باريس – (رياليست عربي): نفس السيناريو كما في عام 2017، وكما كان متوقعاً سيواجه الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون ومارين لوبان بعضهما البعض في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية يوم الأحد 24 أبريل/ أبريل الجاري.
وفي مواجهة هذه المبارزة، التي أُعلن عن نتيجتها القوية، يسود القلق في وسائل الإعلام الأجنبية الرئيسية، إلى حد كبير على جهه مارين لوبان، وعلاوة على ذلك على خلفية الحرب في أوكرانيا، “يواجه الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي أسبوعين من التوتر”، لذلك أطلق على الموقع الأمريكي Politico، تصريح للمرشحة (مارين لوبان) بأنها “معجبة منذ فترة طويلة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وبعد نهاية المرحلة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، خاصة أنها جرت في ظروف صعبة منها: وباء كورونا، وصول مفاجئ لإريك زيمور، الحرب في أوكرانيا، الحملة الانتخابية السريعة لإيمانويل ماكرون، هذه الأشهر القليلة كانت بطيئة وتميزت بتقلبات غير مسبوقة.
ففي اليوم التالي للجولة الأولى، والتي جرت يوم الأحد الموافق 10 أبريل/ نيسان توجه الناخبين الفرنسيين إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس جديد لمدة رئاسية تمتد خمس سنوات تنتهي في عام 2027، حيث يحرص الغالبية على ممارسة حقهم الانتخابي في عرس ديمقراطي حر، ويوم مشمس جميل من أيام العاصمة الفرنسية باريس.
فقد أعلن وزير الداخلية صباح الإثنين النتائج النهائية للمرحلة الأولى، وكما أعلنت استطلاعات الرأي، ستكون مباراة الإياب بين إيمانويل ماكرون ومارين لوبان، ومرة أخرى، نال المرشحان أصوات مؤيديهم، حيث فازا بنسبة 27.84٪ و23.15٪ على التوالي، ومنذ مساء الأحد ، بدأ المعسكران على الفور حشد مناصريهم للجولة الثانية في 24 من هذا الشهر.
أصوات المعارضة سوف تلعب دور مهم للغاية في نتائج المرحلة الثانية، كما في عام 2017، وإلى حد كبير، فقد فاز إيمانويل ماكرون بحصوله على أصوات المواطنين الأغنياء، والتنفيذيون، والمهن المتوسطة، والخريجين، وسكان المدن، الذين ركزوا جميعاً على الرئيس المنتهية ولايته وبرنامجه الأكثر تميزاً عن اليمين مما كان عليه قبل خمس سنوات، أكبر زيادة كانت من جانب المتقاعدين والذين تزيد أعمارهم عن الستينيات، والذين تم الحصول علي أصواتهم سابقاً من كتلة أصوات مرشح اليمين السابق فرانسوا فيون، يأتي رئيس الدولة- ماكرون أيضاً في المرتبة الأولى في العديد من المدن الكبيرة، مثل باريس وليون ونيس وبوردو وريمس (فاز في 11 مقاطعة).
وفي المقابل، تواصل مارين لوبان تقدمها في المناطق الريفية والطبقة العاملة في فرنسا، وتكسب المرشحة نقاطاً بين الموظفين والعاطلين عن العمل والأكثر حرماناً والأقل تأهيلاً، كما أنها تعمل على الدفع بين السكان العاملين، بعد أن ركزت حملتها على موضوع القوة الشرائية.
مفاجأة ميلينشون زعيم الكتلة الاشتراكية
مفاجأة هذا الاقتراع: مرشح La France Insoumise (فرنسا تنهض) من المتوقع أن يكون الرجل الثالث، يؤكد جان لوك ميلينشون هذا التكهن ويذهب إلى أبعد من ذلك بتحقيق نسبة أصوات بلغت 21.95٪، وبذلك يصبح زعيم اليسار، ويتقدم بفارق كبير على حرب البيئة (4.63٪) والشيوعي (2.28٪) والاشتراكي (1.75٪) المنافسين، حتى أن أوليفييه فور، السكرتير الأول للحزب الاشتراكي اعترف “لقد أصبح الشخص الذي من المحتمل أن يسمح لليسار بالتواجد في الجولة الثانية”.
ففي الاقتراع، أثبت السيد ميلينشون كوجه لليسار في ستراسبورغ، رين، غرونوبل، والعديد من المدن التي فاز بها حزب الخضر خلال الانتخابات البلدية الأخيرة فضلته على يانيك جادوت، نفس الملاحظة في المدن الاشتراكية مثل باريس ومرسيليا ومونبلييه وليل، حيث سجلت آن هيدالغو (مرشحة الحزب الاشتراكي) نتائج منخفضة للغاية بينما تفوق جان لوك ميلينشون في الأداء.
