موسكو – (رياليست عربي): تقرر إجراء الانتخابات الرئاسية في روسيا في فترة ما بين، من 15 إلى 17 مارس المقبل وقبل شهرين من التصويت، أعلن نحو 20 سياسياً عن مشاركتهم.
فمن هم أبرز المرشحين لخوض الإستحاق الرئاسي ومالذي يمكننا توقعه؟
بداية كان أمام الأطراف المهتمة بالمشاركة مهلة حتى نهاية يناير/كانون الثاني لجمع التواقيع المطلوبة وتقديمها إلى لجنة الانتخابات.أما معوقات الدخول في الحملة الإنتخابية التي كان يجب على المشاركين التغلب عليها فهي مقبولة تماماً بالنسبة لدولة يبلغ عدد سكانها 150 مليون نسمة، ولكن بنفس الوقت كانت مرتفعة جداً بالنسبة للأحزاب الصغيرة، وقبل كل شيء، بالنسبة للذين رشحوا أنفسهم دعمًا لتسمية مرشح ما. كان مطلوبًا من الأحزاب السياسية جمع ما لا يقل عن 105000 توقيع، وللمرشحين المستقلين ما لا يقل عن 315000 توقيع.
حاليا وبشكل رسمي تم تسجيل أربعة مرشحين، وهم نيكولاي خاريتونوف من الحزب الشيوعي الروس (CPRF)، وليونيد سلوتسكي من الحزب الليبرالي الديمقراطي الشعبوي اليميني الروسي (LDPR)، وفلاديسلاف دافانكوف من الحزب الليبرالي الاقتصادي الجديد، أو الحزب الليبيرالي المحافظ “الناس الجدد”، وبالطبع الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين كمرشح مستقل. وفي هذا الشهر فبراير/شباط، ستظهر أسماء المرشحين الآخرين الذين تمكنوا من استيفاء المعايير المطلوبة وتم تسجيلهم من قبل لجنة الانتخابات.
شقراوات مزينات للجماهير الغربية
اليوم يتساءل معارضو روسيا في الغرب عن الشكل الذي ينبغي أن تبدو عليه الحملة الإعلامية لهذه الانتخابات، وما إذا كان هناك “أشخاص مناسبون” بين المرشحين. في هذا السياق في مقالة صحيفة تاغيزتسايتونغ الألمانية Taz، يمكنك أن تقرأ عن يكاترينا دونتسوفا، التي “لم تكن مسجلة أصلا في اللوائح”، كانت ستدافع عن إعادة إحياء العلاقات الودية مع العالم الخارجي، وكذلك عن حماية “حقوق الأقليات الجنسية”. وبحسب ما ورد “عائلتها وأصدقاؤها” فقد اعتقدوا أنها ستستطيع التأقلم وربما تفلح في مرامها، بينما تشرح صحيفة Taz الألمانية ذلك بعبارة “ضد النظام. ضد الخوف الشخصي”.
في الواقع، حتى في مسقط رأسها مدينة”رجيف” في ضواحي منطقة تفير الروسية على ضفاف نهر الفولغا، لا أحد تقريبًا يعرف من هي السيدة دونتسوفا، وهي لا تمتلك أي خبرة سياسية، لكن نسبياً الشابات ذات الشعر الأشقر ” الرطب” جيدات جدًا على الأقل في التصوير الفوتوغرافي للمقالات التي تنتقد الحملة الانتخابية. ومنذ عدة سنوات لحظنا شيئًا مشابهًا مع سفيتلانا تيخانوفسكايا née Pilipchuk في بيلاروسيا، والتي كانت في نفس العمر. لقد فشلت هي أيضًا على الرغم من الدعم الغربي القوي لها، ومع ذلك لا تزال تحظى بالدعم كمرشحة مستقبلية محتملة – و آخر مرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 تمت دعوتها كضيفة شرف في المؤتمر الفيدرالي لحزب “الخضر” في ككَارْلْسرُوِه (بالألمانية: Karlsruhe) هي مدينة تقع في ولاية بادن-فورتمبيرغ Badenwürttemberg في جنوب ألمانيا.
