موسكو – (رياليست عربي): بعد أن ذكرت وكالة الأنباء الروسية تاس، صباح أمس الجمعة أن سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي (سيرجي شويغو) قد وصل إلى بكين اليوم الجمعة، لإجراء محادثات مع الجانب الصيني حول القضايا الثنائية في المجال الأمني، فضلاً عن المشاكل العالمية والإقليمية:
- أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية (لين جيان) اليوم الجمعة، إن روسيا الإتحادية والصين الشعبية قد حافظتا على تبادل وثيق ورفيع المستوى فيما بينهما كشركاء إستراتيجيين شاملين للتنسيق من أجل عصر جديد، مضيفاً بأنه ليس لديه معلومات ليقدمها حالياً بشأن السؤال المحدد حول زيارة الجنرال شويغو.
- وقد لفتت هذه الزيارة للوزير سيرجي شويغو نظر جميع الأوساط الإعلامية والدبلوماسية والأمنية نظراً لأن هذه الرحلة لشويغو هي زيارته الثانية للصين خلال الأشهر الثلاثة الماضية، فضلاً عن أنها أتت بعد يوم واحد فقط، من اجتماع استمر ست ساعات بين وفدين أمريكيين وروسيين بحثا مختلف القضايا الثنائية في القنصلية الأمريكية في إسطنبول مساء الخميس 27 فبراير 2025 بدون إدلائهم بأي بيانات صحفية أو أي تصريحات رسمية. كما جاءت هذه الزيارة أيضاً قبل ساعات من الإجتماع المقرر بين الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) والرئيس الأوكراني (فولوديمير زيلينسكي)، والذي عقد صباح اليوم الجمعة بالتوقيت المحلي في العاصمة الأمريكية واشنطن.
- ويراقب مسؤولو الصين الشعبية عن كثب إستراتيجية الرئيس الأميركي (دونالد ترامب) الجديدة لإنهاء الحرب، بعد مرور 3 سنوات على بدايتها في أوكرانيا، كما تحسب بكين تحركاتها لتحسم موقفها كشريك إستراتيجي ووسيط للسلام مع أوكرانيا مع الحفاظ على شراكتها مع موسكو.
- كما تأتي هذه المباحثات (الروسية – الصينية) بالتزامن مع المباحثات التي يجرييها رئيس الوزراء البريطاني (كير ستارمر) والرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون) خلال هذا الأسبوع، وتأتي أيضاً بعد المحادثات المباشرة التي جرت في 18 فبراير 2025 بين كبار المسؤولين الأمريكيين والروس في العاصمة السعودية الرياض.
- وتأتي هذه المباحثات (الروسية – الصينية) أيضاً بعد أن التقى الرئيس الفرنسي (مانويل ماكرون) مع الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) صباح يوم الإثنين في البيت الأبيض في اجتماع دام قرابة ساعتين، حيث شارك الزعيمان محادثتهما في مؤتمر عبر الفيديو مع زعماء مجموعة السبع الآخرين بشأن الوضع الأمني والعسكري في أوكرانيا. وفي وقت سابق من يوم الإثنين نفسه أيضاً، تحدث الرئيس الصيني (شي جين بينغ) مع الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين)، الذي أطلع نظيره الصيني شي على محادثات الرياض، وأكد على أهمية الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين روسيا الإتحادية والصين الشعبية، لتعرب بكين من بعدها في بيان رسمي لها بأن جمهورية الصين الشعبية ترحب بكافة الجهود الإيجابية التي تبذلها روسيا الإتحادية والأطراف المعنية لحل الأزمة في أوكرانيا.
آراء المراقبين والمحللين والخبراء في مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية الروسية والعالمية:
- يرى العديد من المراقبين والمحللين والخبراء في مجال العلاقات الدولية من المختصين بملف تطورات الحرب (الروسية – الأوكرانية) وتأثيرها على الأوضاع الأمنية والعسكرية واللوجيستية ليس فقط في بلدي طرفي النزاع، وإنما تأثيرها على الصعيدين الإقليمي والدولي أيضاً، مثل الخبير السياسي والأمني الصيني (وانغ يي) والذي يشغل منصب وزير خارجية بكين حالياً، أنه وعلى مدى ثلاث سنوات مضت، أكد المسؤولون الصينيون أن بكين ستلعب دوراً بناء في التسوية السياسية للحرب (الروسية – الأوكرانية)، حيث امتنع الصينيون عن استخدام مصطلح (حرب أوكرانيا) بشكل مجازي، وذلك تهرباً من وصف هذه الحرب بـــــــــــ(العدوان الروسي) منذ 24 فبراير 2022.
- ولهذا أشادت بكين بالمحادثات الأخيرة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الإتحادية، والتي لم تكن أوكرانيا حاضرة فيها، حيث قال وزير الخارجية الصيني لنظيره الأوكراني (أندريه سيبيها) في 15 فبراير على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن، أن الصين وأوكرانيا لديهما شراكة إستراتيجية منذ عام 2011، وفي السنوات الأخيرة، أصبحت الصين الشعبية هي أكبر شريك تجاري لأوكرانيا.
- والجدير بالذكر أن البيان الصيني للإجتماع (الصيني – الأوكراني) لم يذكر سيادة جمهورية أوكرانيا أو سلامة أراضيها، علماً أنه وفي العشرين من شهر فبراير2025، أي بعد يومين من المحادثات بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الإتحادية، أجرى (وانغ يي) محادثات شخصية مع وزير الخارجية الروسي (سيرجي لافروف) في اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين في جوهانسبرج بجنوب أفريقيا، حيث أطلعه لافروف على محادثات الرياض، وعندها أكد (وانغ يي) أيضاً على عمق (الشراكة الإستراتيجية الشاملة) بين الصين الشعبية وروسيا الإتحادية، وأكد أيضاً على أن جمهورية الصين الشعبية تدعم كل الجهود المخصصة للسلام، بما في ذلك الإجتماع الأخير الذي تمَّ التوصل إلى عقده بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الإتحادية في الرياض.