ليست خسارة.. بل انهيار للحزب الجمهوري والاشتراكي
خلال حملته الانتخابية ، دافع إيمانويل ماكرون عن اليمين الوسط (الذي ينتمي لهم أيدولوجياً) داعياً إياهم أن يتجاوزوا الانقسامات التقليدية، التي تعتبر عفا عليها الزمن، من ثم جرى في هذه الجولة الأولى التنافس بين ثلاث مجموعات من الأفكار، تم تصنيفهم إلى اليسار الراديكالي من قبل جان لوك ميلينشون، الفضاء المركزي للرئيس المنتهية ولايته واليمين القومي لمارين لوبان، وتركوا وراءهم الأحزاب التاريخية (اليمين الوسط/ الجمهوري/الشيوعي/ الاشتراكي/ الخضر).
أما الحزب الاشتراكي الذي حصل بالفعل في الانتخابات الأخيرة (6.36٪)، يواصل سقوطه ويظهر عدم قدرته على إعادة بناء نفسه، مع 1.75٪ من الأصوات، ذهبت إلى Anne Hidalgo (عمدة بلدية باريس)، وهي أدنى درجة في تاريخها، مما يمنعها من الحصول على تعويضات نفقات الحملة (نظام الانتخابات الفرنسية يمنح المرشح الحاصل على 5% فأكثر الحق في استرداد كافة مصاريف وتكاليف حملته الانتخابية).
ذات الوضع بالنسبة لـ Les Républicains، الذين يرون أن أصوات مؤيديهم سوف تذهب بشكل كبير لإيمانويل ماكرون وبالتالي، فإن الأصوات التي حصلت عليها فاليري بيكريس (مرشحة اليمين الوسط) والتي حصل حزبها على نسبة 4.78٪ فقط، مثل عمدة باريس، ولكن بشكل غير متوقع، تجد فاليري الممثلة المنتخبة في إيل دو فرانس (Île de FRANCE) نفسها تحت عتبة السداد وتجد نفسها مديونة- بسبب تحملها تكاليف حملتها الانتخابية.
الاحتكام إلى أصوات المنافسين الخاسرين في المرحلة الأولى
من الواضح أنه وكالعادة، ووفقاً لما متعارف عليه في العملية الانتخابية، فإن أصوات الخاسرين في المرحلة الأولى، وتمثلها فاليري بيكريس وإريك زيمور، والمرشحون اليساريون يانيك جادوت وآن هيدالغو وجان لوك ميلينشون وفابيان روسيل، سوف تلعب دور مهم وفاعل للغاية، في تحديد الفائز في الجولة الثانية.
ففي الأسابيع الأخيرة، قام المؤيدون بالتلويح مراراً وتكراراً بشعار “التصويت الفعال” لـ La France insoumise، المرشح “الأفضل وضعاً” أمام مارين لوبان، دليلاً على قوة هذا المنطق، حيث تظهر استطلاعات الرأي أيضاً أنه وكما حدث عام 2017، إن ناخبي جان لوك ميلينشون إلى حد كبير “في اللحظة الأخيرة قرروا عدم التصويت لمرشح أقصى اليمين”، وهو الأمر الذي يعول عليه مناصري إيمانويل ماكرون، في الحصول على أصوات الجمهوريين والشيوعيين والاشتراكيين، وأنصار السيد ميلينشون وحزب الخضر.
وفي البيانات التقديرية والمؤشرات والتحليلات، والتي تتجه نحو حصول السيد ماكرون في الجولة الثانية على أصوات أنصار اليمين واليمين الوسط والشيوعيين والاشتراكيين، وأنصار ميلينشون، والتي تزيد نسبتهم عن 30%، بالاضافة إلى نسبة الأصوات التي حصل عليها في المرحلة الأولى والبالغة 28%، فإن نسبة نجاحه لن تقل عن 55%، وعلى الجهة الأخرى، فالأصوات التي ستذهب إلى أقصى اليمين، والمتمثلة في المرشحة ماري لوبان سوف تتراوح بين 45-48%.
لذا، ففي الغالب سوف يكون الفوز حليف إيمانويل ماكرون، ليسكن قصر الرئاسة الفرنسية – الإليزيه لمدة 5 سنوات أخرى، تنتهي في عام 2027.
