يريفان – (رياليست عربي): عن طريق صدفة بحتة، في عام 2018، طلب أحد الزملاء مني الذهاب إلى سجن موردوفيا معه للمساعدة في معرفة الأسباب الحقيقية لوفاة ليفون هايرابتيان كجزء من التحقيق، ومنذ ذلك الحين كان هناك العديد من التفسيرات المختلفة، لم أتردد في إعطاء موافقتي، على الرغم من حقيقة أنني لم أكن أعرف السيد هايرابتيان خلال حياته، مما خلق فرصة لأكون موضوعياً قدر الإمكان، حيث قمت بمهمة صعبة تعهدت بأداءها مجاناً لكشف الحقيقة أو على الأقل المساعدة في كشفها.
لم تكن الرحلة معبدة بالورود، ولم نكن موضع ترحيب في سجن موردوفيا، لكن ملف القضية يحمل الكثير خاصة فيما يتعلق بعقوبة ليفون جورجينوفيتش هايرابيتيان وطبيعة مرضه التي تجبر السلطات على إطلاق سراحه.
اليوم وبعد مضي الكثير من الوقت على زيارتي عدت واسترجعت ملف ليفون جورجينوفيتش هايرابيتيان كما في المرة الأولى في عام 2018، وانتابني مزيج من المشاعر خاصة عندما نجد كيف أن هايرابيتيان مصاب بمرض خطير وكان يُحتضر، يقاتل بشدة من أجل الحياة، ويسعى إلى العدالة، ويكافح لتحريك المياه الراكدة في نظام جامد لا يريد المبادرة بأية خطوة، بدايةً نستذكر أن ليفون جورجينوفيتش هايرابيتيان، من مواليد العام 1949، أدين في أبريل العام 2016 في قضية مثيرة للجدل للغاية، وكان من المفترض أن يُطلق سراحه في بداية عام 2019، لكن قبل عام وشهرين من إطلاق سراحه مات في سجن موردوفيا البعيد عن وطنه، المفارقة الغريبة أنه في يوم جلسة المحكمة بالبدء في النظر في طلب الإفراج عنه لأسباب صحية توفي قبل ساعتين من بدء المحاكمة، التي سعى إليها وتطلع إليها لمدة شهر.
عند قراءة ملف القضية بعد هذه السنوات، يستطيع المرء أن يرى بوضوح كيف أن البيروقراطية جعلت من الصعب على هايرابيتيان أن يتحرر، ليس هذا فقط حتى أنه تم تضييق الخناق عليه من نواحٍ أخرى، على سبيل المثال، حرمانه مشاهدة التلفزيون، وتوبيخه على أمور لا معنى له بما في ذلك كيفية جلوسه على سريره في زنزانته، دون اكتراث لحالته الصحية، وإجباره على الاستيقاظ وغير ذلك، وأي محامي يسمع بهذه الإجراءات يعرف بأنها تقلل بشكل كبير من فرص الخروج المبكر لمقدمي طلبات الإفراج المشروط، ومع ذلك، لم يطلب ليفون جورجينوفيتش هايرابيتيان الإفراج المشروط، فقد استند التماسه إلى حالته صحية خطيرة، وفي هذه الحالة، ليس للعقوبات التأديبية أي معنى على الإطلاق ولا ينبغي أخذها في الاعتبار، ولكن يبدو أن هذا الأمر لا يتحقق إلا في الأفلام، في قضية هايرابيتيان، تم إرفاق كل هذه الأمور بملف خاص بناءً على طلب إدارة السجن، وتم التحقيق معه لكن دورهم فيما يبدو إغفال أو تجاهل هذه الحقائق، بكل صراحة لم يكن أحد مهتماً بحقيقة أن المحكوم عليه يعاني من مرض عضال، رغم ذلك لم يكن هناك مراعاة لهذا الأمر، بل على العكس استخدمت ضده في المحكمة، لكن طبيعة مرضه جعلت منه غير قادر جسدياً على الالتزام بالقواعد.
في السياق، لم تتوقف محاولات عائلته عن محاولة مساعدته لإخراجه وعلاجه، حيث قدم شقيقا هايرابيتيان طلباً للمحكمة يتعهدون فيه بتوفير الرعاية لأخيهم إذا أطلقت المحكمة سراحه، لكن المحكمة كانت مصرة على رفض الطلب.
لكن بالنظر لكل هذه البيروقراطية والتعسف في إطلاق سراحه، يتبين للمرء أن كل شيء يقف ضد هايرابيتيان، حتى الأطباء أرفقوا قائمة طويلة من أمراضه لكن جعلوا منها أنها لا تخوله الخروج أو على الأقل ليست أساساً يُستند عليها في طلب الإفراج عنه، على سبيل المثال، مرض اعتلال الأوعية الدموية بسبب داء السكري، والذي عانى هايرابيتيان، ثم عملية توسعة الشرايين مع تركيب دعائم وما إلى ذلك.
