ينتهي عام 2019 ويُنهي معه مرحلة من حرب كبرى شُنّت على منطقة الشرق الأوسط منذ الغزو الأمريكي للعراق العام 2003، كي تبدأ مرحلة جديدة بالعام الجديد لا ينهي معه الحروب الدموية التى خلفت ضحايا بمئات الآلاف. وفي رقعة الحرب من إيران غرباً حتى الجزائر شرقاً قد تختلف الحرب فى شكلها بكل دولة، ولكن يبقى مدبّر الحرب والمستفيد منها واحد، وفي نظرة نسلّط الضوء فيها على آخر التطورات في سوريا، السودان، ليبيا، مصر، لبنان، تونس، الجزائر وما حولهم.
فلم يحدث في مرة منذ بداية الحرب الكونية على سوريا أن تقدم الجيش العربي السوري شمالاً محاصراً جنود تركيا بمرتزقتها كما هو الحال في معرة النعمان في ريف إدلب الآن، إلا وأن قامت إسرائيل بعدوان على نقاط حيوية وإقتصادية في الجنوب السوري للضغط على دمشق كي تتراجع. فكل إرهابي يفلت من مدافع ودبابات قوات العقيد النمر التابعة لقوات الجيش العربي السوري في سوريا يتم ترحيله إلى العاصمة الليبية – طرابلس بأمر من الخليفة العثماني أردوغان الأول، والحقيقة طرابلس الليبية وصل لها ما يكفي من مرتزقة بالآونة الأخيرة.
وفي مشهد ليس ببعيد عن سوريا وثورة جنود الدجال فيها، عندما أعلن داوود أوغلو عن تأسيس حزبه “حزب المستقبل”، فجاء أحد أبرز مؤسسي ذلك الحزب هو ألبتكين هوجا أوغلو ولمن لا يعرف ذلك الاسم فهو المعارض والعميل السوري خالد الخوجة. نعم هي عملية كبرى لتدوير الإسلاميين في تركيا، وتحضير البديل من الإسلام العثماني أيضاً في حال سقوط أردوغان.
وفي السودان أخذ حميدتي قائد قوات الدعم السريع أول خطوة فى طريقه نحو الرئاسة بإنضمام قواته لحزب “الأمة” (الصادق المهدي)، فطموح حميديتي السياسي تم الحديث عنه منذ البداية، مع الأماني من الدولة الخليجية الداعمة له من مراجعة نفسها كي لا تكرر أخطائها باليمن في السودان، فتاريخ حميدتي الإنتهازي جعله عبئ على عبد الفتاح البرهان وعلى السودان ككل.
أما في ليبيا فالأطراف الإقليمية المتنازعة (مصر، الإمارات، اليونان – تركيا، قطر) بات كلاً منها ينتظر الآخر أن يأخذ الخطوة الأولى بشكل مباشر أي عسكرياً في الميدان الليبي.
فالكل ينتظر الفعل وجميعهم مستعدين لرد الفعل، ولكن الأخطر لو دخل الملف الليبي فى طريق المقايضة الروسية – التركية كحال الملف السوري، فحينها الأمر سيكون أسوأ من سوريا وبمراحل، وهو ما تنبأت به المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ولذلك الإنتظار من جانب حلفاء الجيش الوطني الليبي ليس فى صالحهم، إلا وإن أحدث الجيش الليبي المعجزة وحرر طرابلس قبل الدقيقة 90.
وببلد المليون شهيد جاء رحيل رئيس الأركان الجزائري الفريق قايد صالح الذي بدأ حياته مجاهداً ضد الإستعمار الفرنسي وأنهاها ضد عملاء فرنسا فى الجزائر (العصابة)، وبفضله ثورة الجزائر كانت الوحيدة التي لم تُرق فيها نقطة دم واحدة، وصاحب التاريخ المضيئ والسيئة الوحيدة هي توقيت رحيله، فالمعركة بالجزائر لم تنتهِ بعد ولكن هذا قضاء الله بالصدمة لدى محبي ذلك البلد وشعبه. فرحيل صالح أمر ليس بالهيّن، وما بعد رحيل صالح لأن يكون كما قبله، فالمؤسسة العسكرية الجزائرية كانت وصية على أهم الملفات الخارجية التي تخص الدولة الجزائرية وفي مقدمتها قضية الصحراء مع المغرب، وبعد سقوط بوتفليقة صارت هي من توجه دفة العلاقات مع باريس، وتسعى للعب دور مباشر فى أزمة جارتها الشرقية ليبيا.