ارتفاع نسبة الممتنعين عن التصويت
كان هذا هو العنصر والعامل المجهول الكبير في هذا الاقتراع، بعد سلسلة من الأزمات الاجتماعية والصحية والدولية، بالإضافة إلى شعور كبير بالتعب أبلغ عنه القائمون على استطلاعات الرأي، كان حشد الناخبين في الجولة الأولى غير مؤكد أكثر من أي وقت مضى، وهل ستصل نسبة الامتناع عن التصويت كما كانت في عام 2002 (28.4٪ في الجولة الأولى)؟
تظهر الأرقام النهائية 26.31٪ – في هذه المرحلة من الممتنعين عن التصويت، انخفض معدل الإقبال على الانتخابات الأخيرة، لكنه بعيد عن المستويات القياسية التي كانت موجودة قبل عشرين عاماً.
فقد أشارت تقارير وتحليلات الأصوات من عام 2017 إلى نفس الاتجاه، حيث أنه وفقاً لمسح Ipsos Sopra Steria الذي تم إجراؤه لصالح France TV و Radio France، ذهب 42 ٪ من أصوات ناخبي Hamonist (مرشح الحزب الاشتراكي السابق) إلى LFI (فرنسا تنهض) وذهب 18 ٪ فقط إلى حزب البيئة و 12 ٪ نحو الاشتراكيون، حصل ماكرون أيضاً على أصوات الشباب بشكل جماعي – ووضع نفسه على رأس هذه الفئة – ونجح في الاستحواذ على نطاق واسع جداً من المجموعة الانتخابية، لقد أقنع الأكثر تأهيلاً مثل العمال العاطلين عن العمل أو الطبقات العاملة أو المديرين والموظفين، فليس من المستغرب أن يتجنب الشباب أكثر من غيرهم صناديق الاقتراع. حيث أن 42٪ من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 24 عاماً و 46٪ ممن تتراوح أعمارهم بين 25 و 34 عاماً ليسوا راغبين في المشاركة في العملية الانتخابية، أي حوالي ضعف عدد الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 35 و 49 عاماً.
وهناك ما نسبته (22٪)، وبين كبار السن، يبلغ معدل الامتناع عن التصويت 12٪ فقط بين أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 60-69 و23٪ بين أولئك الذين تزيد أعمارهم عن 70 عاماً، عامل واحد من كل ثلاثة (33٪) امتنع عن التصويت مقابل 26٪ من التنفيذيين، وشاركت الأسر الأكثر حرماناً أقلها (34٪) بينما امتنع هؤلاء الذين يزيد دخلهم الشهري الصافي عن 3000 يورو عن 23٪ فقط.
العزوف عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع يبطل مصداقية النظام الديموقراطي
وكما أوضحنا في المقالات السابقة، إن الامتناع عن الذهاب إلى صناديق الانتخاب لممارسة حق التصويت واختيار مرشح من بين المتنافسين، هو بمثابة المعول الذي يهد العملية الانتخابية، ومن ثم النظام الديموقراطي، القائم على حرية المشاركة والانتخاب وتداول السلطة، وهي مشكلة يجب على الباحثين في العلوم السياسية ونظام الحكم الديموقراطية ايجاد حل عملي وواقعي، يعيد الثقة للناخبين ويشجعهم للإدلاء بأصواتهم بحرية وقناعة وفاعلية، خاصة وأن عدم المشاركة يهدد العلاقة بين الحاكم والمواطنين.
ويساعد على انتشار المواطن السلبي، المحبط والذي لا يبالي بأي واجبات أو مسؤوليات نحو الوطن والمجتمع، وهو الأمر الذي بدوره يزيد من القلاقل وعدم الاستقرار الداخلي، والأمن والسلم الوطني.
وأخيراً علينا الانتظار حتى الساعة الثامنة من مساء يوم الأحد بعد القادم، لمعرفة من هو الرئيس الفرنسي القادم، من بين متنافسي المرحلة الثانية، ماكرون أم مارين لوبان، ووفقاً لما سبق عرضه من تحليلات، فإن المؤشرات والتوقعات تتجه نحو بقاء إيمانويل ماكرون بقصر الإليزيه لولاية رئاسية ثانية.
أرقام مهمة ومفيدة
إجمالي المسجلين بكشوف الناخبين 48747914
عدد الذين صوتوا 35923779
عدد المتغيبين 12824135
إجمالي الأصوات لصالح ماكرون 9785577
إجمالي الأصوات لصالح لوبان 8136369
أجمالي الأصوات لصالح ميلينشون 7714949
عدد الأصوات الباطلة وغير الصحيحة 780661
خاص وكالة رياليست – د. خالد عمر.