باريس – (رياليست عربي): هذه ليست نتائج مباراة كرة أو سلة أو تنس!!! بل هي تواريخ حفرت في التاريخ الإنساني الحديث، فالتاريخ الأول هو يوم ذكرى انتصارات حرب أكتوبر الخالدة، وأقول انتصارات وليس انتصار واحد، بل عدة انتصارات في كل المجالات والأنشطة والظاهر منها والخفي، والمباشر وغير المباشر.
أما التاريخ الثاني فهو يوم شاهد العالم عبر شاشات التلفاز انهيار برجي التجارة العالمية الشهيرة بنيويورك، بعد اصطدام طائرتين بهما في مشهد من مشاهد أفلام الكرتون، وألعاب الفيديو.
فقد كنت أشاهد هذا الحدث في دهشة واستغراب، غير مصدق لما يحدث، وفزع الفارين المذعورين أمام الشاشات كان مشهد محزن ومرعب.
والتاريخ الثالث، وهو رأيته على قنوات الأخبار من اقتحام قوات المقاومة الفلسطينية للأراضي الفلسطينية المحتلة، بوسائل وسائل طيران تستخدم في الألعاب الترفيهية على الشواطئ والمنتزهات البحرية، في مشهد لا يصدقه عقل، وأنه حلم، أو لعبة من ألعاب الفيديو.
ما أشبه الليلة بالبارحة، فقد كان رد الولايات المتحدة الأمريكية على أحداث يوم الحادي عشر من سبتمبر رهيباً، وتم استهداف أماكن عديدة ومقار عديدة حول العالم بزعم أنها تأوي إرهابيين، بل وخصصت سجن في جزيرة غوانتانامو لتحقيق مع من تم اعتقالهم والقبض عليهم، في سابقة هي الأولى في التاريخ، الولايات المتحدة الأمريكية، من الدولة التي دائماً تخرق القانون الدولي، فليس غير على دول تنتهج نفس المنطق وتسير على خطاها، وأن من يعول على الشرعية الدولية والمجتمع الدولي واهم، فمن يري حجم الدمار الذي خلفته الغارات الجوية على قطاع غزة، عليه الرجوع إلى الصور الأرشيفية لمدينة برلين الألمانية عقب دخول الحلفاء في نهايات الحرب العالمية الثانية، وكذلك الى صور مدينتي هيروشيما ونغازاكي اليابانية بعد ضربهم بالقنابل النووية، وهذا لم يكن مستغرباً وكان متوقع حدوثه (ولكن ليس بهذه الوحشية واللا إنسانية) وخاصة بعد تصريحات أدلى بها كبار المسؤولين والساسة:
- لو لم تكن إسرائيل موجودة اليوم، لأوجدناها ( بايدن في إسرائيل)؛
- لقد حضرت اليوم لمساندتكم كيهودي ووزيز خارجية ( بلينكن – وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية)؛
- نحن نحارب حيوانات بشرية ( وزير دفاع إسرائيل)؛
- يجب قتل سكان غزة أو تهجيرهم إلى سيناء والدول العربية في أفضل الأحوال (رئيس الوزراء، وكثير من الساسة الإسرائيليين)؛
- التأكيد على أن الحرب على منظمة حماس وليس الشعب الفلسطيني (لتضليل العالم)؛
- إن الحرب على الإرهاب (حرب عالمية) وأنهم يحاربون نيابة عن العالم ( لضمان الدعم الاقتصادي والسياسي والعسكري- نفس النهج الذي اتبعته أمريكا) وإن هزيمتهم هي هزيمة العالم الحر المتقدم المسالم، الذي يحمي حقوق الإنسان والأقليات المضطهدة حول العالم (خاصة مجتمع الميم)؛
- قتل أكثر من 15 ألف وما يزيد عن 30 ألف مصاب وجريح (في عداد الأموات) لا يهم؛
- منع الغذاء والدواء والوقود والدواء والعلاج، بل وقصف وهدم المستشفيات ومقار إيواء النازحين والفارين المدنيين العزل.. لا يهم؛
- العالم فجأة اليوم يتكلم عن ضرورة إيجاد حل سياسي، حل الدولتين، لإنهاء هذا الصراع، بعد أن نام طويلاً.
كافة هذه الدلائل والمؤشرات، في ظل الصمت العالمي، يدعونا لطرح عدة تساؤلات:
- ● بعض التقارير السياسية، أن أمريكا ضاقت من تعنت القادة الإسرائيليين، لذا، سمحت وساعدت حماس في هذه العملية المباغتة، لتحريك ملف القضية الفلسطينية، بناء على تفاهمات مع بعض الدول بالمنطقة التي تضغط عليهم الولايات المتحدة للتطبيع مع الجانب الإسرائيلي (على غرار ما حدث في حرب أكتوبر، عندما طلب هنري كيسنجر من الرئيس الراحل أنور السادات بتحريك الموقف العسكري على الأرض.
- وفي تقارير أخرى، أن الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية التي تعصف بدول كثيرة حول العالم، خاصةً الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، يجعلهم على الجانب الآخر من دول منطقة الخليج، يعانون من تخمة وتضخم مالي هائل، أثار لعاب القوى الإمبريالية، لإشعال هذه الحرب لابتزاز تلك الدول مالياً واقتصادياً لفترات مستقبلية طويلة.
