تصاعدت عمليات القرصنة في خليج غينيا أحد أهم ممرات الملاحة الدولية في العالم بشكل لافت مؤخراً، نتيجة انعدام الأمن في المنطقة، الأمر الذي يهدد حركة التجارة الدولية، ويأتي هذا التطور مع تصاعد إرهاب جماعة الحوثيين في اليمن، عبر زرع الألغام البحرية في البحر الأحمر، بما يهدد حركة السفن التجارية، إضافة إلى ذلك، اختطفت مجموعة من القراصنة زورقاً صينياً وناقلة نفط محملة بالوقود تعمل لصالح شركة “توتال” الفرنسية مع طاقميهما، حيث بات خليج غينيا بحسب مراقبين، مركزاً عالمياً لقرصنة السفن، طبقاً لموقع قناة “سكاي نيوز عربية“.
حرب المضائق والبحار
تشتعل النزاعات في كثير من مناطق العالم، وينتشر العنف والفوضى، لدرجات كبيرة أصبحت تشكل خطراً غير مسبوق، لم يألفه العالم في العصر الحديث، فبالنظر إلى مناطق الصراعات المنتشرة على خارطة العالم، الجامع والمشترك بينها أن هناك ما يميزها عن غيرها، لجهة موقع جغرافي، أو غنى بثروات طبيعية ونفطية ومياه وبحار ومضائق وأنهار، فإن استعرضناها جميعاً لن ننتهي منها، لكن لو عرجنا على الأزمتين السورية والعراقية، لوجدنا أن ما يجمع بينهما حدود برية مشتركة إضافة إلى نهر الفرات الكبير الذي يغذي ثلاث دول هي العراق وسوريا وتركيا، فالجميع يعلم أن تركيا أنشأت سد “إليسو”، المشكلة ليست في إنشاء السد بل في ملء السد وقطع مياه نهر دجلة القادمة إلى العراق، وبالتالي على المدى البعيد قد يخلق هذا الوضع نزاعاً قد يتطور إلى حرب، كذلك أزمة سد النهضة والحقوق المائية لكل من مصر والسودان وأثيوبيا حيث لا تزال القضية موضع مد وجزر، لم تنتهِ بعد بحل سليم يرضي جميع الأطراف، وهذا مستقبلاً أيضاً قد يفتح أبواب صراع عسكرية تتعلق بالحصص المائية لكل بلد.
كذلك أزمة البحار، إن الصراع القائم بين القوى العظمى سواء في البحر المتوسط أو بحر الصين الجنوبي، والبحر الأسود وغيرهم، فهناك الكثير من الدول المتشاطئة التي تتشارك بحراً واحداً مثل اليونان وتركيا وأزمة شرق المتوسط، وهناك أزمة المهاجرين عبر سواحل ليبيا إلى الدول الأوروبية، أيضاً المشكلة الأخطر التي لا يمكن تجاهلها والتي حدثت خلال الأعوام القليلة الماضية حول استهداف ناقلات النفط العالمية في بحر عمان في منطقة الخليج، الذي يرتبط مع إيران حيث تسير الأخيرة دوريات بحرية عسكرية ويتم احتجاز ناقلات نفط أجنبية، مع إمكانية اعتراض أي سفينة الأمر الذي يبين أن الملاحة البحرية تعيش أسوأ كابوس لها في العصر الحديث.
وعلى الرغم من فرقاطات عسكرية أمريكية تحرس هذه المنطقة لكن لم تتوقف الاستفزازت الإيرانية في بحر الخليج الأمر الذي قد يهدد المنطقة برمتها، وهذا هو مكمن الخطر الرئيس، إضافة إلى خطر التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي بين مختلف دول العالم ودول الشرق الأوسط وأفريقيا.
قرصنة دولية
وفقاً للمكتب البحري الدولي “آي إم بي” تم توثيق هجمات في أكثر من دولة مطلة على خليج غينيا على مدار السنوات الثلاث الماضية، كما سجل 82 علمية قرصنة ناجحة في عام 2018، بينما سجل 64 عملية قرصنة في 2019، ثم سجل 84 عملية قرصنة في العام 2020، وبات خليج غينيا موقعاً لأكثر من 90 بالمئة من عمليات الاختطاف التي تمت في كل بقاع العالم.
إن عمليات القرصنة التي تتم في هذا الخليج، تجعل من مصير الملاحة البحرية مهددة بخطر كبير، حيث زادت نسبة القرصنة هناك عن العام الماضي حوالي 20% وكانت أغلب العمليات التي حدثت في هذا الخليج على وجه التحديد، لنصل إلى نتيجة مفادها أن خليجي غينيا من الممكن تسميته مركز القرصنة العالمي لقرصنة السفن، وأخطر مياه موجودة في العالم.
هذا الأمر أيضاً يبعث على القلق الدولي كما كانت الصومال كذلك في مرحلة سابقة، تشكل مثل هذا الخطر، وهذه الأمور نتيجة طبيعية للفوضى الدولية العارمة التي هي بطريقة ما سبب هذه التطورات الخطيرة.
باب المندب
إن خليج غينيا لا يقل خطورة عما يقوم به الحوثيون بالقرب من منطقة باب المندب، من خلال الأعمال العدائية التي تمارسها، فبحسب مراقبين ومحللين أن هذه القوة التي يستمدها الحوثيون في مناطق سيطرتهم كله بدعم إيراني واضح، للضغط على الملفات الساخنة ولقد نجحت في هذا الأمر من خلال أن الولايات المتحدة الأمريكية وعلى الرغم من قصف مطار أبها السعودي المدني لكنها سحبت إدراج الجماعة من على لائحة الإرهاب الدولي، وأصبح من المتوقع أن العودة قريبة إلى اتفاق الملف النووي بشروط إيرانية، لا أمريكية أو غربية.
إذاً، يشكل الحوثيون في تلك المنطقة تهديداً حقيقياً لسواحل البلاد هناك، حيث تعمل على زرع ألغام بحرية على طول سواحل اليمن الواقعة تحت سيطرتهم، فإن كان ذلك جراء الدعم الإيراني، فإن هذا الأمر يعني أن المنطقة ترزح تحت وطأة خطر غير مسبوق خاصة في شرق وغرب القارة الأفريقية، سواء بمنطقة القرن الأفريقي، أو منطقة خليج غينيا، وبالتالي أصبح الإرهاب والقرصنة الخطرين الأكبر والأعمق اللذين يهددا دول العالم أجمع، وذلك وسط رغبة دول إقليمية لتصدير الفوضى والإرهاب لشتى بقاع المنطقة.
أخيراً، إن تعقيدات المشهدين الدولي والإقليمي تحتاج سنوات طويلة لإخماد الحرائق التي تم إشعالها في ساحات كثيرة، لكن الأخطار تتمدد وتتواصل وبدأت تأخذ منحىً خطيراً ينذر بأن شكل النظام العالمي الجديد سيكون فوضوياً، فمسألة قرصنة السفن البحرية وزرع الألغام البحرية من خلال وجود قراصنة وإرهابيين أمر خطير وغير مسبوق، غذته السياسات الدولية الخاطئة تجاه القضايا المحورية في بعض الدول كاليمن وليبيا، لأن الارتدادات كبيرة وأولها ما يحدث اليوم، لكن القادم أعظم.
فريق عمل “رياليست”.