ولم تكلّف صحيفة “نيوز دوتشلاند” (Neues Deutschland) – الصحيفة اليومية الاشتراكية لجمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة – نفسها عناء تقديم “مرشح مناهض لبوتين” مؤيد للغرب، وبدلاً من ذلك، قرأنا في صحيفة ” تاغيزتسايتونغ الألمانية ” مقابلة مع أناستاسيا بريوخانوفا، وهي أصغر سناً من السيدة دونتسوفا، و أكثر حسماً في المواجهة ضد ” النظام”. وهي تخبر القراء المتبقين أن الانتخابات في روسيا مزورة مسبقًا و “تشبه الانتخابات الحقيقية بشكل سطحي فقط”، وهنا تطرح الصحيفة سؤالاً موضوعياً وليس تخمينيًا: لماذا “يذهب جهاز الحكومة الروسية بشكل عام إلى الحد من وجود عدد كاف من ممثلي المعارضة الحقيقية في البرلمان”؟
السيدة بريوخانوفا، التي “غادرت روسيا بعد بدء الهجوم الروسي في أوكرانيا” وتعيش الآن في ألمانيا، دافعت أيضًا عن بعد عن السيدة دونتسوفا، وقالت لصحيفة تاغيزتسايتونغ الألمانية Taz إنه “في ديسمبر/كانون الأول ، على سبيل المثال، إتخذ قرار ” بعدم السماح للناشطة المناهضة للحرب “يكاترينا دونتسوفا” بالمشاركة في هذا الحدث.”
الشعبويون اليمينيون بدون صوتهم المعتاد
إذا تحدثنا عن المرشحين الجديين الذين يلتزمون بالمبادئ الديمقراطية، فيجب الإشارة هنا على وجه الخصوص إلى ليونيد سلوتسكي من الحزب الليبرالي الديمقراطي الشعبوي اليميني، ونيكولاي خاريتونوف من الحزب الشيوعي الروسي. ليونيد سلوتسكي حاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد وكان نائبًا في مجلس الدوما لسنوات عديدة، حيث يرأس لجنة الشؤون الدولية. ورغم أنه اكتسب بعض الشهرة، وخاصة كرئيس للجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الروسي، ومؤخراً كرئيس للحزب الليبرالي الديمقراطي، فإن حزبه لا يزال حزيناً على خسارة مؤسسه و”رئيسه الأبدي” فلاديمير جيرينوفسكي. اذ يعتقد العديد من الخبراء السياسيين أن جيرينوفسكي كان في الواقع أصل الحزب الليبرالي الديمقراطي، وبدونه سيكون من الصعب الحفاظ على مكانته بين الناخبين.
توفي جيرينوفسكي عام 2022. وكان لسنوات عديدة المرشح الدائم للحزب الليبرالي الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية. لم تكن يوما هزيمة بوتين واقعية على الإطلاق، وبدلا من ذلك كان جيرينوفسكي يستخدم الانتخابات الرئاسية دائما كمنصة إعلانية ودعائية لنفسه ولحزبه، حيث ظهر في العديد من وسائل الإعلام وشارك في مناظرات المرشحين على قنوات التلفزيون الكبرى في أوقات الذروة. كان زعيم الحزب يتقن فن الخطابة بشكل قوي للغاية و ماهرًا في الجمع بين السياسة والترفيه، وضمنت مشاركته لكل برنامج يشارك فيه زيادة كبيرة في نسبة المشاهدات والمتابعة من قبل الجمهور. تأرجح محتوى خطاباته مابين الحنين إلى الاتحاد السوفييتي و معاداة الشيوعية، ومن الدولة القوية التي تمدح ستالين إلى اقتصاد السوق الحرة الذي ينتقد لينين، ومن الحجج المقدمة بشكل جيد إلى الإهانات الفظة والمشاجرات التي كان يمارسها في الاستوديو. أما زعيم الحزب الجديد والمرشح الرئاسي سلوتسكي فهو غير قادر على ذلك، و يعاني أيضاً من مشكلة إضافية : ذلك أن قسماً كبيراً من برامج الحزب الديمقراطي الليبرالي كان يعتمد على مزاج سلفه جيرينوفسكي. هذه البرامج كان يُنظر إليها دائمًا على أنها وطنية وشعبوية بشكل مقصود ، ولكن بالنسبة لناخبي الحزب الديمقراطي الليبرالي، فإن البرنامج الانتخابي الحقيقي للحزب لم يكن ما كتب رسميًا، بل ما صدح به رئيس الحزب جيرينوفسكي، وجه الحزب وصوته (الصاخب)، الذي لطالما صرخ أمام الكاميرا مع تأثير إعلامي كبير.