- تضمنت تقارير وتحاليل سياسية واقتصادية، هناك توافق إقليمي بمباركة أمريكية على إغلاق ملف القضية الفلسطينية والتي تسببت في إهدار الكثير من موارد تلك الدول على مدار أكثر من 80 عاماً دون حل، وأن هذه الدول تريد إيجاد حل لها اليوم قبل الغد، إما بحل سياسي، أو التخلص منها نهائياً، لضمان تنفيذ خططها ومشروعاتها التنموية، واستثمارية، في مناخ أكثر أمناً واستقراراً، ولمصلحة الجميع، وإعادة بناء المنطقة مستقبلاً اجتماعياً وثقافياً، تحت شعارات المحبة والتعاون والإنسانية، وحتى أن تطلب ذلك الدعوة إلى دين جديد.
- أين الدول الكبرى المناهضة للهيمنة الأمريكية والغربية على العالم، ودعاة ومؤيدي ثنائية القطبية للوقوف في أمريكا وحلفائها من هذا العدوان السافر على الفلسطينيين من أهل غزة (فهم صامتين صمت الأموات) أين هم؟ أم أنهم انضموا إلى كتائب مجاهدي الشجب والتنديد، ومحاربي شبكات التواصل الاجتماعي؟
- هل وضع الفلسطينيين بقطاع غزة أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الفرار وهجر أرضهم ومنازلهم (نكبه جديدة)، أم الموت والفناء؟ الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي محق عندما قال: “إذا كان الفلسطينيين وهم على أرضهم لم يحصلوا على دولتهم التي ينادون بها وأيدهم غالبية المجتمع الدولي منذ القرن الماضي، فكيف يحصلون عليها إذا تركوا منازلهم وارضهم”؟
- لمن يدعو إلى حل الدولتين، عليهم مشكورين أن يبينوا لنا كيف سيتحقق ذلك؟
- ماذا بعد التهدئة والهدنة الإنسانية وتبادل الأسرى؟ متى وكيف يتحقق الوقف الدائم للقتال هذه المرة؟ في إصرار إسرائيل على القضاء على كافة أشكال المقاومة في قطاع غزة والضفة، في ظل تأييد أمريكي مطلق، و عجز وشلل دولي تام؟
التعليق
- إذا كانت الحرب على غزة وحماس، هي دفاع عن النفس، فما هو مبررات القمع والتنكيل والقتل الذي يجري ويحدث في مدن الضفة المحتلة؟
- الإعلان عن هدر دم كل من ينتمي لحماس في أي مكان من العالم في العلن وعلى الملئ لم أسمع أو أشاهده من قبل!
- الترويج بأنها حرب دينية، يذكرنا بما قاله جورج بوش الابن عند غزو العراق، وأنها من أجل الرب! وإذا كان ما نراه من أهوال دمار ومجازر في حق المدنيين العزل من الأطفال والنساء والعجزة وكبار السن والمرضى، والاعتداء على مقار الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، فكيف كان حجم المجازر التي حدثت في حق الفلسطينيين في بداية الصراع في النصف الأول من القرن الماضي، والتي لم يوثق أو نسمع أو نرى منها شيئا كما نرى اليوم؟
- كل الدول حول العالم حصلت على حقوقها السياسية وتقرير المصير وأن الدولة المستعمرة تخلت عن مستعمراتها، ولم يعد هناك احتلال دول كبرى لدول صغرى، مثال ذلك أمريكا تركت أفغانستان، وفرنسا انسحبت من كل مستعمراتها في أفريقيا، باستثناء فلسطين والشعب الفلسطيني؟
- ما زال محاربي وكتائب التنديد، وحاملي الأسلحة الفتاكة التي نسمعها مع كل عدوان على فلسطين هي: الشجب والرفض والقلق والتنديد بأشد العبارات تكرر ليل نهار، كما ما زال متعهدي إقامة المؤتمرات والحفلات يزاولون نفس النهج بالدعوة إلى إقامة مؤتمرات دولية وعالمية لحل القضية الفلسطينية، وهو ما سأم منه الكل وأحبط الجميع، حيث عقدت عشرات منها خلال السنوات السابقة دون جدوى.
علي إيه حال إن صحت تلك التقارير، أو لم تصح، فهي تؤكد أن القضية الفلسطينية هي مؤامرة دولية تمت بحبكه سياسية اقتصادية من القوى الاستعمارية والإمبريالية العالمية، بالتنسيق وتأييد ومساعدة بعض دول المنطقة، بأن تم مقايضة أرض فلسطين مقابل التنازل عن عطايا ومزايا (وهو معتاد في الأعراف السياسية)، فالعقل والمنطق، يؤكدان أن عالم السياسة، ملئ بالخبايا ،والتربيطات والمصالح وتبادل المنفعة، الظاهر منها والباطن، المعلن والخفي، فمن تساهل وتواطؤ على أرض فلسطين، من المؤكد حصل على الثمن والمقابل، نظير خدماته… هذا ما يقوله التاريخ السياسي القديم والحديث، وكما يقول علماء البحث الجنائي “ابحث دائماً عن المستفيد” ( الخائن والعميل).
إن إقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين لم يتحقق فقط وفقاً لوعد او تصريح بلفور (BalfourDeclaration) وهي الرسالة التي أرسلها آرثر جيمس بلفور بتاريخ 2 نوفمبر 1917 إلى اللورد ليونيل والتر دي روتشيلد يشير فيها لتأييد حكومة بريطانيا لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين (تعداد اليهود في فلسطين كان 50 ألف نسمة، مقابل 650 ألف نسمة للعرب)، وهو الوعد الذي لم يكن يتحقق دون معاونة الخونة والعملاء الذين حصلوا على مقابل أرض فلسطين.
فالأيام دائماً تكشف عن هذا المستفيد، مها كان حجم الكتمان والسرية والغموض، ومهما طال الزمن.
خاص وكالة رياليست – د. خالد عمر – فرنسا.