باريس – (رياليست عربي): منذ أطلق ترامب رؤيته وتصوره بخصوص قطاع غزة، والتي تتغير كل يوم، بين الشراء، ثم الاحتكار، وأخيراً حق الإدارة، ولكن كلها تتفق في هدف واحد، وهو تهجير الفلسطينيين من القطاع لإعادة إعماره، (فقد أصبح مقاول أنفار)، وهو حق يراد به باطل.
فعلى المستوى العالمي والدولي، فإن ما يقوله، لقي وما زال يلقى اعتراض من كافة زعماء العالم، وعلى كافة المستويات، والوحيد الذي انتفض مسرورا وطار فرحا هو خليفه في هذا الحلم هو الوزير الأول في حكومة إسرائيل (الذي يريد التخلص من حماس والسلطة الفلسطينية معا، وليس هناك دولة فلسطينية ولا يحزنون) والذي وصفة بأنه تقابل مع أكثر من 20 رئيس أمريكي سابق، لم يجد منهم رئيس يفهم ويعمل لمصلحة إسرائيل مثل مستر ترامب .
فقد صرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بأن الوضع في قطاع غزة يحتاج إلى حل سياسي وليس حل عقاري، وكذلك قال المستشار الألماني إن ما يقوله ترامب هو فضيحة، ويخالف القانون الدولي، كما قال رئيس كوريا الشمالية إنه شيء سخيف، كما صرح مسيو Dominique de Villepin رئيس الوزراء ووزير الخارجية الفرنسي السابق، بأن مايقوله ترامب غير مقبول وغير واقعي تماماً.
ولكم من المهم بمكان أن نرصد ما هو رد الفعل الداخلي في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد أجمعت أغلب ردود الأفعال الأميركية حيال الخطة التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن تهجير أهل قطاع غزة بين من يعتبرها جهلا من ترامب بتعقيدات وتفاصيل الصراع العربي الإسرائيلي .
وشدد خبراء أميركيون على أن ترامب بالغ بشدة فيما يمكنه القيام به فيما يتعلق بالقطاع بتبسيطه التدخل بهذا الشكل لحل الأزمة الراهنة، في وقت يرى فيه فريق من داعمي إسرائيل أن خطة ترامب تتجنب أخطاء الماضي، إلا أن الأغلبية العظمى من الخبراء والمعلقين شككوا بشدة في إمكانية تطبيق أفكاره على أرض الواقع.
وكان ترامب قد طالب الأردن ومصر باستقبال أهل قطاع غزة مع الإعلان عن رغبته في السيطرة على القطاع وتهجير أكثر من مليونين من سكانه.
فخلال لقائه الملك الأردني عبد الله الثاني في البيت الأبيض أول أمس الثلاثاء، أكد ترامب أن الولايات المتحدة ستسيطر على قطاع غزة وتديره بكفاءة ومهارة، والجدير بالذكر أن السيد ترامب هدف إلى استقبال بعض زعماء العرب في البيت الأبيض بشكل فردي، حتى يحرجهم أمام الرأي العام العالمي والدولي، مما يسبب لهم إحراج شديد لهم أمام شعوبهم وشعوب المنطقة وأمام الفلسطينيين، وهو الأمر الذي يزيد الموقف تعقيداً.
زعزعة الشرق الأوسط
صرح أحد الخبراء لأمن الشرق السابقين في مجلس الاستخبارات الوطني الأميركي، أن “الخطة التي أعلنها ترامب غير متوقعة، ويرجع ذلك إلى أنه لا يفهم تماما، أو ربما لا يهتم، بتاريخ المنطقة، وتعقيدات العلاقات الفلسطينية الداخلية، والعلاقة العاطفية التي تربط معظم الناس بأوطانهم، والتداعيات والعواقب المحتملة على حلفاء الولايات المتحدة”، في المنطقة والعالم .
لن يغادروا
وأشار خبير آخر في مكافحة الإرهاب في وزارة الأمن الداخلي إلى أن ترامب بوصفه مطورا عقاريا معتاد على شراء وبيع العقارات، ولا يفهم عمق ارتباط سكان غزة بالأرض وعدم رغبتهم المطلقة في التنازل عن ممتلكاتهم بعد ما حدث للكثيرين منهم في عام 1948، “سكان غزة ظلوا صامدين ولن يغادروها أبدا”، وإن “واقع امتلاك غزة سيحمل معه تكاليف ومخاطر كبيرة بما في ذلك خطر المقاومة المسلحة”.
وأضاف أن أفكار ترامب “ستتطلب التزاما طويل الأجل، مع تقديرات تصل إلى 15 عاما لإعادة الإعمار الكاملة، ولا يزال السؤال حول من سيدفع ثمن هذا المسعى الهائل دون إجابة. ونظرا للتكلفة الهائلة والحساسية السياسية للمنطقة، فمن غير الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة ستدفع الفاتورة بالكامل أو ما إذا كان هناك شركاء دوليون معنيون” بالأمر.
الجنون المطلق
في الوقت ذاته، عبّر الكثير من الخبراء عن رفضهم الصارم لفكرة استيلاء الولايات المتحدة على الأراضي الفلسطينية لأنها تنطوي على جرائم حرب أميركية، وترحيل قسري وتواطؤ في الإبادة الجماعية، وفوضى إقليمية مطلقة.
وصرح أحد الخبراء السابقين أن “أحد الامتيازات الخاصة مخاطباً ترامب لكونك رئيسا للولايات المتحدة، فالناس يجب أن يأخذوا ما تقوله على محمل الجد بغض النظر عن سخفه، وهكذا هو الحال مع اقتراح ترامب بأن تسهل واشنطن التطهير العرقي لقطاع غزة، وعندما يتم إنجاز هذه المهمة تتملك المنطقة”.
وأضاف الخبير أن “الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين يحتاج إلى أفكار جديدة، وغزة على وجه الخصوص على رأس المشاكل الصعبة للغاية، لكن اقتراح ترامب ليس فقط مفلسا أخلاقيا، بل إنه جنون محض”، من ناحية أخرى، اعتبر أن “إخراج مليوني فلسطيني من غزة وتولي ملكية المنطقة سينهي أي فرصة للتطبيع بين السعودية وإسرائيل، ويكسر اتفاقيات أبراهام التي تعد الإنجاز الأول لترامب في السياسة الخارجية، كما يقوض معاهدات السلام بين مصر والأردن وبين إسرائيل، والتي تعد ركائز سياسة صمود على الأرض
كما يري أحد الباحثين في شؤون السياسية الدولية، أن أول شيء يجب قوله عن اقتراح الرئيس ترامب بشأن غزة هو إن الترحيل القسري لمليوني شخص أمر غير أخلاقي وغير قانوني.
وأشار إلى أن الخطة تتجاهل الدوافع الأساسية للسياسة الفلسطينية، فالشعب الفلسطيني “مدفوع للغاية بقضيته الوطنية كما يتضح من كل بذله من أجل قضيته بشكل فردي على مدى عقود عديدة”، مضيفا أن “الصمود على الأرض في مواجهة الشدائد هو قيمة فلسطينية تأسيسية منذ عام 1948 ولا تزال حية في أذهان الناس. المعارضة السياسية الفلسطينية للخطة كانت وستظل شديدة”.
وقد ورد في تقرير أحد المراكز البحثية واستطلاع الرأي فقد أكدت أن طرح ترامب سيطرة الولايات المتحدة على قطاع غزة المدمر “لا يمثل أي منطق”.
وإن “الوضع صعب جدا وشديد التعقيد، أن ما قاله ترامب في إطار تحركاته التوسعية، ومثل ما يقوله عن كندا وغرينلاند وبنما، ترامب يدعي أنه يريد السلام وتوسيع الاتفاقيات الإبراهيمية، لكنه يدفع مليوني مواطن إلى خارج أراضيهم، الموضوع أصعب مما يتصوره”.
ويتساءل كثير من الخبراء: هل الفلسطينيون مستعدون لمغادرة قطاع غزة طوعا أم سيتم نقلهم قسرا؟ مشددين على أن الخدمات اللوجستية لخطة ترامب غير واضحة، وأنه يمكن النظر إلى فكرة ترامب على أنها تكتيك تفاوضي مثلما يفعل في الصفقات التجارية للولايات المتحدة في المنطقة”.
وكل هذه الآراء والتقارير تؤكد على ما سبق وما ذكرناه في المقالات السابقة، أن مستر ترامب وحليفة ينسفون كل ما سبق من قرارات ومعاهدات وتعهدات، وأنهم كشفوا عن نواياهم الحقيقية، وأنهم لا يتحدثون إلا بلغة القوة العسكرية والمالية والغطرسة .
فالحل هو ضرورة التعامل بهدوء وصبر وابداء التجاهل لهذه المناورات المستفزة، مع ضرورة توحيد الكلمة والصفوف بكل حزم، واستثمار الموقف العالمي والدولي الرافض والمناهض لهذه الأفكار الشاذة الماسونية التوراتية، فهذا الرجل أثبت أنه مقاول وليس سياسي أو رئيس دولة عظمى عليها مسؤولية أخلاقية وتاريخية.
خاص وكالة رياليست – د. خالد عمر – فرنسا.