حسب المواد الدستورية التي اتاحت لرئيس الوزراء مهلة شهر من تأريخ التكليف بقصد تشكيل كابينته الوزارية ومنحها الثقة من قبل مجلس النواب بعد عرضها عليه، نرى بإن حكومة محمد علاوي سيتم إعلانها قبل المدة المقررة.
وكل المؤشرات تدل على إعتماد جديد في تكليف الوزراء ومن اهم المعايير التي سيتبعها السيد علاوي ؛ النزاهة والكفاءة وبالتالي ستكون عملية إختيار الشخصيات لتولي مناصب وزارية مختلفة هذه الدورة ولا تخضع بالضرورة لما جرى عليه العرف في تشكيل الحكومات السابقة، ويجب هنا التمييز بين المحاصصة المقيتة التي تأتي بأشخاص غير مؤهلين لتسنم المناصب سواء الوزارية او غيرها في إدارة شؤون الدولة وبين التمثيل العادل لمكونات الشعب العراقي، إذ من المتوقع ان يعمد السيد علاوي الى تجاوز تلك المعادلة التي حكمت المشهد السياسي منذ عام ٢٠٠٣ وتوزير شخصيات بعيدا عن مبدأ المحاصصة الحزبية والطائفية وبالتالي تأسيس اولى مراحل بناء الدولة وهذا سيعتمد من دون شك على مدى قبول وزارته عند طرحها لنيل الثقة داخل محلس النواب وإذا ما ولدت تلك الحكومة الوزارية ستكون بداية الطريق لتغيير المبدأ الذي حكم العراق بسبب مبدأ الحاصصة وتقسيم المناصب.
قد تكون البداية صعبة ولكن خطوة الالف ميل تبدأ بخطوة كما يقولون ولذلك ينبغي على الجميع ان يساندوا علاوي في مهمته والوقوف الى جانبه من اجل تلك الخطوة التي تأخرت لاكثر من عقد ونصف من الزمن، وفي هذا الصدد يقول عالم السياسة الإيطالي انتونيو غرامشي بإن هناك طريقين للسلطة كي تفرض سيطرتها على افراد المجتمع وهما: الطريقة الخشنة وهي تعني اللجوء الى إستخدام القوة المميتة وغالبا ما يكون استخدامها يفضي الى الفشل وبالتالي لا يمكن السيطرة على الشعب بل ان نتائجها وقتية ومحددة وهي تعكس عجز السلطة الحاكمة عن التعامل مع الإحتجاجات الشعبية، اما الطريقة الثانية فهي التعامل الناعم مع تلك الإحتجاجات معتمدة على وسائل الترغيب والإقناع ومحاولة كسب ود الشعب والمنتفضين الى صالحها وبدورها تعتمد تلك الوسائل على الثقافة ومستوى التعليم وتوفير مختلف الخدمات الإجتماعية، وهي طريقة ناجعة للسيطرة على الأفراد.
ومن تلك الرؤية، نجد بإن الطريقة الأولى قد تم إستخدامها من قبل الحكومة المستقيلة التي نجم عنها سقوط ضحايا بين صفوف المتظاهرين وادى بتصاعد وتيرة الإحتجاجات الى مستوى غير مسبوق مما ادى الى شلل في محافظات الجنوب والوسط لحين تحقيق مطالبهم، وبسبب فشل السلطة الحاكمة في طريقة إدارتها للأزمة المستمرة منذ شهر تشرين الأول ٢٠١٩ ، نرى بإن الحل الامثل يكمن في اللجوء الى الاسلوب الناعم وتحقيق الإصلاحات المطلوبة من قبل المتظاهرين، ومنح الوقت الكافي لحكومة السيد علاوي للبدء بخطوات حقيقية للتعامل مع تلك المطالب وجعلها اولوية في منهاج وزارته المقبلة وهو يعتمد بالذات على قبولهم بذلك المنهاج ومقترن ايضا بموافقة مجلس النواب والتصويت على كابينته الوزارية بكامل صلاحياتها الدستورية.
وهناك العديد من الخطوات التي على السيد علاوي القيام بها من اجل تصحيح العملية السياسية ومن اهمها التمهيد لإجراء إنتخابات مبكرة وحسب مطالب الجماهير والمرجعية لتكون منطلقا لعملية سياسية جديدة تفرز من دون شك مجلس نواب ممثل للشعب العراقي،هذه الخطوة تسبقها اجراءات تتخذها الحكومة كإقرار قانون الإنتخابات الجديد وتهيئة مستلزمات العملية الإنتخابية،وكذلك متطلبات اخرى ينبغي معالجتها من قبل حكومة علاوي وتتمثل بمحاكمة قتلة المتظاهرين السلميين الذين سقطوا ضحايا لتلك التظاهرات وتقديم المسؤولين عنها ومحاكمتهم وفقا للتعهدات التي اعلنها رئيس الوزراء المكلف بخطابه الاول للشعب العراقي. وفي هذا الإطار يعمل رئيس الوزراء المكلف على تشكيل حكومة تلبي طموحات الشارع العراقي المنتفض وذلك عبر تقديم شخصيات سياسية تتمتع بالنزاهة والكفاءة مع معايير اخرى تنسجم مع متطلبات الوضع الحالي وتجاوز العرف المتداول من قبل الاحزاب والقوى السياسية وتقديم وزراء لا تنطبق عليهم الشروط والمواصفات التي اقترحتها جماهير الشعب العراقي وبذلك يحقق اولى الخطوات الاجرائية التي وعد بها عند تكليفه وهي تمثل خروجا عن الخط السياسي الذي انتهجته القوى منذ عام ٢٠٠٣ ولا تزال تتمسك بحقها وفقا لرؤيتها لحصصها وإستحقاقاتها في التشكيلة الوزارية.
ان التظاهرات الشعبية المستمرة قد مثلت الخط الفاصل بين مرحلة واخرى وبذلك هي تؤسس لبداية حقيقية لمسارات الإصلاح المفترضة والتعهدات التي اطلقها رئيس الوزراء المتجسدة بعدم الخضوع لشروط واملاءات الكتل والقوى السياسية بل لابد استثمار ذلك الزخم الجماهيري المطالب بتحقيق مطالبه بعيدا عن الضغوطات التي تتبعها تلك القوى، وهذه النقطة تعطي دعما معنويا للسيد علاوي وهو يشرع بتشكيل حكومته وإختيار وزارته بعيدا عن الضغط الهائل الذي تقوم به تلك القوى من اجل الحفاظ على مكتساباتها السياسية.
ان تشكيل الحكومة الجديدة يعني الشروع في إعادة بناء الدولة على اسس جديدة مغايرة تماما عن المراحل السابقة بعد عجز السلطات عن إقامة دعائم الدولة العراقية وهذا يتطلب دعم ومساندة الجماهير الشعبية ومنح الثقة بحكومة علاوي ومنحها الوقت اللازم لمواجهة التحديات والصعوبات التي تعترضها وإنهاء تراكمات ١٧ سنة سابقة.
خاص وكالة “رياليست” – الأستاذ محمد كريم الخاقاني – باحث سياسي عراقي.