تزداد حدة الوضع بسبب تقاطع برنامج الحزب الديمقراطي الليبرالي مع موقف الرئيس الحالي.أيضا يقدم بوتين نفسه كمدافع عن القيم الأوروبية التقليدية والمسيحية، و الشركاء الرئيسيون في الاتحاد الأوروبي هم السياسيون المحافظون واليمينيون، مثل فيكتور أوربان من المجر، و التعاون قائم في العديد من دول الاتحاد الأوروبي بشكل أساسي مع المعارضة “اليمينية”. حتى خارج روسيا ينظر إليه كثيرون على أنه معارض لليبرالية (الغربية) وزعيم محافظ وخاصة في “الديمقراطيات الليبرالية” في الغرب، وهو يحظى بشعبية كبيرة بين الناس الذين يعارضون الأيديولوجية المهيمنة. ولسخرية القدر هذا يعني أن محتوى برامج “الديمقراطيين الليبراليين” المناهضين لليبرالية (بمعنى المفهوم الغربي للديمقراطية) يتداخل كثيرًا مع الخط المحافظ، والمحافظ الاجتماعي العام لفلاديمير بوتين. لذلك، وبتقديري الشخصي فإن الحزب الليبرالي الديمقراطي سينافس بشدة مع مرشحه على المركز الثالث وقد يتراجع إلى المركز الرابع.
الشيوعيون مع النهج الجدلي تجاه السياسة العامة
للوهلة الأولى، يبدو الوضع مع الشيوعيين الروس مشابهاً. وحتى بالنسبة لزعيمه السياسي المخضرم غينادي زيوغانوف، الذي خاض الانتخابات ضد بوريس يلتسين في عام 1996 وفاز بفضل التلاعب الانتخابي الهائل من قِبَل الاوليغارشيين من أنصار القِلة (من ذوي الجنسية المزدوجة غالباً)، فضلاً عن نفوذ “المستشارين” الغربيين، لن يترشح شخصياً هذه المرة. ومع ذلك، فإنه سيرافق هذه الحملة الانتخابية بنشاط في وسائل الإعلام ويدعم المرشح عن الحزب الشيوعي الروسي نيكولاي خاريتونوف البالغ من العمر 75 عاما، وهو دكتور في العلوم الاقتصادية وسياسي يتمتع بخبرة واسعة. في العهد السوفييتي، كان خاريتونوف مديرًا لمؤسسة زراعية حكومية كبيرة ، ثم في عام 1990، عند عودته إلى جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية، أصبح عضوًا في البرلمان عن الحزب الزراعي الروسي، وفي عام 2007 انتقل إلى الحزب الشيوعي في جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية وهناك، وفقا لسيرة عمله وملفه المهني، مارس بشكل رئيسي العمل في مجلس الدوما في قضايا الزراعة والتنمية الإقليمية.
من المهم الملاحظة هنا أنه قبل 20 عامًا، خلال الحملة الرئاسية لعام 2004، تم ترشيح خاريتونوف كمرشح عن الحزب الشيوعي لروسيا الاتحادية وحصل على نسبة محترمة بلغت 13.7 في المائة من الأصوات. ومن حيث محتوى البرنامج، فإن وضع الشيوعيين في العلاقة مع فلاديمير بوتن وسياسة الحكومة يمكن تمييزه بوضوح، وعلى النقيض من الحزب الليبرالي الديمقراطي ، لا يوجد سوى الحد الأدنى من التداخل بين مجموعات الناخبين. ويرجع ذلك أيضًا إلى ملف تعريف المحتوى لواضح لبرنامج الحزب الشيوعي الروسي. ويستفيد الحزب من الحنين العميق والعتيق للاتحاد السوفييتي بين مجموعات من السكان الروس كونه (بمعنى ما) يمثل “صوت الاتحاد السوفييتي” بالنسبة للعديد من الناخبين. بالإضافة إلى ذلك، انتقد الحزب الشيوعي الروسي مراراً وتكراراً المشاكل الاجتماعية، ويتخذ الحزب لنفسه موقعاً في مجلس الدوما كقوة يسارية ووطنية. في السياسة الروسية، هذا يعني الضغط نحو زيادة الأجور ومعاشات التقاعد، ورفع مستوى سيطرة الدولة على الاقتصاد، وتفعيل النشاط الجيوسياسي وقضايا أخرى تتراوح مابين من الديمقراطية الاجتماعية الكلاسيكية إلى الاشتراكية الوطنية.
عدا عن ذلك ، فإن الحزب الشيوعي الروسي أقل اعتمادا على أشخاص بعينهم وبطبيعة الحال، لا يمكن مقارنة حضور أحد ما من قيادات الحزب بشهرة غينادي زيوغانوف، كونه ينتمي إلى الصف الأول من القادة السياسيين الروس – إلى جانب الرئيس الحالي، ووزير الخارجية، ووزير الدفاع، وعدد قليل فقط من الشخصيات السياسية المعارضة المعروفة عملياً لدى كل ناخب. وكان من بينهم زعيم الحزب الليبيرالي الروسيي الراحل فلاديمير جيرينوفسكي. ورغم أن العواقب التي قد تخلفها وفاة جيرينوفسكي على حزبه لا يمكن التنبؤ بها بعد، وربما تؤدي إلى خسائر انتخابية واسعة النطاق، فإن الحزب الشيوعي في الاتحاد الروسي يضع رهانه الرئيسي على هذا الأساس متبنياً مثل الفكرة.
مع ذلك، في بعض القضايا يتقاطع الحزب الشيوعي الروسي أيضًا مع برنامج الرئيس الحالي فلاديمير بوتين، وينطبق هذا التقاطع بشكل خاص على القضايا الاجتماعية في البلاد ، حيث أن الرئيس بوتين سعى بشكل دؤوب في السنوات الأخيرة إلى اتباع سياسة أكثر اجتماعية على الساحة الداخلية، وكذلك الأمر في السياسة الخارجية، إذ أن الحزب الشيوعي في الاتحاد الروسي لم يتكمن في السنوات الأخيرة من العثور على عيب في سياسات الحكومة،وبطبيعة الحال، في عهد يلتسين بدا كل شيء يصور ةمغايرة تماما. وبصرف النظر عن موقف الكرملين بشأن ليبيا في عام 2011، اتخذ الحزب الشيوعي الروسي في عهد الرئيس ميدفيديف موقفًا مماثلاً تجاه الرئيس آنذاك. وبطبيعة الحال هذا لا ينطبق على صراعات أخرى مثل الصراع السوري فحسب ، بل ينطبق أيضا على سياسات التحالف الطويلة الأجل، وخاصة الشراكة الاستراتيجية مع الصين وتوسيع مجموعة البريكس. ولم يكن لدى الشيوعيين الروس الكثير من الفرص للانتقاد هنا أيضًا، لأن الرئيس بوتين اتبع فعليًا سياسة خارجية مناهضة للإمبريالية، وإن كانت مبنية، في جوهرها، على “السياسة الواقعية” الكلاسيكية. وإذا كان الحزب الشيوعي الروسي قد تعرض لانتقادات في هذا المجال، فذلك يرجع أساسًا إلى كونه غير حاسم للغاية بشأن بعض القضايا، ولتجاهله بعض الأحداث (خاصة عمل المنظمات غير الحكومية الغربية في أوكرانيا)، ولإعتماده كثيرًا على الأمل الكبير في التوصل إلى التسوية مع حلف شمال الأطلسي والغرب.
في هذا السياق، يمكن وصف موقف الحزب الشيوعي الروسي بأنه معارضة صارمة لكن بناءة. فإذا اتبعت الحكومة سياسات سليمة بشكل عام، فإنها تحظى بالدعم (مع اقتراحات للتحسين في السياسات)، وكلما تم تنفيذ سياسة غير عادلة ومناوئة للمجتمع، تُسمع انتقادات واحتجاجات قاسية في الشوارع. وفي الوقت نفسه، يتم تنفيذ إجراءات ذكية وعملية من الناحية التكتيكية. في هذه الانتخابات الرئاسية، تدرك قيادة الحزب الشيوعي الروسي أن النصر مستحيل، وتحدد لنفسها مهمة تحقيق أقصى نتيجة ممكنة، واحتلال المركز الثاني، وبوسعنا أن نتوقع المعركة الحقيقية في الانتخابات الرئاسية المقبلة، حيث من غير المرجح أن يترشح فلاديمير بوتن الذي يبلغ من العمر (71 عاماً) مرة أخرى. في الانتخابات، أما بالنسبة للحزب الشيوعي الروسي توقعاتنا تقول أنه سيأتي مكان الواثق في المركز الثاني.
بالنسبة لنا في ألمانيا، الشيء الأساسي في هذه الانتخابات يكمن في مراقبة محاولات تأجيج الرأي العام ضد روسيا وتلقي المعلومات من مختلف المصادر. وبإعادة صياغة عبارة الفيلسوف الألماني الشهير ميشيل فوكو ، يمكننا أن نقول: “تحلى بالشجاعة لاستخدام عقلك”.
د. نواف إبراهيم – كاتب وإعلامي متخصص بالشؤون الدولية