كييف – (رياليست عربي): في فبراير 2022، كانت أوكرانيا على وشك مواجهة تحدٍ خطير، حيث بدأت روسيا في العملية العسكرية الخاصة، عاد وزير الخارجية الأوكراني، دميتري كوليبا، إلى بلاده وسط المخاطر والتحديات، وتم استقباله بحرارة في البيت الأبيض من قبل الرئيس بايدن، فيما كانت الابتسامات والمصافحات تشكل وداعاً مؤثراً له ولبلده.
في العواصم الأوروبية وواشنطن، لم يكن هناك توقع بأن أوكرانيا ستنجو في ظل التهديدات الروسية في فبراير 2022، حيث قاد ويليام جيه بيرنز، مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، مهمة سرية إلى كييف بناءً على طلب الرئيس بايدن، حيث حذر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من مؤامرة روسية لاغتياله وتنظيم معسكرات اعتقال.
عندما أغلقت الولايات المتحدة سفارتها في كييف، تم إرسال بعض الدعم العسكري، مثل صواريخ جافلين المضادة للدبابات، ولكن كانت هذه الكمية ضئيلة، حينها اضطر رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون، بمواجهة المعارضة الداخلية، إلى الموافقة على تسليم حمولة أكبر من الصواريخ، ومع ذلك، كان هذا السلاح أكثر فعالية في حروب العصابات بدلاً من الحروب التقليدية.
في هذا الوقت الحرج، نجحت القيادة العسكرية الأوكرانية، بقيادة الجنرال فاليري زالوجني، في الحفاظ على سرية خطط الدفاع، ولم يكن الأمر معروفاً للمسؤولين الأمريكيين، وفي النهاية، كانت استعدادات أوكرانيا وخططها التي لم تشاركها بشكل كامل مع واشنطن تشكل استراتيجية عسكرية ذكية وفعالة.
شهدت الأيام الأولى للصراع في أوكرانيا تقدماً روسياً سريعًا أذهل الحكومات الغربية، واضطرتها للنظر في خياراتها، بينما حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من التدخل، تلقى الرئيس الأوكراني زيلينسكي عروضاً لتنظيم عمليات هروب، لكنه فضل الحصول على دعم عسكري.
في هذا السياق، كانت بولندا تبرز كدولة استثنائية رفضت اليأس، ورغم تلقيها معلومات عن انهيار وشيك لأوكرانيا، أرسلت دعماً فورياً من الذخيرة والأسلحة، بالمقابل، كانت العواصم الأوروبية الأخرى تعبر عن مزاج مختلف، حيث لم تكن هناك فرص للأوكرانيين، وكانت الأولوية لدى بعض الدول الغربية هي تجنب التصعيد المباشر مع روسيا.
تهديدات بوتين بعواقب غير متصورة في حال تقديم الدعم لأوكرانيا كانت تلقى بظلالها على السياسة الغربية، ورغم وصول بعض الأنظمة الغربية إلى أوكرانيا في وقت لاحق، فإن روسيا كانت قد استعدت وبنت دفاعاً، وأفسدت الفرصة لأوكرانيا لتحقيق نصر سريع وواضح.
وتجاوباً مع قدرات القوات الأوكرانية، بدأت إدارة بايدن وحلفاؤها في تقديم الدعم المدفعي والعسكري لأوكرانيا، ورغم تفوق القوات الأوكرانية في العدد، فإنها كانت تواجه تحديات حقيقية، حيث كانت الذخيرة والتسليح غير كافية، وتم رفض طلباتهم للحصول على دبابات ومركبات قتالية وطائرات مقاتلة وأنظمة دفاع جوي.
زيلينسكي بدا متعباً ومتجهم الوجه، عكس الصورة السابقة له، ورغم تاريخه الكوميدي، فإنه انتقل إلى الحديث عن الضرر الكبير الذي تعرض له الشعب الأوكراني بفعل روسيا، مؤكداً أن بوتين خسر بالفعل من الناحية الاستراتيجية بعد فشله في السيطرة على كييف في مارس.
