نيودلهي – (رياليست عربي): أصبحت العلاقات الاقتصادية العالمية اليوم أكثر تعقيدًا وتشعبًا. فقد ابتعد العالم عن النموذج أحادي القطبية: فالولايات المتحدة تحاول حل مشاكلها التجارية مع الصين، بينما تجمد الاقتصاد الأوروبي في انتظار استمرار الحرب التجارية مع واشنطن، وتبني روسيا تدريجياً هيكلاً جديدًا لعلاقاتها مع العالم أجمع. في خضم هذه الظروف، سيعقد منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي (SPIEF) هذا العام خلال الفترة من 18 إلى 21 يونيو 2025.
يشارك في المنتدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الإندونيسي برابوو سوبيانتو، إلى جانب وفود رفيعة المستوى من دول مختلفة. وتأتي مملكة البحرين كضيف شرف هذا العام. وصف الرئيس الروسي المنتدى قائلاً: “يُظهر منتدى سانت بطرسبرغ أن روسيا قادرة على تشكيل سياستها الاقتصادية بشكل مستقل وتطوير السوق المحلية. إنه منصة للحوار وتبادل الآراء والبحث عن حلول جديدة، تجمع ممثلي قطاعات الأعمال والحكومات والمجتمع العلمي من جميع أنحاء العالم”.
حدد المنظمون أجندة المنتدى بالقول: “سيُعقد SPIEF 2025 في وقت يواجه فيه الاقتصاد العالمي تحديات جسيمة، بدءًا من الحاجة إلى تسريع التحول الرقمي ووصولاً إلى مكافحة تغير المناخ. لن يكون المنتدى مجرد مكان لمناقشة هذه القضايا، بل أيضًا لتطوير حلول عملية قادرة على تكييف الاقتصاد العالمي مع الظروف الجديدة”.
يذكر الكرملين أن نجاح المنتدى العام الماضي كان لافتًا، حيث شارك أكثر من 21 ألف شخص من 139 دولة ومنطقة، وبلغت قيمة الاتفاقيات الموقعة نحو 80 مليار دولار عبر 1,073 صفقة. ويعد المنتدى نافذة فرص للدول الراغبة في تطوير علاقاتها عبر أوراسيا، حيث يُنتظر وصول وفود من مصر ودول شبه الجزيرة العربية وآسيا وأمريكا اللاتينية باهتمام خاص.
تعاون استراتيجي: مصر والسعودية في بؤرة الاهتمام
في المنتدى الماضي، حققت الوفود المصرية نتائج ملموسة، حيث وقعت اتفاقيات استثمارية مع روسيا في مجال الطاقة المتجددة، بما في ذلك بناء محطات للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بالإضافة إلى مذكرات تفاهم لتطوير البنية التحتية للنقل وتحديث الموانئ والسكك الحديدية. كما شمل التعاون مجالات السياحة والزراعة. وأعلن وزير التجارة والصناعة المصري أحمد سمير عن انفتاح بلاده على مشاريع جديدة في البتروكيماويات والزراعة، لا سيما مع سوق يضم 100 مليون مستهلك، و1.5 مليار نسمة إذا ما أخذنا في الاعتبار القارة الأفريقية بأكملها.
أما السعودية، فاستخدمت المنتدى كمنصة لتوسيع التعاون مع روسيا في الطاقة والتقنية والبنية التحتية، في إطار رؤية 2030. وشهد العام الماضي توقيع عقود كبرى في مشاريع النفط والغاز، بالإضافة إلى خطط لبناء مجمعات سياحية بالشراكة مع روسيا.
اقتصاد عالمي بلا قيود غربية
يُظهر المنتدى أن الاقتصاد العالمي لم يعد بحاجة إلى بروكسل أو واشنطن لتحقيق نموه. ففي سانت بطرسبرغ، عاصمة الإمبراطورية الروسية السابقة، يُبنى مستقبل جديد من العلاقات الاقتصادية، حيث يجتمع المشاركون تحت سقف واحد لتعزيز التعاون بعيدًا عن التأثيرات الغربية. وبينما تناقش الوفود مستقبل الطاقة والتجارة، سيستمتع الحضور بأجواء الموسيقى العالمية في حفلات لفنانين مثل الإيطالي ألبانو أو إيفا زانيتشي.
هكذا، يؤكد المنتدى مرة أخرى أن روسيا وقادرة على صياغة مسارها الاقتصادي الخاص، معززةً شراكاتها مع الدول التي تشاركها الرؤى نفسها.
خاص وكالة رياليست – عظيم فسحات – كاتب ومحلل سياسي – الهند.