- وفيما يتعلق بموقف جمهورية الصين الشعبية، يؤكد الخبير الأمريكي العالمي (دينيس وايلدر) الذي كان مستشاراً كبيراً للرئيس الأمريكي السابق (جورج دبليو بوش) في البيت الأبيض الأمريكي بشأن ملف جمهورية الصين الشعبية، أن التقارب الكامل (الروسي- الأمريكي)، قد لا يكون وارداً في الوقت الحالي، خاصةً وأن الصينيين متوترون للغاية حالياً، لأن رفع الرئيس (دونالد ترامب) للعقوبات عن روسيا الإتحادية، سيعني انخفاض اعتماد موسكو على بكين للخروج من عزلتها الإقتصادية. وسيعني أيضاً أن الولايات المتحدة الأمريكية تخاطر بتعزيز الحملة الإعلامية العالمية التي تشنها بكين إقليمياً ودولياً، والتي تصور واشنطن كحليف غير موثوق به مع بقية دول العالم.
- ولهذا السبب يتحدث الخبير الأمني والعسكري، الأميرال الأمريكي المتقاعد (مارك مونتجومري)، وهو محلل للسياسات الدفاعية في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ومقرها العاصمة واشنطن، أن الأمريكيين أخطـأوا عندما تخلوا على الفور عن كل النفوذ الذي كان لديهم، ونسبوا بشكل خاطئ هوية المعتدي في الحرب (الروسية – الأوكرانية) إلى الجانب الروسي، والذين عادوا لمحاورته حالياً، وهو الأمر الذي سيساعد جمهورية الصين الشعبية، أي حليفة روسيا الإتحادية التي ستحصل بالتأكيد على فوائد سياسية وعسكرية وأمنية من هذا التقارب (الروسي – الأمريكي) دون أن تبذل أي عناء يذكر ضمن هذه الحرب.
- فيما يقول خبير عسكري وأمني آخر، هو الخبير العالمي الأمريكي (برادلي بومان)، وهو المدير الأول لمركز القوة العسكرية والسياسية في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، أن أحداً ليس لديه شك في أن الدبلوماسيين من جمهورية الصين الشعبية، يهمسون في آذان مسؤولي وقادة دول العالم بشأن عدم موثوقية الأمريكيين، ومن المؤسف أن هذه الإدارة الأمريكية الحديثة تقدم لهم بعض الـتأكيدات والمبررات التي يتم استخدامها لإقناع قادة دول العالم بصحة هذه النظرية السياسية.
- وعلى الرغم من أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، قد رفض التعليق صباح اليوم الجمعة على ما إذا كانت جمهورية الصين الشعبية سترسل قوات لحفظ السلام إلى أوكرانيا بعد انتهاء الصراع (الروسي – الأوكراني)، إلا أن الدبلوماسي الصيني قد أعلن بأنه سيكون من المقرر رسمياً
أن يقوم كلا الرئيسين الروسي (فلاديمير بوتين) والصيني (شي جين بينغ) بتبادل الزيارات بينهما إلى بكين وموسكو، في وقتٍ لاحقٍ من هذا العام 2025، ولهذا السبب عقد الإثنان اجتماعاً افتراضياً بتاريخ 21 يناير 2025، بالإضافة إلى ذلك، فقد تلقى الرئيس شي مكالمة هاتفية من الرئيس بوتين بعد ظهر يوم الإثنين 24 فبراير 2025.
- ولهذا السبب يشكك بعض المسؤولين الأمريكيين السابقين في مدى استعداد الحكومة الصينية حقاً للتحرك لوقف الحرب (الروسية – الأوكرانية)، وهم يعتقدون أن جمهورية الصين الشعبية قد تستخدم هذه القضية كوسيلة ضغط في تعاملاتها مع (دونالد ترامب).
- ولهذا السبب أيضاً، يؤكد خبير رابع، هو الخبير السياسي والأمني والعسكري (إيفان ميدوروس)، والذي عمل سابقاً في مجلس الأمن القومي للبيت الأبيض من عام 2009 إلى عام 2015، ويعمل حالياً مديراً لبرنامج الدراسات الآسيوية في جامعة جورج تاون، خلال حديثه عن الوضع الأمني في المحيطين الهندي والهادئ التابع لصندوق مارشال الألماني، أن الصينيين سينظرون إلى قضية أوكرانيا وسيقدمون بعض المساعدة لــــلرئيس الأمريكي (دونالد ترامب)، ولكنهم على الأغلب لن يفعلوا الكثير في هذا الصدد، لكنهم بعدها سيزعمون بأنهم حققوا نجاحاً كبيراً.
- وأضاف (إيفان ميدوروس) بأن الصينيين سيقبلون أي شيء يخدم مصالحهم المادية المباشرة، مثل المساعدة في إعادة بناء أوكرانيا. ولكن بالطبع، لا يتعلق هذا بتشجيع روسيا الإتحادية على التوصل إلى إتفاق سلام، بل يتعلق الأمر بضمان حصول شركات البنية الأساسية الصينية على الكثير من العقود الضخمة من شركات الإعمار التي سيقع على عاتقها إعادة إعمار المناطق المدنية التي تضررت بسبب الحرب، سواءً في روسيا الإتحادية أو في أوكرانيا.
خاص وكالة رياليست – حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية.