حجز فيلم “الخصم” –بالفارسية: دُشمَن، والإنجليزية: Opponent، والسويدية: Motståndaren– للنجم الإيراني اللامع “پَیمان مَعادي” مكانه في قائمة الأفلام المرشحة للفوز بجائزة الأوسكار ٢٠٢٤ عن فئة أفضل فيلم أجنبي (غير ناطق بالإنجليزية)، ومن المقرر أن تُقام النسخة الــ ٩٦ من حفل توزيع جوائز “أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة”The Academy of Motion Picture Arts and Sciences المانحة للأوسكار في 10 من مارس القادم.
“الخصم” إنتاج سويدي – نرويجي مشترك عام ٢٠٢٣، وهو يمثل السينما السويدية في مسابقة الأوسكار هذا العام. الفيلم من تأليف وإخراج المخرج السويدي إيراني الأصل “ميلاد عالمي”، ويشارك معادي البطولة “مارال نصيري”، و”أردلان إسماعيلي”، وبيورن إلجرد” Björn Elgerd.
دُشمَن “الخصم”
يروي فيلم “الخصم” قصة مصارع إيراني محترف يلعب في المنتخب الوطني للمصارعة اليونانية – الرومانية يُدعى “إيمان (پیمان معادي)”، يفر من البلاد بصحبة زوجته “مريم (مارال نصيري)” وابنتيه إلى السويد، وذلك بعد اتهامه بالشروع في قتل أحد أقرانه جراء شجار مبهم الأسباب.
يسعى إيمان بشتى الطرق إلى الحصول على حق اللجوء في دولة السويد، لذا يقرر الانضمام إلى فريق المصارعة السويدي من أجل تقنين وضعه في البلاد وتسهيل إجراءات الموافقة على طلب اللجوء، لكنه محاولته تؤول بالفشل.
أثناء اللقاء الدوري في وكالة الهجرة السويدية، يختلق إيمان قصة عجيبة، علَّها تساعده في الحصول على حق اللجوء، مفادها أنه أقام “علاقة حميمة” مع أحد رفاقه في فريق المصارعة الإيراني، فانتاب رفيقه حالة الذُعر، وأخذ يتلاسن بالأمر على مسمع الجميع، لذا اضطر إيمان أن يفر من البلاد خشية من الموت، لأنه القضاء الإيراني يقضي بإعدام المثليين، وبالتالي إذا عاد إلى البلاد سيلقى حتفه.
القصة التي اختلقها إيمان، وأخبر زوجته أنها أكذوبة قد تحل مشكلة اللجوء، أكدت شكوك “مريم” حيال تصرفات زوجها، وفكت الطلاسم المعقودة حول شخصية البطل منذ بداية الفيلم.
على الرغم من حصول إيمان وأسرته على حق اللجوء في السويد، تعود مريم بصحبة البنتين إلى إيران دون علمه بعد مواجهته بالحقيقة. لا يستطيع إيمان البقاء بعيدًا عن زوجته وابنتيه، فيقرر العودة إلى إيران، لكن سرعان ما تأتي الشرطة في إثره.
معاناة اللاجئين الإيرانيين في ديار الغربة
يناقش المخرج “ميلاد عالمي” من خلال فيلم “الخصم” مشكلات اللاجئين الإيرانيين في الدول الأجنبية، وما يتعرضون له من ضغوط في بلادهم تجبرهم على الفرار إلى الخارج بسبب ميولهم السياسية، أو الفكرية، أو العقائدية، أو العاطفية المتناقصة مع النظام.
وبعيدًا عن قضية “المثلية” التي عمد عالمي تشريحها بمشرط دقيق، سعى الفيلم إلى إبراز معاناة اللاجئين في ديار الغربة، وتنقلهم المستمر بين مراكز الإيواء على أطراف المدن وفي المناطق الحدودية بعيدًا عن السكان الأصليين. هذا فضلًا عن حالة القلق المسيطرة على هؤلاء اللاجئين خوفًا من الترحيل في أي وقت.
من أبرزها المشاهد التي تبلور هذه الصورة العامة، انتحار “عباس (أردلان إسماعيلي)” مضرمًا النار في نفسه، بعدما رُفض طلب لجوئه على الرغم من عمله وقت طويل مع الحكومة السويدية كمترجم فارسي، وبيعه إحدى كُليته لمواطن سويدي أملًا في الموافقة على طلب اللجوء.
پیمان معادي في دور جديد وبوجه جريء
لا شك أن موافقة الممثل الإيراني صاحب الجوائز المحلية والعالمية “پیمان معادي” على أداء دور رجل تحوم حوله شبهة المثلية تعد جرأة كبيرة منه؛ وهي مخاطرة لم تكن الأولى في مشوار معادي السينمائي المقرون بالنجاحات والإشادات على المستوى النقدي والجماهيري، فقد لعب أكثر من مرة أدوارًا جريئةً في أفلام إيرانية وأجنبية تتعارض مع أيديولوجيات النظام الإيراني بشكل أو بآخر.
معادي مزدوج الجنسية، فهو يحمل الجنسية الأمريكية بحكم محل مولده، حيث رأت عيناه النور في نيويورك حينما كان أبوه يدرس في كلية الحقوق بجامعة “كولومبيا”. ربما يكون هذا الأمر قد أعطى له مساحة من الحرية في اختيار الأدوار والتنقل بين المألوف منها والمستغرب، وجعله يكسر حاجز الخوف من المنع من العمل داخل إيران مثلما يحدث مع غيره من الممثلين الإيرانيين بسبب اختياراتهم أو آرائهم المناهضة للنظام. في النهاية الأمر فيلم “الخصم” لا يمثل السينما الإيرانية، لكن يروي حكايات عن الإيرانيين لا تحكيها السينما خاصتهم، مما يجعله ينتمي إلى السينما الإيرانية في المهجر على الرغم من أن بطله ممثل إيراني مشهور غزير الإنتاج في بلاده.
ويقول المخرج “میلاد عالمي” عن سبب اختيار معادي في دور إيمان: “كنتُ أشاهد معادي في الأفلام الإيرانية دائمًا، وهو ممثل كثير الحديث في الأفلام، لكنني كنتُ أود أن يلعب دور شخصية صامتة. كنتُ أستطيع اختيار ممثل أوروبي في هذا الدور، لكن معادي ممثل إيراني قلبًا وقالبًا؛ طريقة كلامه وتصرفاته إيرانية خالصة، وهي تختلف عن ممثل عاش معظم حياته خارج إيران”.
والحقيقة أن اختيار معادي في دور إيمان كان خيارًا موفقًا من قبل عالمي، كما أن الدور نفسه يعد حُلَّة جديدةً لم يرتدها معادي من قبل لكنه ظهر بها في أبهى صورة، فقد برع في تجسيد الصراع النفسي الذي يعيشه البطل ما بين حياته العلنية وميوله السرية.. ملامح الحزن والتجهم الجاسمة على وجه إيمان، نظرات القلق والانكسار الشاخصة في عينيه، ركونه إلى العزلة وعزوفه عن الرفقة؛ جميعها تفاصيل ترجمت صراعًا عنيفًا يختلج صدر البطل وينهش روحه. على الجانب الآخر نجحت “مارال نصيري” في أداء دور الزوجة “مريم” التي تعصف بها مشاعر متناقضة؛ فهي تحب زوجها، لكنها تشك في أمره، وتريد البقاء معه، لكنها تود العودة إلى بلادها. هذه الحيرة لا تقل في وطأتها عن صراع الزوج بين ما يعيشه على أرض الواقع ولا يريد فقدانه، وما يتمناه في غياهب الخيال ولا يستطيع تحقيقه.
“الخصم” حالة سينمائية شديدة الخُصوصية تتعدى حدود قضية اللاجئين الإيرانيين، وما يعانون منه في وطنهم الأم من خوف واضطهاد، وما يعيشونه في ديار الغربة من وحشة واغتراب بسبب اختلافهم؛ فهل الخصم هو نظام الدولة، أم العُرف الاجتماعي، أم النفس البشرية، أم الآخر؟.. أربعتهم خصوم تليدة، عتيدة، عنيدة مادام الطرف الآخر لا يستطيع مداهنتهم، أو جابهتهم، أو هزيمتهم.
مهرجانات وجوائز
بدء عُرض فيلم “الخصم” العام الماضي في عدد من المهرجانات الدولية، ولاقى استحسان النقاد بشكل كبير، نظرًا لما يتناوله من قضايا شائكة يأتي في مقدمتها “المثلية”؛ وهي القضية المحبب طرحها والرائج عرضها على شاشة السينما العالمية خلال السنوات الأخيرة على نطاق واسع.
عُرض الفيلم لأول مرة في “مهرجان برلين السينمائي الدولي” The Berlin International Film Festival خلال دورته الـ ٧٣، ثم توالت عروضه في كل من “مهرجان الداخل والخارج للسينما والفيديو” The Inside Out Film and Video Festival بكندا خلال دورته الـ 33، و”مهرجان كارلوفي فاري السينمائي الدولي” The Karlovy Vary International Film Festival بالتشيك خلال دورته الـ ٥٧، و”مهرجان سياتل السينمائي الدولي” The Seattle International Film Festival بالولايات المتحدة خلال دورته الـ ٤٩.
رُشح “الخصم” لنيل عدد من الجوائز العالمية، وفي النهاية حصل على جائزة “أفضل فيلم” من “مهرجان الفيلم الإيراني بأستراليا” Iranian Film Festival Australia في دورته الـ 11، كما حصدت الممثلة الإيرانية السويدية “مارال نصيري” على جائزتين دوليتين عن دورها في الفيلم؛ الأولى جائزة “لجنة التحكيم الخاصة” من مهرجان “سياتل”، والثانية جائزة “الخُنفساء الذهبية”The Guldbagge Award كأفضل ممثلة خلال النسخة الـ ٥٩ من هذه الجائزة.
“الخُنفساء الذهبية” هي أرفع جائزة سينمائية في دولة السويد، وتُعادل جوائز الأوسكار الأمريكية. يقوم “المعهد السويدي للسينما”The Swedish Film Institute بمنح هذه الجائزة لصُناع الأفلام المتميزين سنويًا.
خاص وكالة رياليست – د. محمد سيف الدين – دكتوراه في الأدب الشعبي الفارسي، وخبير في التاريخ والأدب الإيراني – مصر