دمشق – (رياليست عربي): اعتادت تركيا اتباع قواعد اللعبة في بداية كل أزمة أقليمية فهي تقديم نفسها كجهة حيادية أو وسيط عادل بين الطرفين لكن مع تصعيد أي أزمة يصبح الموقف مختلف ” فينقلب السحر على الساحر”.
قبل أيام معدودة من اجتماع القمة الثلاثية لرؤساء الدول الضامنة لمسار “أستانة” حول سوريا، والتي استضافتها طهران في 19 يوليو 2022، بحضور الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ونظيريه الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان.
كانت تركيا تهدد بشن هجوم عسكري على الشمال السوري لمواجهة الأكراد على الحدود التركية، وهو ما تعارضه إيران وروسيا ، فضلاً عن رغبة تركيا في إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بعد أن أصبحوا يُشكلون عبئاً على الاقتصاد التركي، وتخطيطها لإعادتهم وتوطينهم في المنطقة التي ينشط بها الأكراد بعمق 30 كيلو متراً داخل العمق السوري والتي تمتد إلى منطقتي منبج وتل رفعت في ريف محافظة حلب في الشمال السوري، وهو اقتراح يُواجه بانتقادات عديدة، ورفض من قِبل قوات سوريا الديمقراطية “قسد” بحجة أن تركيا تعتزم تنفيذ خطة ذات أبعاد سياسية وتبعيات “خطيرة” على الجغرافية والديمغرافية في مناطق الشمال السوري ، رغم أن السلطات التركية خلال الصيف قد اعتقلت المئات من اللاجئين والناشطين السوريين ورحلتهم إلى شمال سوريا، على خلفية ازدياد مشاعر العداء للاجئين السوريين الذي يزيد عددهم عن ثلاثة ملايين في تركيا، وخاصة خلال الحملة الانتخابية الأخيرة والتي صاحبها اعتداءات ضد المحلات التجارية السورية في اسطنبول.
مخرجات القمة كانت أشبه باتفاق على الحفاظ على الوضع القائم عسكرياً، وهو ما يمكن تركيا أيضاً من الحفاظ على الوضع القائم في إدلب والمناطق الآمنة إلا أن لاعتداء الإرهابي الذي شنته المجموعات الإرهابية التي تأتمر بأوامر مشغلها رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، على تجمع حاشد لأهالي السقيلبية بريف حماة أثناء احتفالهم بافتتاح كنيسة آيا صوفيا وتمثال للجندي السوري لتكريسه كحارس للأرض، ما أدى لارتقاء شهيد وإصابة 12 آخرين، ووقوع أضرار مادية بمكان التجمع.
و التصعيد العسكري غير المسبوق لجيش الاحتلال التركي ومرتزقته التي يسميها «الجيش الوطني»، باتجاه ريف حلب الشمالي وريف الحسكة الشمالي، بغية إعادة أجواء الحرب إلى الريفين المهددين باجتياح بري، يؤكد مجدداً أن لا ضمانات سياسية قطعية تحكم سيرالأحداث عسكرياً على الأرض في سوريا وأن الميدان قابل لأي تغيرات مفاجئة في أي لحظة.
وهذا الامر ليس بالجديد فالأمثلة كثيرة حول المنعطفات الحادة في المسائل المهمة المتعلقة بالسياسة الخارجية لتركيا، لا سيما إذا شعرت هذه القيادة أن تركيا تُفوّت إحدى الفرص وقد تكون هذه المواقف مرتبطة بالنظام الاستبدادي في تركيا وشخصية أردوغان، بما أنه ليس دبلوماسيًا يتمتع بالصبر اللازم لانتهاج استراتيجيات طويلة المدى.
ففي ليبيا، حيث كانت تركيا تتمتع بعلاقات سياسية أفضل ومصالح اقتصادية أكبر، اتخذ أردوغان منعطفًا أكثر حدة، فكان في البداية يعارض تنفيذ كل من العملية العسكرية والعقوبات الاقتصادية ضد الحكومة الليبية ، حين صرّح قائلًا: “ما الذي يريده حلف الـ”ناتو” من ليبيا؟”. ورغم ذلك، مع إطلاق العمليات الجوية ضد القوات الليبية في عام 2011، تراجعَ أردوغان عن معارضته وانحاز إلى حلفائه في “الناتو”، فأصبح في النهاية من أهم الجهات الفاعلة في النزاع.
على النحو نفسه، حاولت تركيا في البداية أن تؤدي دور الوسيط في الأزمة السورية فكانت حكومة “حزب العدالة والتنمية” قد حققت تعاوناً غير مسبوق مع الحكومة السورية في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين.
وعلى أساس هذه الصداقة القوية، حاولت أنقرة إقناع الرئيس الأسد بإجراء إصلاحات سياسية فور بدء الاحتجاجات، لكن في غضون بضعة أشهر، كانت تركيا تُسلّح المعارضة السورية وتحوّلت إلى العدو اللدود للأسد، ومن الممكن اعتبار أن أردوغان توقّع تكرار السيناريو الليبي في حال تدهور حالة حقوق الإنسان في سوريا.
في الأزمة القطرية التي حدثت عام 2017، كررت تركيا النموذج الذي تتحول فيه إلى طرف مشارك بعد محاولة التوسط. ففي بداية الأزمة، أيّدت أنقرة دور الوساطة بين قطر والبلدان العربية الأربعة السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر ولكن وبعد بضعة أيام، وصف أردوغان الحصار على قطر بأنه غير إنساني وغير إسلامي، ولم توفّر تركيا فحسب الدعم السياسي واللوجستي للقيادة القطرية حين كانت بأمس الحاجة إليه، بل انحازت أيضًا بشكلٍ علني ضد البلدان العربية الأربعة.
سلوك أردوغان الاوتوقراطي وقمعه للحريات السياسية والاعلامية، وتعاونه العسكري ودعمه للعصابات الأهابية، وحتى الاتفاق الأخير حول المنطقة الآمنة، سيحتاج إلى مفاوضات إضافية، ولا يوجد هناك أي ضمانات من أنه سيطبق بجدية، أو أن تركيا لن تستغله للضغط أكثر على واشنطن وخاصة إذا فرض الكونغرس عقوبات محرجة على تركيا.
خاص وكالة رياليست – نور ملحم – إعلامية – سوريا.