ففي كل الحالات سننتظر شكل تعامل الجزائر الجديدة تجاه ملفات هامة حتى وإن كان رئيس الأركان الجزائري الجديد اللواء سعيد شنقريحة هو أحد أبناء قايد صالح فى الفكر والرؤية والجيل، فالداخل الجزائري لن يهدأ بفعل فاعل، وبرغم أن الانتخابات الرئاسية تمت وتولى زمام البلاد رئيس مدني وليس ذو خلفية عسكرية كما كان يتمنى ثوار الجزائر، فثورات العرب كنفطها لم تكن يوماً سبب خير لهم بل نقمة عليهم.
وفي لبنان فعلت الولايات المتحدة كل شئ لتهميش حزب الله، وحزب الله كان الأكثر ذكاءً وصبراً كعادته ودعم الحريري، إلى أن إنتفضت الثورة ضد الحريري وضد كل الوجوه، والآن وبعد أن إنسحب الحريري من المشهد تماماً، أنتفض الشارع السني الذي كان يسب ويقذف الحريري لمدة 68 يوماً على الأقل خلال تلك الثورة، مطالبين بعودة الحريري بعد أن شعروا أن السنة تم تهميشهم في معادلة لبنان الطائفية، ويبدوا أن الشارع السني كما كانت رهاناته خاطئة في الماضي كذلك جاءت قراءته للأحداث الأخيرة في لبنان.
وعلى الجانب الآخر من الثورة اللبنانية أو بالأدق الصراع بين واشنطن وبيروت، وضع ديفيد هيل نائب وزير خارجية أميركا “البلوك 9” وسلاح حزب الله مقابل إستقرار لبنان الإقتصادي والأمني معاً، فمشروع أنبوب غاز إسرائيلي لأوروبا يعد أحد أولويات واشنطن، ولذلك كان مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي بنفسه حاضراً كراعي رئيسي لإجتماعات الغاز بين إسرائيل واليونان وقبرص وإيطاليا.
وفي تونس جاء الحال كما هو متوقع وقلنا من البداية مع فوز قيس سعيد وربما من قبل فوزه، بأنه سيكون منصف المرزوقي النسخة الثانية بنكهة أردوغانية، كما جاء في مقال بتاريخ 16أكتوبر الماضي بعنوان ” قيس سعيد هل يكون أردوغان النسخة العربية أم بورقيبة جديد” واليوم قيس سعيد يستقبل الرئيس التركي أردوغان ومعه وزيراً الخارجية مولود جاويش أوغلو، والدفاع خلوصي أكار، ومدير المخابرات التركية، وطبعاً كلمة السر في هذا اللقاء الذي لم يعلن عنه مسبقاً هي “ليبيا”، ففي عهد الراحل السبسي كان من يدير ملف ليبيا حزب النهضة الإخواني، واليوم صار الغنوشي هو الحاكم الخفي والعلني والفعلي لتونس، ولا عزاء لمن لا يدرك مفهوم كلمة “رجل دولة” ويهتم بالخطابات الحنجورية فقط ومازال يعيش دور المحاضر الأكاديمي الواعظ، الذي يهتم بصيغة الكلام والقافية والسجع على حساب المضمون.
أخيراً وليس آخراً يبقى المستفيد الأكبر فى كل ما يحدث الآن ومنذ 2011 هي نفس دولة الإحتلال، التي ينهار كل من حولها ويتفكك، والتي تستعد لكتابة أول سطرين فى معادلات “غاز شرق المتوسط” مع بداية العام الجديد عبر توقيع إتفاق لمد أنبوب غاز لقبرص واليونان كي يتم تصديره لأوروبا، وإتفاق ثاني مع مصر لتوريد الغاز لها، وخلال سياستها التوسعية تضع غور الأردن والنظام الهاشمي نفسه كهدفاً لها.
خاص وكالة “رياليست” – فادي عيد وهيب – باحث ومحلل سياسي مصري