بغداد – (رياليست عربي): تمثل الزيارة الرسمية الروسية إلى سوريا أحد المؤشرات المهمة على طبيعة العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، خصوصًا في ظل استمرار التحديات الإقليمية والدولية التي تواجه دمشق وموسكو على حد سواء.
جاءت زيارة الوفد الروسي الأخيرة إلى سوريا في إطار تعزيز التعاون السياسي، العسكري، والاقتصادي، ما يطرح تساؤلات حول أهدافها الحقيقية، وتوقيتها، وتأثيرها على المشهد السوري الداخلي والإقليمي.
حيث تحمل في طياتها أبعادًا سياسية واقتصادية في ظل التطورات الدولية الأخيرة، خاصة ما يتعلق بالصراع الأوكراني-الروسي، والتوترات بين روسيا والغرب، فضلًا عن التغيرات الجيوسياسية في المنطقة والأحداث المتسارعة في المشهد السوري و يمكن النظر إلى الزيارة من عدة زوايا واهمها:
التطورات في الشرق الأوسط: تأتي الزيارة في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، خاصة بين إسرائيل وإيران، والتي قد تؤثر على الأمن والاستقرار في سوريا.
الوضع السوري الداخلي: تمر سوريا بمرحلة دقيقة من إعادة الإعمار، وسط أزمة اقتصادية خانقة وعقوبات غربية مشددة، مما يجعل التعاون مع روسيا خيارًا استراتيجيات على المدى الطويل.
المصالح الروسية: موسكو تسعى لتعزيز حضورها في الشرق الأوسط، خاصة في ظل الضغوط الغربية عليها، وتحاول تحقيق مكاسب اقتصادية وعسكرية في سوريا كجزء من استراتيجيتها طويلة الأمد.
ولابد من وجود أهداف اساسية للإدارة الروسية من الزيارة، يمكن تلخيصها في المحاور التالية:
تعزيز التعاون العسكري من خلال استمرار دعم الجيش السوري وتحديث المنظومة الدفاعية، وتكثيف التنسيق حول القواعد الروسية في سوريا، خاصة قاعدة حميميم البحرية، و بحث التحديات الأمنية في المناطق التي لا تزال تشهد توترات، مثل الشمال السوري.
اما على الصعيد الاقتصادي والاستثمار فنتوقع توقيع عده اتفاقيات اقتصادية جديدة، خاصة في مجالات الطاقة والبنية التحتية و تعزيز استثمارات الشركات الروسية في قطاعي النفط والغاز السوريين.
السعي لمحاولة تخفيف تأثير العقوبات الغربية على سوريا عبر شراكات اقتصادية أعمق مع روسيا خصوصا مع استمرار الغرب فرض العقوبات الاقتصادية على البلدين.
اما على الصعيد السياسي والدبلوماسي، فيكمن في التأكيد على دعم موسكو للحل السياسي وفق مقررات أستانا وسوتشي، وبحث ملف اللاجئين وإعادة الإعمار، ومناقشة مستقبل العلاقات السورية الروسية على المدى البعيد.
ولابد ان نعرج على التأثيرات المحتملة على سوريا والمنطقة من خلال هذه الزيارة، فعلى المستوى السوري الداخلي يمكن أن توفر الاتفاقيات الروسية مزيدًا من الاستثمارات، لكنها لن تكون كافية لحل الأزمة الاقتصادية المعقدة.
ستعزز الزيارة من موقع روسيا كحليف أساسي لسوريا، لكن من غير المتوقع أن تؤدي إلى تغييرات جذرية في المشهد الداخلي اما على المستوى الإقليمي والدولي، وستواجه روسيا تحديات في التوفيق بين علاقتها بدمشق وبين القوى الإقليمية في المنطقة ولكن قد تشكل الزيارة رسالة إلى الولايات المتحدة وحلفائها بأن موسكو لن تتخلى عن مصالحها الإستراتيجية في سوريا.
ومن المحتمل أن تدفع الزيارة باتجاه تحولات جديدة في مسار التطبيع السوري-العربي، خاصة أن بعض الدول العربية تنظر إلى التعاون الروسي السوري كجزء من معادلة إعادة التوازن في المنطقة.
وفي الختام نتوقع ان تعكس زيارة الوفد الروسي إلى سوريا عمق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، لكنها في الوقت ذاته تسلط الضوء على التعقيدات المحيطة بالمشهد السوري. فبينما تسعى روسيا لتعزيز حضورها ومصالحها، تبقى قدرة سوريا على تحقيق مكاسب حقيقية من هذا التعاون مرهونة بحجم الالتزام الروسي والقدرة على تجاوز العقوبات الغربية والتحديات الداخلية.
ومع استمرار المتغيرات الإقليمية والدولية، فإن مستقبل العلاقة الروسية-السورية سيظل محكومًا بمدى قدرة الطرفين على تحقيق التوازن بين المصالح السياسية، العسكرية، والاقتصادية.
خاص وكالة رياليست – عبد الله الصالح – كاتب، باحث ومحلل سياسي – العراق.