بغداد – (رياليست عربي): بعد أكثر من عقد من الصراع العنيف، شهدت سوريا تحولات جذرية في المشهد السياسي، كان أبرزها نجاح المعارضة في إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد. هذا التحول السياسي التاريخي فتح الباب أمام مرحلة جديدة مليئة بالتحديات والفرص، في ظل استمرار التوترات الداخلية والدولية. ومع سقوط النظام السابق، أعادت القوى الإقليمية والدولية ترتيب أدوارها في الساحة السورية، حيث برزت روسيا كلاعب رئيسي يسعى للحفاظ على نفوذه في الشرق الأوسط وتأمين مصالحه في البلاد .
سوريا بعد سقوط النظام
مشهد سياسي جديد يبرز لنا بإسقاط نظام الأسد، بدأت سوريا مرحلة انتقالية سياسية تحت قيادة تحالف واسع من قوى المعارضة، بدعم دولي وإقليمي. ورغم هذا النجاح، تواجه فصائل المعارضة تحديات في توحيد صفوفها وبناء مؤسسات دولة فعّالة قادرة على تحقيق تطلعات الشعب السوري في الحرية والديمقراطية.
بينما تتواصل الأزمة الإنسانية إلقاء ظلالها الثقيلة على البلاد. حيث يعيش الملايين من النازحين في ظروف قاسية، ويعتمد معظم السكان على المساعدات الإنسانية. ومع سقوط النظام، أصبحت هناك فرصة لإعادة تنظيم توزيع المساعدات بشكل أكثر عدالة وفعالية بعدما كانت تذهب المساعدات لغير مستحقيها وتباع في السوق السوداء من قبل عناصر النظام .
وفي ظل الصراع الطويل ادى إلى انهيار الاقتصاد السوري وعلى الرغم من رحيل النظام السابق، إلا أن التحديات الاقتصادية مستمرة، خصوصًا مع استمرار العقوبات الدولية والحاجة الماسة لإعادة بناء البنية التحتية بيمنا هنالك محاولات من فتح أبواب المفاوضات مع القوى الغربية في سبيل رفع العقوبات عنها كي يتنفس الاقتصاد الروسي الصعداء.
الفرص المتاحة لسوريا الجديدة
سوريا الآن أمام فرصة تاريخية لإعادة بناء اقتصادها ومجتمعها و يمكن للدولة أن تستفيد من تجارب دول مثل البوسنة والهرسك أو رواندا، حيث أعيد بناء المجتمعات بعد صراعات طويلة. فتح الباب أمام الاستثمارات الدولية والإقليمية سيكون ضروريًا، خاصة في قطاعات الإسكان، الطاقة، والزراعة حيث ان سقوط النظام يمنح السوريين فرصة نادرة لبناء نظام سياسي جديد قائم على الشفافية والمساءلة. يمكن إطلاق حوار وطني شامل يشمل جميع الأطراف، بما في ذلك المكونات الإثنية والطائفية المختلفة، لتعزيز الوحدة الوطنية ولا يجب على الإدارة الجديدة اهمال دور الشباب السوري حيث أن الشباب الذين لعبوا دورًا رئيسيًا في الثورة يمكنهم الآن أن يصبحوا قادة المستقبل من خلال الاستثمار في التعليم، التكنولوجيا، وريادة الأعمال يمكن أن يحوّل الشباب إلى محرك رئيسي للتغيير الإيجابي.
التحديات أمام سوريا الجديدة
رغم نجاح المعارضة في إسقاط النظام، إلا أن الانقسامات الداخلية تشكل خطرًا على استقرار المرحلة الانتقالية. توحيد الرؤى والقيادات ضرورة قصوى لبناء دولة مستقرة وان إسقاط النظام لا يعني نهاية العنف بل استمرار التوترات بين القوى المتصارعة ومخاطر الفصائل المسلحة الخارجة عن السيطرة يمكن أن تعرقل عملية الاستقرار و رغم التغيير السياسي، فإن استمرار العقوبات الاقتصادية قد يعوق عملية إعادة الإعمار و على الحكومة الانتقالية العمل مع المجتمع الدولي لرفع هذه العقوبات تدريجيًا مقابل تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية كبيرة.
الدور الروسي في سوريا بعد سقوط نظام الأسد
بعد سقوط حليفها الرئيسي في دمشق، تجد روسيا نفسها مضطرة لإعادة صياغة دورها في سوريا حيث ستسعى موسكو إلى الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية، مثل قواعدها العسكرية على الساحل السوري، وضمان أن يكون لها دور رئيسي في أي ترتيبات سياسية مستقبلية كونها ما زالت تمتلك خبرة كبيرة يمكن الاستفادة منها في مشاريع إعادة الإعمار واستثماراتها في قطاعات الطاقة والبنية التحتية قد تساهم في دفع عجلة الاقتصاد السوري ولكن هذا الأمر يعتمد على فتح حوار دبلوماسي عالي المستوى بين موسكو ودمشق واعادة ترتيب اوراق الطرفين ولابد من دخول الطرف التركي لتقريب وجهات النظر كون الاخيرة حليف استراتيجي مزدوج مهم للطرفين كما تسعى روسيا للعب دور الوسيط بين الحكومة الانتقالية الجديدة والقوى الإقليمية مثل وإيران والعراق ولبنان بل حتى مع الامريكان لضمان الاستقرار الإقليمي والدولي وعلى وجه الخصوص في ملف مكافحة الارهاب الدولي.
نماذج من تجارب دولية ناجحة من الممكن ان يستفاد منها السوريون
رواندا
بعد الإبادة الجماعية، تحولت رواندا إلى واحدة من أسرع الاقتصادات نموًا في أفريقيا.
المصالحة الوطنية وبرامج التنمية لعبت دورًا كبيرًا في تحقيق هذا التحول
البوسنة والهرسك
رغم الحرب الأهلية الطويلة، تمكنت البوسنة من بناء نظام سياسي يعكس التنوع العرقي والديني من خلال اتفاقية دايتون.
ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية
استفادت ألمانيا من “خطة مارشال” لإعادة بناء اقتصادها وتعزيز مؤسساتها الديمقراطية، وهو نموذج يمكن تطبيقه في سوريا.
استشراف المستقبل: بناء سوريا الديمقراطية
مع سقوط نظام الأسد، أصبحت سوريا أمام فرصة تاريخية لبناء دولة ديمقراطية حديثة ولتحقيق هذا الهدف يتطلب إصلاحات شاملة: تشمل المؤسسات السياسية، القانونية، والاقتصادية لضمان الشفافية والعدالة و تعزيز التعاون الإقليمي والدولي و العمل مع الجوار العربي والمجتمع الدولي لرفع العقوبات وتأمين الدعم لإعادة الإعمار والعمل على تعزيز الوحدة الوطنية من خلال إطلاق مبادرات لتحقيق المصالحة بين مختلف مكونات واطياف المجتمع السوري.
وفي الختام ان سقوط نظام الأسد يمثل بداية فصل جديد في تاريخ سوريا، يحمل في طياته تحديات وفرصًا كبيرة. يعتمد النجاح في بناء سوريا الجديدة على قدرة الحكومة الانتقالية على تحقيق الاستقرار، بناء مؤسسات فعالة، والتعاون مع القوى الإقليمية والدولية. ورغم التحديات، فإن الشعب السوري يملك الإرادة والإمكانات لتحقيق مستقبل أفضل، مستفيدًا من دروس الماضي وتطلعات الحاضر والمستقبل .
خاص وكالة رياليست – عبدالله الصالح – كاتب، باحث ومحلل سياسي – العراق.