تعكس تعليقات زيلينسكي قلقه من قيود واشنطن على نفسها بسبب خطوط حمراء تفرضها على نفسها، ونفى أي تهديدات بالتصعيد الروسي، مشيراً إلى أن روسيا قد استخدمت جميع أسلحتها باستثناء القنبلة النووية، ومع ذلك، استمرت الولايات المتحدة في اعتبار التحذيرات النووية الروسية بجدية، حيث أكدت ضرورة تجنب حرب نووية تهدد بإنهاء كل أشكال الحياة على وجه الأرض.
خلال اجتماع القادة الأوكرانيين والأمريكيين والبريطانيين في القاعدة الأمريكية في فيسبادن بألمانيا، تم تحديد نقاط البداية لتحرك القوات الأوكرانية لاستعادة الأراضي المحتلة من قبل روسيا، والتي تشكل ما يقرب من ربع مساحة البلاد.
من كييف، دعا زيلينسكي وزالوجني إلى التقدم نحو بحر آزوف في منطقة زابوروجيا، بهدف قطع “الجسر البري” الروسي إلى شبه جزيرة القرم، وتحجيم قدرة موسكو على الوصول إلى هذه المنطقة الحيوية، بعد خسائر متتالية، وجدت روسيا نفسها محاصرة، مع وجود حوالى 100 ألف جندي في أوكرانيا، ورفض بوتين تعبئة قوات الاحتياط، مما جعل وضع روسيا هشاً، ووفقاً لحسابات زالوجني، كانت هناك حاجة ماسة لنحو 90 مدفعاً إضافياً وكميات كبيرة من الذخيرة لتحقيق النجاح، ومع ذلك، عبر المستشارون الأمريكيون عن شكوكهم حيال قدرة الجيش الأوكراني على تنفيذ هجمات هجومية كبيرة، خاصة تلك التي تتطلب تنسيقاً معقداً بين وحدات متعددة، ونصحوا بتنفيذ عمليات أقل تعقيداً في خيرسون.
رفض زالوجني هذا الاقتراح، مؤكداً أنه يجب شن الهجوم في المواقع التي تحددها الحاجة وليس في تلك التي يمكن الوصول إليها بسهول، ولكن بدون دعم كامل من الولايات المتحدة بشأن الأسلحة والذخيرة، كان من الصعب إطلاق هجوم على زابوروجيا، ركزت القوات الأوكرانية على خيرسون وخاركوف.
في نهاية سبتمبر 2022، تقدمت القوات الأوكرانية إلى مدينة كوبيانسك، التي كانت تعد عاصمة للجزء الروسي المحتل من منطقة خاركوف، تمكنت القوات الأوكرانية من تحقيق نجاح هائل، حيث انهارت الدفاعات الروسية أمام هجومها المتقدم، أعرب المسؤولون الأمريكيون عن دهشتهم وقلقهم تجاه هذا التطور.
بالتالي، من الواضح جداً أنه في مواجهة الضعف الأوكراني أمام القوة الروسية الهائلة، رغم الإرادة القوية والشجاعة التي أظهرها الشعب الأوكراني والقوات العسكرية، إلا أن التفوق العسكري والاستراتيجي يكمن بوضوح في جانب روسيا.
تظهر المعضلة الأوكرانية في نقص الدعم العسكري الكافي والتجهيزات الضعيفة، مما يجعلها تعتمد بشكل كبير على الدعم الدولي، إن الوضع الراهن يفرض على الأوكرانيين البحث عن استراتيجيات جديدة والتعاون الدولي لمواجهة هذا التحدي الضخم، حيث يتطلب الأمر النظر إلى تقييمات جادة لتعزيز القوات وتحسين القدرات العسكرية، بالإضافة إلى توسيع الدعم الدولي لتحقيق التوازن في الميدان العسكري، وهذا في الوقت الحالي أصبح مستحيلاً.