كل هذه التفاصيل ذكرها الأطباء في السجلات الطبية، لكنهم في الختام توصلوا لسبب ما إلى استنتاجات معاكسة تماماً لما رأوه، لكن هذا لم يكن موضع اهتمام من المحكمة، على الرغم من حقيقة أن هايرابيتيان ربط طلب إطلاق سراحه فقط بالمرض العضال، ما يثير الريبة ووفقاً لتشريح الجثة، كانت هناك آثار لحقنة مجهولة الهوية، السؤال الذي يطرح نفسه، ما هو نوع الحقن التي وجدت آثارها على جسده، ولماذا لم يتم تصويرها في ملف التشريح أو ذكرها في التقرير؟ لكن الحقيقة الواضحة أنه لم يكن هناك أحد من موسكو يدافع من أجل هايرابيتيان في محكمة موردوفيان، وكان دفاعه هناك من قبل محامين موردوفيين بحتين.
عند التحقيق في تكتيكات الدفاع، ظهرت الأسئلة التالية: لماذا لم يتم الإعلان عن كفاءة الأطباء الذين جمعوا رأي الخبير المثير للجدل، ولم يتم الطعن في مستوى ملاءمتهم المهنية، ولماذا لم يتم الإعلان عن التحدي أو عدم الثقة في فريقهم، ولماذا لم يكن متخصصاً مستقلاً معنياً يقدم تفسيرات في المحكمة حول جودة وكفاءة الفحص الطبي، ولم يتم تقديم أي طلب لإجراء فحص طبي إضافي لـ هايرابيتيان في مؤسسة أخرى، إلخ، العديد من الأسباب المختلفة، والتي الآن، للأسف، تم لفت الانتباه إلى الصورة النفسية لليفون جورجينوفيتش، التي جمعها عالم النفس في السجن على أساس المحادثات الشخصية، حيث كان “متوازن عاطفياً، يتحكم بشكل جيد في سلوكه، لا يعاني من تقلبات المزاج المتكررة، وفي المواقف العصيبة يميل إلى حل المشاكل على المستوى الفكري، كما لم يكن عاطفياً، فهو قادر على تحمل المسؤولية، يميل إلى تقديم العمل بدأ حتى النهاية، إنه ودود وخيّر، يشير ما سبق إلى أن هايرابيتيان، من حيث الشخصية، لم يكن يميل على الإطلاق إلى المبالغة في المشاكل الصحية وذكر بالضبط ما شعر به حقاً، ولم يتظاهر من أجل إطلاق سراحه.
عزيزي القارئ، في نهاية المقال، أعطي سرداً بارداً غير مذكور للأيام والدقائق الأخيرة لرحلة ليفون جورجينوفيتش هايرابيتان، في تاريخ 13/10/2017 عانى من دوار، وضيق تنفس، وضعف عام، وتوعك، وفي تاريخ 2017/10/17 شكى من الضعف العام والدوخة والضغط 130/75 وضربات القلب مكتومة وموجهة في الزمان والمكان والحالة العامة مرضية، وفي تاريخ 10/18/2017 في الساعة 08:15 تم إحضاره إلى الوحدة الطبية دون وجود مؤشرات أنه حي، اللافت أن نقله إلى تلك الوحدة جاء من قبل رفاقه في السجن وليس من الموظفين.
وفقاً لإحدى الروايات، سنفترض أنها نظرية مؤامرة، غير مؤكدة من قبل أي شخص، في اليوم السابق لوفاته، يُزعم أن هايرابيتيان أجرى محادثة مع رجل دين رفيع المستوى ومعروف، اعترف له أنه كان يحتضر وحتى سمي السبب الحقيقي، أسطورة أم حقيقة؟ لا أعرف. 10:18 صباحاً من نفس اليوم – بداية جلسة المحكمة للنظر في الالتماس بالإفراج عن هايرابيتيان لأسباب صحية، قدم المحامي المعلومات للمحكمة بأن موكله توفي قبل ساعتين في زنزانته، وبحسب النص الجاف لمحضر الجلسة، فإن هذا الخبر لم يسبب أي رد فعل من جانب المحكمة، أو على الأقل الرغبة في التعبير رسمياً عن بعض الكلمات الرمزية.
خاص وكالة رياليست – الفيلسوف روبن كيراكوسيان – محامي نقابة المحامين GRAD في موسكو