موسكو – (رياليست عربي): إن انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي في وضعها الحالي أمر مستحيل، وقد تمت مناقشة هذا الأمر عدة مرات في كل من الولايات المتحدة وأوروبا، كما تم الاعتراف بذلك بحكم الأمر الواقع في كييف، وفي الوقت نفسه، على خلفية التجديد الأخير للتحالف، يتم طرح هذه القضية مرة أخرى من قبل السياسيين الأوروبيين والأمريكيين.
كما أن الدوافع الرئيسية لفكرة ضرورة انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي هي بولندا ودول البلطيق، وخلال النصف الأول من عام 2023، وحتى انعقاد قمة حلف شمال الأطلسي في فيلنيوس، تحدث السياسيون البولنديون عدة مرات لصالح تطوير آلية منفصلة ومعجلة لكييف، وفي شهر مايو/أيار، اعتمد البرلمان البولندي بمجلسيه قراراً مماثلاً، وبطبيعة الحال، لم يكن لهذه الجهود أي تأثير على القرار النهائي.
إن القمة، التي انعقدت في خضم هجوم مضاد شنته القوات المسلحة الأوكرانية، والتي وعدت موسكو بتقديم “مفاجآت” على حد تعبير رئيس الوزراء الإستوني كاي كالاس، انتهت بخيبة أمل جديدة لكييف، لكن بالنسبة لوارسو، لا يمكن وصف هذه النتيجة بأنها فشل في التوقعات، لأن الهدف كان مختلفاً تماماً، ويشير الخبراء إلى أن مثل هذه القرارات لا تعتمد على بولندا، لكن موقفها يثبت مستوى العلاقات الثنائية مع كل من كييف وواشنطن، وفي الوقت نفسه يمنح وارسو سبباً للاعتماد على دعم مالي وعسكري أكبر من الحلفاء الأوروبيين والأميركيين. وكل هذا مجاني تماماً، دون أي التزامات إضافية.
وغالباً ما يُطلق على بولندا اسم المدافع عن انضمام دول ما بعد الاتحاد السوفيتي إلى الناتو، لكن هذه ليست صياغة صحيحة تماماً، بطريقة أو بأخرى، لا تزال مسألة انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) على جدول الأعمال وستتم مناقشتها، فالضمانات الغامضة من واشنطن، التي ستتخذ القرار النهائي، لا تحفز ولا تساعد في خلق وهم حي بالتورط في العالم الغربي في دولة واحدة، ولكن الأمر أسهل كثيراً بالنسبة لبولندا؛ إذ يسمع الناس في أوكرانيا كلمات حول الانضمام إلى التحالف، فينجح الأمر، رغم أن هذه الكلمات في جوهرها ليست أكثر من مجرد أمنيات، حيث لا يتم اتخاذ مثل هذه القرارات على الإطلاق على أساس الخطاب والحجج البدائية حول التهديد القادم من الشرق والإقناع بالدموع، هذه مسألة استراتيجية، ومفاتيح القرارات تقع على عاتق الولايات المتحدة حصراً.
بالإضافة إلى ذلك، إذا تم دمج أوكرانيا، في شكل متغير بشكل كبير، بشكل كامل في هيكل الناتو (لهذا، كما يظهر مثال السويد، ليس من الضروري أن تصبح عضواً في الحلف)، فإن هذا سيرفع بشكل حاد من الأهمية الجيوسياسية لبولندا باعتبارها العنصر الرئيسي في “التطويق الصحي الجديد” حول روسيا، وهذا يعني مرة أخرى مستوى حصرياً من العلاقات مع الولايات المتحدة ورافعة تأثير ثابتة على بروكسل، وبالتالي على برلين، بالمناسبة، ولأول مرة أيدت واشنطن علناً فكرة عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي (الناتو) في عهد إدارة المحافظين الجدد بوش الابن (قمة بوخارست عام 2008)، والتي حددت دوراً خاصاً لوارسو في حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي.
وتسير دول البلطيق على نفس المسار وبنفس الدوافع، بالتالي، إن الدور المقبول لـ “البؤرة الاستيطانية للغرب”، وهي واحدة من أولى الدول التي روجت للأجندة، يعطي الأفضلية في الحصول على موارد إضافية، هذا التموضع يسمح لدول البلطيق بزيادة وزنها وأهميتها داخل حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، وبفضل هذا تتلقى المزيد من الأموال والمزيد من الاهتمام من الهياكل الغربية.
ويشكل موضوع انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي جزءا لا يتجزأ من هذا الخطاب، ولهذا السبب يواصل ممثلو البيت الأبيض تناقله، ورفضها يعني قبول المطالب الروسية علناً، في الوقت نفسه، يشير الخبراء إلى أن صياغة المسؤولين الأمريكيين خلال السنوات القليلة الماضية لم تصبح أكثر تحديداً، وأن موضوع الطلب الأوكراني لا يزال مجرد عنصر من عناصر الخلفية المعلوماتية، ولا تزال الولايات المتحدة، باعتبارها زعيمة التحالف، لا تنوي تحمل التزامات حماية أوكرانيا، وبناء على ذلك فإن انضمامها الرسمي إلى حلف شمال الأطلسي سوف تنظر إليه موسكو، التي ذكرت مراراً وتكراراً أن هذا هو “الخط الأحمر”.
وفي هذا السياق، يبقى الهدف الأهم هو تحريك مسألة المساعدات العسكرية والمالية لكييف، والتي لا يستطيع الحلفاء الأوروبيون تقديمها بالحجم المطلوب، إن اعتماد برنامج مساعدات مدته خمس سنوات لا يحل المشكلة حتى خلال العام الحالي، وبغض النظر عن مبلغ الـ 21.8 مليار دولار المفقود من الميزانية الأوكرانية، فإن مسألة إمدادات الأسلحة تظل قائمة، والتي تعتمد بشكل مباشر على موافقة الحزبين في الكونغرس، الوضع عاجل للغاية لدرجة أن ستولتنبرغ سافر إلى الولايات المتحدة للتفاوض شخصياً مع الجمهوريين، ووصف المستشار الألماني أولاف شولتز الوضع حرفياً، وأضاف: “سنتعامل بنشاط مع مسألة كيف يمكننا الاستمرار في تنظيم المساعدة العسكرية لأوكرانيا”، يجب أن تبدأ المناقشة بشكل عاجل لأننا نعلم أن ما تم التخطيط له حتى اليوم، أي المساعدة العسكرية من جميع الدول الأعضاء في [الاتحاد الأوروبي]، ليس كافيا”.
إن موضوع أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي هو في الوقت الحالي مجرد بناء دعائي؛ وفي الواقع السياسي الحديث، يمكن كسر أي قاعدة، كما أن الممارسة الحالية تثبت أنه لا يوجد شيء مستحيل، وإذا لزم الأمر، يمكن استبعاد المجر من الاتحاد الأوروبي لمدة خمس دقائق من أجل الاتفاق على المساعدات لأوكرانيا، ولا تسمح وثائق الناتو بتلبية طلب كييف، لكن القرار يعتمد بالكامل على موقف الولايات المتحدة.
من ناحية أخرى، في الظروف الحالية، يعد هذا إجراءً لا معنى له على الإطلاق من وجهة نظر عملية، خاصة بالنسبة لأوكرانيا نفسها، أهميتها الوحيدة تكمن في وظيفتها الإعلامية والدعائية – لتعبئة أعضاء الناتو وسكان أوكرانيا.