يبدو أن مشروع الشرق الأوسط قد بدأت تتضح معالمه، والأمطار الجيوسياسية الذي يفسر بجملة معطيات ومتغيرات سياسية تضع المنطقة برمتها على فوهة بركان من التوتر والصراع، حيث تشكل الولايات المتحدة الأمريكية الفاعل الرئيسي وصاحب النفوذ والقرار في إعادة تشكيل ملامح المنطقة بما يتوافق مع مصالحها وطموحاتها بعد أن اتخذت لهذه الغاية استراتيجية محددة تتقاطع مع مصالح شعوب المنطقة، تسعى من خلالها للسيطرة بشكل مطلق على كافة الأنظمة السياسية في الإقليم، خاصة وأنها جاءت في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي وتشكل القطبية الأحادية وانتهاء الحرب الباردة.
فعقب خطاب الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب في الكونغرس عام 1990الذي تضمّن الدعوة المباشرة لبناء نظام عالمي جديد وفق رؤية أمريكية تنسجم مع مصالحها، ليظهر مشروع الشرق الأوسط الجيد في أدبيات هذا المشروع في قاموس وزارة الخارجية الأمريكية، الذي يقصد به المدى الذي ستصل إليه الولايات المتحدة الأمريكية في نفوذها وتأثيراتها في هذا الإقليم، لذلك تحركت جامعة هارفرد بالشراكة مع مراكز الفكر الأمريكية كمركز راند ومركز EmERGY بجامعة فلوريدا لوضع الإطار الفكري حول مضامين هذا الخطاب في إسم النظام العالمي الجديد، بعد أن أعلن الرئيس بوش الأب عن تدخل مباشر لإخراج القوات العراقية من الكويت والتي سبق وغزتها في الثاني من أغسطس/ آب عام 1989، فجاءت نتائج حراك مراكز الفكر الأمريكي تفاعلية لإنتاج مشروع متدرج وعلى فترات متتالية تبدأ بالحرب على الإرهاب وإسقاط ما سمي بالدول المارقة ومن ثم رسم صورة محددة للمنافع الاقتصادية للمشروع وآثاره الثقافية والسياحية والدينية بشكل يثير الدهشة حول نظرة الغرب لشعوب المنطقة، حتى أنها تسعى لتصل بهذه الاستراتيجية إلى نظام استعماري يشمل المنطقة بأكملها بمظلة جيوسياسية جديدة هي الشرق الأوسط الكبير الجديد.
لهذا الإطار ووفق ملامحه ومؤشراته التي تتزايد بشكل سريع وأكثر وضوحا، خاصة مع التسريبات والتقارير الإعلامية التي تتناولها ماكينة الإعلام الإسرائيلية والأمريكية لتي تشن حربها الممنهجة في حرب نفسية، تسعى بها لتهيئة المسرح المحلي والإقليمي والعالمي لخطوات تنفيذية جوهرية تسمى صفقة القرن، عكفت مؤسسات صنع القرار الأمريكي ومراكزها الفكرية منذ أكثر من ثلاثة عقود على صياغتها. لإحداث تغييرات جذرية سياسية واقتصادية عميقة، تأخذ شكلا سياسيا تحاول إظهاره بشيء من الإيجابية وتحت شعار تحقيق السلام الديني العالمي للتخلص من التطرف والكراهية والعنف المستمد من الأجداد عبر الاحترام المتبادل بين أطراف النزاع في العالم دون الخوض في أسباب هذا النزاع، بتدخل غاية في الذكاء يحقق بين اسرة إبراهيمية واحدة.
تعد أبرز مضامين العلاقة بين مشروع الشرق الأوسط وصفقة القرن، فقد تجددت خطواتها منذ تسعينات القرن الماضي، بهدف إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وتصفية القضية الفلسطينية بمساعدة أطراف إقليمية مؤثرة، خاصة وأن التسريبات تعكس آليات منهجية في إشغال الرأي العام العربي الإسلامي بقضايا غير موضوعية، وبحرب إعلامية نفسية، تحمل في مضامينها ملامح المبادرة الأمريكية الإسرائيلية تستكمل مشروعها الشرق أوسطي، على شكل شيفرات غير واضحة، يسوقها بعض أعضاء فريق إدارة هذا الملف سواء كوشنير أو فريدمان، عبر وسائل إعلام أمريكية وإسرائيلية تحاول تهيئة المسرح السياسي بإشراف وإدارة فريق عمل محدد لهذه الغاية.
هناك مؤشرات تفسر العلاقة بين ما تم تجهيز الإعلان عنه من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وفريقه وبين ما يراد تنفيذه على مستوى المنطقة، والاستعدادات التي تنتظرها المنطقة وفق ما تم تمريره لوسائل الإعلام وبعض الحلفاء والأصدقاء، بدء من إجراء نقل السفارة الامريكية إلى القدس وإعلان الجولان منطقة إسرائيلية، فهي استراتيجية أمريكية واضحة الملامح وصلت في مراحل تنفيذها إلى مراحلها النهائية، لتوصف بانها ليست موجهة للفلسطينيين وإنما تسعى لإزالة الحدود وإخفاء كل العقبات امام الفلسطينيين في الانتقال عبر الحدود في ظل منحهم أرض وجنسية بعض دول المنطقة وحرية التملك فيها، كبداية التغيير الذي تسعى الصفقة إلى تحقيقه في وضع اللاجئ الفلسطيني على الأرض التي يقيم عليها من خلال توطينه أينما وجد.
وفي تحليل العديد من وسائل الإعلام الغربي حول ملفات شائكة ومعقدة، فإن جهود أمريكية تسعى إلى إعادة صياغة كل الإمكانيات المتاحة لخدمة إسرائيل ومشروعها الاستعماري في المنطقة وتحقيق أدوات تغلغلها في الأنشطة الاقتصادية والسياسية في إطار فكري ثقافي حركي، فهي تضع الرأي العام أمام منافع هذه الصفقة وتحرير الحدود وإزالتها عبر مشروعات الربط الجغرافي مع إسرائيل بمشروعات اقتصادية استثمارية كبرى، وجذب الدعم الشعبي لها عبر طرق الحج الديني المشترك والتي تشرف على رسم مساراته جامعة هارفرد، وتحديد حجم المرافق والمشروعات التي ستترافق مع امتداد هذه المسارات وبيان المنافع التي ستدفق بسببها على شعوب المنطقة.
ما يثير التساؤل حول هذا الإجراء تخبط قطاعات رسمية وشعبية في المنطقة حول تداول هذه التسريبات وآخر الخطوات المراد تمريرها لهذا المشروع التفكيكي الذي ظهرت بوادره في شمال شرق سوريا كحركة تشكل اتحاد إبراهيمي فيدرالي يرفض إقامة دولة قومية سورية كبداية لنموذج يعمم لاحقا بعد اتساع نطاقها.
جاء مؤتمر البحرين للبحث في المنافع الاقتصادية من مشروع الصفقة المحتومة والإجراءات التي تواجه ندرة الموارد وتداعيات انخفاض أسعار البترول ونقص مصادرها، بالإضافة إلى تناوله لتداعيات انخفاض أسعار البترول بسبب تصديره دون تصنيع لعدم توفر التكنولوجيا لذلك، في المقابل ستوفرها إسرائيل في حال تم اتفاق الأطراف كافة على إنجاز الصفقة وتوقيعها كوثيقة لتصبح ملزمة لجميع الأطراف الإقليمية والفواعل الدوليين.
خاص وكالة “رياليست” – الدكتور اياد المجالي، الباحث في العلاقات الدولية والشؤون الإيرانية