأصرَّ بدلاً من ذلك على تلبية شروطه القصوى قبل أن يوافق على إنهاء القتال. وكما نعلم فهناك فرق بين الوعد بإنهاء الهجمات على البنية التحتية للطاقة والوفاء بهذا الوعد بالفعل، كما أظهرت الضربات الروسية التي شنتها القوات الروسية ليل أمس بعد المكالمة مباشرةً على نظام الطاقة الخاص بالسكك الحديدية في أوكرانيا.
- ويختم (جيمس لندل رأيه قائلاً): يبدو أن دونالد ترامب مستعد لإقناع أوكرانيا بدعم وقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً في جميع أنحاء البلاد، لكنه غير مستعد حتى الآن لتهديد روسيا الإتحادية عندما تفشل في القيام بالمثل. ورغم أن الرئيس ترامب، وكما يقول عنه الدبلوماسيون الغربيون بأنه يتسم بقدر كبير من الصبر، إلا أن الرئيس ترامب أظهر قدراً كبيراً من الصبر تجاه الرئيس فلاديمير بوتين، وقد لا يصبر لاحقاً أكثر من ذلك، لأن المفاوضات الفنية يجب أن تستمر، نظراً لأن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تقود هذه المفاوضات على المستوى الثنائي، وكذلك بشكلٍ منفصلٍ مع روسيا الإتحادية وأوكرانيا، وحتى مع أوروبا كلاعبٍ صغير يستعد لهذه اللحظة، إذا تمَّ الإتفاق على وقف إطلاق النار الشامل.
- فيما يرى خبير ثامن، هو الخبير السياسي الأوكراني (أوليكساندر ميريزخو)، وهو نائب أوكراني متشدد، ومعادٍ للروس كثيراً، وهو يترأس حالياً لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأوكراني (رادا)، حيث يؤكد الخبير ميريخو، بأن الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) لن يوافق على وقف إطلاق النار بأي شكلٍ من الأشكال، لأن هذا الرفض يصبُّ في مصلحته بشكلٍ واضح في الوقت الحالي، وهو الأمر الذي لا يريد أن يستوعبه الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب)، على الرغم من أن هذا الأمر كان واضحاً منذ البداية ضمن تصريحات (فلاديمير بوتين) بعد أن رفض الأخير وقف إطلاق النار الكامل والفوري في مكالمته الأخيرة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ويضيف الخبير (أوليكساندر ميريزخو) أن الهجمات التي شنتها روسيا الإتحادية على أوكرانيا الليلة الماضية تظهر الرد الحقيقي من جانب (فلاديمير بوتين) على اقتراح السلام، وهذا الأمر يشكل نوعاً من الإذلال للرئيس ترامب من قبل الرئيس بوتين برفض إقتراحه.
وفي نهاية المطاف اتفق جميع هؤلاء الخبراء من الأمريكيين والأوروبيين والأوكرانيين والروس بأنه وخلال مكالمة الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) مع الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين)، بات هناك بعض النقاط التي تمَّ الإتفاق عليها، وهناك نقاط أخرى أيضاً من تلك التي لم يتم الإتفاق عليها، وهي على الشكل التالي:
ما تمَّ الإتفاق عليه بين الجانبين الأمريكي والروسي:
- القيام بوقف الهجوم على محطات الطاقة لدى الجانبين: قالت روسيا الإتحادية إنها قبلت اقتراحاً لكلا الجانبين بوقف استهداف البنية التحتية للطاقة لمدة 30 يوماً، وأن الأمر تمَّ تمريره إلى الجيش الروسي “على الفور” من أجل وقف قصف محطات الطاقة الأوكرانية.
- إجراء المزيد من المحادثات: سيواصل الوسطاء الحديث كجزء من الجهود المبذولة لحل الصراع الحالي، حيث أكدت الولايات المتحدة الأمريكية بأن المفاوضات ستبدأ على الفور في منطقة الشرق الأوسط.
- إجراء مفاوضات بشأن البحر الأسود: ستجري كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الإتحادية مفاوضات محددة بشأن الشكل المحتمل لوقف إطلاق النار البحري في منطقة حوض البحر الأسود.
ما لم يتم الإتفاق عليه بين الجانبين الأمريكي والروسي:
- وقف إطلاق النار الكامل: لم توافق روسيا الإتحادية على الإقتراح الأمريكي بوقف إطلاق النار الفوري الذي تدعمه الولايات المتحدة الأمريكية وأوكرانيا لمدة 30 يوماً على الأرض والبحر والجو.
- فيما يتعلق بشروط السلام: ما زال الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) مصمماً بأن (الشرط الأساسي) لتحقيق حل دائم للسلام، هو توقف أوكرانيا عن عمليات التسلح وتلقي المساعدات العسكرية والدعم الإستخباراتي، فيما لم يذكر البيان الأمريكي الرسمي الصادر بعد المكالمة أي شيء عن هذا.
- وبناءً على المعلومات التي قدمتها كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الإتحادية، فإنه من غير الواضح ما هو حجم المشاركة الأوكرانية في المفاوضات المستقبلية، أو ما إذا كان هناك أي اتفاق بشأن هذه القضية مبدئياً، لأن الجانبين الروسي والأمريكي لم يتحدثا كلاهما عن المشاركة الأوكرانية ضمن أي محادثاتٍ مستقبلية، وهو ما قد يعني أنها لم يتم بحثها من الأساس بين الجانبين الأمريكي والروسي، وهذا الأمر هو الشيء الذي كان يخشاه الأوكرانيون ومن خلفهم الأوربيون.
خاص وكالة رياليست – حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية.