موسكو – (رياليست عربي): شكل الانسحاب الروسي من منقطة خيرسون ردود أفعال واسعة على مستوى العالم، خاصة وأن أوكرانيا سجلته على أنه “انتصار” لها، في حين أن وقائع الميدان في جبعتها الكثير من المعلومات التي توضح حقيقة ومآلات هذا الانسحاب، وفي مقابلة مع مدير مركز خبراء رياليست، عمرو الديب، قال إن الانسحاب مناورة تكتيكية بحتة.
روسيا لم تستخدم بعد كل قدرتها العسكرية ماذا تعني تحديداً؟
د. الديب: إن وتيرة القصف وإن رأيناها زادت بعض الشيء، في الفترة الأخيرة، خصوصاً بعد العمل الإرهابي ضد جسر القرم، إلا أن الحقيقة ماثلة أمام الجميع، تقول بأن روسيا بالفعل لم تستخدم كل قدراتها العسكرية ضد كييف.
ويضيف مدير مركز خبراء رياليست بالقول، إن الأمر الذي يجب الانتباه له هو أن عدد القتلى المدنيين لا يمكن مقارنته بما مارسته الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان أو العراق أو مناطق أخرى، الأمر الآخر أن شبكة السكك الحديدية الأوكرانية لا تزال تعمل بشكل شبه كامل، وكما هو معلوم أنه من خلال هذه الشبكة يتم تزويد أوكرانيا بالأسلحة الغربية بشكل كامل، وهو هدف متاح للقوات الروسية الذي لم تستهدفه حتى الآن لأسباب تكتيكية تتعلق بالسياق العسكري للعملية الخاصة.
مع الملاحظة أن القيادة الروسية إذا قررت تدمير هذه الشبكة من السكك الحديدية فهذا نصر نوعي سيقوض قدرات أوكرانيا العسكرية بشكل خطير.
ما نوع الأسلحة التي لم يستخدمها الاتحاد الروسي بعد وما التوقيت المنتظر لاستخدامها؟
مدير مركز خبراء رياليست: لا يتعلق الأمر بالحديث حول الأسلحة النووية لأنه أمر بعيد جداً لأسباب كثيرة، لكن المقصود بأن هناك الكثير ما لم تستخدمه روسيا، يتعلق بخريطة بنك الأهداف الذي تملك خلال عمليات القصف، فخلال الأسابيع الأخيرة ما بعد استهداف جسر القرم، رأينا كيف استطاعت القوات الروسية بعمليات ممنهجة تدمير منشآت الطاقة والبنى التحتية في العاصمة كييف وكل المناطق والمدن الأوكرانية الأخرى، وإن أرادت موسكو التركيز على أهداف معينة ستؤثر بشكل كبير على قدرة كييف في التكيف على التطورات الجديدة كتقويض شبكة السكك الحديدية أو ضرب مراكز صنع القرار على سبيل المثال لا الحصر.
ويضيف الدكتور الديب أن الجميع يعلم عن دولة بحجم روسيا والصناعات العسكرية التي تملك، يعرف تماماً أنه منذ أيام الاتحاد السوفيتي وحتى الآن هناك ترسانة عسكرية ضخمة طورها الاتحاد الروسي، لم يستخدم حتى ربعها خلال العملية العسكرية الخاصة.
لماذا لم تستخدم روسيا ترسانتها في خيرسون في ضوء اللهجة التصعيدية التي أتت بعد الانسحاب الروسي منها؟
الدكتور الديب: ما حدث في خيرسون هو تحرك تكتيكي، ومناورة بالقوات العسكرية لا أكثر ولا أقل، والعبرة تكمن في نهاية العملية العسكرية التي يمكن أن تنتهي هذا الشتاء أو تنتهي في بداية الربيع القادم، هذه هو المهم، ويضيف أن مسألة الرد، فهذا الأمر ليس عملاً إرهابياً حتى يتم الرد عليه كما حدث في القرم أو خليج سيفاستوبول، وليس قصفاً على الأراضي الروسية أو مدنها الكبرى، فمسألة الانسحاب الروسي كما تراها القيادة الروسية أنها تحافظ على الجنود الروس والعتاد الحربي، وهذا أمر كان مطلوباً بطريقة ملحّة.
ماذا عن المسار المرتقب في هذه الحرب؟
مدير مركز خبراء رياليست: كما ذكرت آنفاً حول شبكة السكك الحديدية الأوكرانية، التي يمكن ضربها أو ضرب مواقع قيادة مهمة لكييف، ولكن روسيا يبدو أنها تسير وفق خطة عسكرية محكمة لجهة نوعية الأهداف وتوقيت قصفها، مع مراعاة وتيرة شدة القصف، ربما من أجل الوصول إلى حلول وتفاهمات ما.
وأضاف الدكتور الديب أنه في نهاية المطاف وهو ما نسمعه كثيراً على ألسنة القيادة الروسية العسكرية والسياسية بأن أهداف العملية العسكرية الروسية ستتحقق بالكامل بالوسائل السلمية أو العسكرية، والحرب لم تنتهِ بعد حتى تُحسم النتيجة فالعملية العسكرية ومستمرة، ونتائج الانسحاب أو التقدم هي أمور طبيعة في نطاق الحروب، مع الإشارة إلى أنه عندما يتم الاتفاق على صيغة ما، من يكون مسيطراً على أراضي أكثر سيكون هو الطرف المنتصر.
ما المنتظر لحسم ملف صفقة الحبوب؟
الدكتور الديب: الاتهامات التي تتحدث عن أن روسيا سبب تجويع العالم غير صحيحة، بدليل أن انسحاب روسيا من الصفقة تم عند مهاجمة الأسطول الروسي في سيفاستوبول، وعودة روسيا السريعة جداً والمفاجئة أيضاً، تؤكد أن روسيا لديها رغبة كبيرة في عدم وصول الأمور إلى مجاعة عالمية، خصوصاً وأن معظم أصدقاء روسيا في العالم، هي دول فقيرة تحتاج إلى الحبوب الروسية والأوكرانية بالإضافة إلى الأسمدة، بما في ذلك بعض الدول الغربية التي لا تزال تحافظ على علاقات محدودة نوعاً ما مع روسيا، على سبيل المثال فرنسا، التي تعتمد على الأمونيا الروسية والمواد الخام الروسية في إنتاج الأسمدة الأوروبية، كل ذلك يقود إلى أن روسيا تريد بالفعل استمرار هذه الصفقة لا تعطيلها ولكن بشروط عدم استخدام الممرات الآمنة كقاعدة انطلاق لمهاجمة القوات الروسية في البحر الأسود، أو في شبه جزيرة القرم.
تأكيد آخر كما أشار له الدكتور الديب أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد أعطت تصريحات للشركات والبنوك الأمريكية بالتعامل مع بنوك وشركات مواد غذائية روسية، وهذا يقود إلى أن الرغبة الحالية هي عدم استخدام الغذاء كسلاح لتجويع العالم خصوصاً الدول الفقيرة التي هي صديقة لروسيا والتي لا تريد خسارتها، وتحديداً دول الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية ودول القارة الإفريقية.
المصدر: قناة الغد.