باريس – (رياليست عربي): بعد مرور عدة أيام على حلول وبداية شهر سبتمبر، وأنا في انتظار وترقب، أن أطلع على مقال أو إشارة صحفية أو مسموعة أو مرئية عن ذكرى حلول ثورة الفاتح من سبتمبر الليبية، ليس هناك أي شيء من قريب أو بعيد، فقد كان حلول أول شهر سبتمبر ينتظره كثير من المهتمين والسياسيين والمسؤولين.
انتظار لإقامة الحفلات والندوات والسهرات والليالي الملاح ومنح الهدايا والعطايا، فقد كان مولد للمنتفعين والانتهازيين وحاملي الطيور والمزامير، للحصول وجني أكبر غلة ومكسب من هذا الحدث الذي ينتظر كل عام، ومنذ قيام الثورة في 1969.
ومع الدهشة والاستغراب والتعجب من أحداث الحياة وسلوك البشر، تذكرت صديقي الليبي السيد قاسم، والذي سعدت بمقابلته والتعرف عليه أواخر التسعينيات، وذلك أثناء عملي بإحدى، الدول الأفريقية، وقد انقطع التواصل بيننا منذ مغادرته تلك الدولة، فقد كان كأغلب الليبيين اللذين قابلتهم دمث الخلق والطباع، يتمتعون بسمات الطيبة والكرم، وقد توطدت علاقاتنا بعد عدة لقاءات وحوارات، وكنا نتطرق حول القضية المحورية في ذلك الوقت، وهي قضية تحطم طائرة التابعة للخطوط الأمريكية بأن شركة أمريكان العالمية في يوم 21 من شهر ديسمبر 1988، والتي كانت تحمل رقم 103 من مطار هيثرو في لندن متوجّهة إلى مطار جون كينيدي الدولي في نيويورك، كان من المقرر أن يكون على متن الطائرة السفير الأميركي في لبنان؛ لكنه تخلّف عن رحلته، ولم يكن من بين الركاب الـ270، وبينما كانت الطائرة تعبر سماء بلدة لوكربي في اسكوتلندا، انفجرت عبوة ناسفة مخبأة داخل الحقيبة.
وقد قامت الدنيا ولم تعقد من جانب الولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا وحلفائهم الغربيين، وقد أسفرت التحقيقات على تورط الجانب الليبي في تنفيذ تلك الحادثة، وطلبت جهات التحقيق الاسكوتلندية تسليم المواطنين الليبيين، إلا ان الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي، رفض ذلك الأمر، ومن ثم قامت أمريكا والغرب بفرض عقوبات اقتصادية ومالية ضخمة كبدت الدولة الليبية خسائر فادحة بمئات المليارات من الدولارات، بل قامت الولايات المتحدة الأميركية إبان حكم الرئيس دونالد ريغان، بضرب مقر إقامة القذافي، والذي نجا بأعجوبة.
وبالرجوع إلى حواري مع صديقي الليبي السيد قاسم حول تلك القضية، وقد كان محورها: هل من العقل والحكمة أن يتم الاحتفاظ بمواطنين مشتبه بهم ورفض تسليمهم لجهات التحقيق، وإن كانت أجنبية “إسكوتلندية”، استناداً لحجج واهية: تحت مسمى الوطنية والاستقلالية، ومهاجمة الغرب، وحرمان الشعب الليبي من السفر والتنقل، بل وفرض عقوبات اقتصادية عانى منها الكثير؟، فبفرض أنهم أبرياء أو مذنبون، لماذا لا يتم التحقيق معهم؟ وتجنب هذه الخسائر الفادحة وإحقاق الحق، فقد كان صديقي العزيز مقتنع بذلك، ولكنه لا يستطيع الجهر أو الإعلان عن ذلك لأسباب يعلمها الجميع.
وفي النهاية، وبعد مرور سنوات عديدة اعترف النظام الليبي بالتخطيط وتنفيذ تلك العملية، وقام بتسليم المتورطين، ودفع التعويضات، وتكررت الكوارث والأخطاء الجسام، حتى يومنا هذا.
خسائر فادحة
حذرت مؤخراً التقارير الدولية، من تجاوز خسائر الدولة الليبية الصراع الدائر، لما يزيد عن التريليون دولار، مشيرةً إلى تعرض الاقتصاد لانكماش حاد في ظل التدمير الذي تعرضت له الأصول في الكثير من القطاعات الاقتصادية.
وقال المحللون والباحثون في تقارير لهم إنّ الكلفة الإجمالية للصراع في ليبيا منذ اندلاعه في عام 2011 حتى اليوم تقدر بنحو 783 مليار دينار ليبي (حوالي 576 مليار دولار وفقاً لسعر الصرف الرسمي).
وأشارت أيضاً، إلى أن الخسائر ستزيد بنحو 462 مليار دولار، إذا استمر الصراع حتى عام 2025، ما يرفع إجمالي الخسائر منذ اندلاع الأزمة الليبية إلى نحو تريليون و38 مليار دولار.
الدولة الليبية إلى أين؟
في الأحداث والأحوال والأوضاع الضبابية التي تحيط بالواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، الداخلي والإقليمي والعالمي، يتضح أن المجهول هو منظر للدولة الليبية، كما هو الحال في اليمن والعراق وسوريا وتونس ولبنان والسودان والصومال وجيبوتي، ودول الساحل والقرن الأفريقي، ومناطق عدة أخرى.
التقارير الدولية ترصد أن خسائر ليبيا تقارب التريليون دولار الآن، وسوف تتعدي هذا المبلغ اذا استمر الصراع علي هذا المنوال بحلول عام 2025.
فهذا المبلغ كفيل بتنمية وتطوير وتحديث وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمالية للجميع الدولة العربية والقارة الأفريقية.
أخطاء الحكام والمسؤولين، يدفع ثمنها الشعوب والأجيال القادمة.
خاص وكالة رياليست – د. خالد عمر.