بعد تهديدات رئيس وزراء أثيوبيا، آبي أحمد في البرلمان الأثيوبي لمصر، ومواقف أثيوبيا المتصلبة ضد أي مقترح مصري بخصوص سد النهضة، يجب النظر بعمق لحقيقة ما يحدث، ومن هو آبي أحمد الذي هلل له البعض كما هللوا للرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما بإفتراض أنهم مسلمون، مع العلم أن آبي احمد ليس مسلم أصلا.
نوبل للدمار
إن رئيس الوزراء آبي أحمد لم يأتِ رئيسا للوزراء بالصدفة أو برغبة شعبية فقط، ومصالحة بلاده مع أريتريا “التي كانت سبب حصوله على جائزة نوبل للسلام”، لم تكن بسبب جهود دبلوماسية من أديس بابا أو خلافه، بل كانت بأمر من واشنطن، كذلك جاء دوره الأقوى في المصالحة السودانية استغلالاً لرهان مصر الخاطئ هناك، وهو الدور الذي جاء على حساب الحضور المصري في السودان، فنوبل لم تمنح لمسلم أو عربي تقريبا إلا وأن كانت مكافئة لتنفيذه ما يخدم مصالحهم (مصالح دولة إسرائيل).
زويل حصل على نوبل في 1999 بعد المشاركة في مشروع تطوير منظومة الصواريخ الإسرائيلية باستخدام الليزر، قبل أن يحصل على جائزة “وولف برايز” الإسرائيلية عام 1993، التي سلمها له الرئيس الإسرائيلي حاييم وايزمان بنفسه داخل الكنيست، كما أن البرادعي حصل على نوبل في أكتوبر2005 بعد حرب العراق 2003، السادات برفقة مناحم بيجن 1978بعد كامب ديفيد وما يترتب عليها حتى الآن.نجيب محفوظ في 1988 كان أكثر وأول الأدباء العرب تحيزا للتطبيع مع إسرائيل، وآخر نجوم الربيع العبري اليمنية التركية توكل كرمان بعد تدمير اليمن 2011، ولجنة الحوار التونسي الوطنية الرباعية 2015.
مخطط إقتصادي
فكم المليارات التي ضخت داخل الاقتصاد الأثيوبي بالأعوام الأخيرة مرعب، وهو أمر يكشف بوضوح المخطط الذي يراد عبر تلك الدولة ومن المستهدف، فلقد سعت إسرائيل لدمج تلك الدولة في معادلة كبار الإقليم لتلجيم كل العرب. ومع بداية الخمسينات كانت الولايات المتحدة تعمل على صنع نظام شرق أوسطي تستطيع فيه دمج إسرائيل، بجانب صنع أنظمة تابعة لها كي تخوض حرب بالنيابة عنها ضد الاتحاد السوفياتي، وفي مارس 1953 جاء وزير خارجية أمريكا جون فوستر دالاس إلى القاهرة، لفهم عقلية النظام الجديد بمصر بعد ثورة يوليو، وهنا قال السفير الامريكي بالقاهرة لوزير خارجية بلاده بأن الرجل القوي في النظام الجديد هو شابا يدعى جمال عبد الناصر وليس محمد نجيب، فطلب دالاس عقد إجتماع معه، وعلى الفور عمل السفير الأمريكي على عقد ذلك الاجتماع، حتى أجتمع كلا من وزير الخارجية والسفير الأمريكي وجمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر، وعرض وزير الخارجية الأمريكي على عبد الناصر الانضمام لحلف ثلاثي يضم كلا من أنقرة (الأكثر تحضرا بين العواصم الإسلامية) وكراتشي (الأكثر كثافة سكانية بين العواصم الإسلامية) والقاهرة (الأكثر عراقة بين العواصم الإسلامية).
فسأله عبد الناصر: وما سبب إنشاء ذلك الحلف، وسيواجه من؟ فأجابه دالاس قائلا: بتأكيد ضد الخطر الشيوعي، فرد خالد العرب كيف تريد أن أرى خطراً مزعوماً على مسافة أربعة آلاف كيلومتر، ولا أرى خطراً حقيقياً على مسافة مئة كيلومتر (إسرائيل)، وهنا إنتهت مهمة دالاس بالفشل في مصر وبعدها عزمت الاستخبارات البريطانية والأمريكية على التخلص من جمال عبد الناصر سواء على يد أذرعها في الداخل (جماعة الإخوان المسلمون) أو شن حروب ضارية على مصر من كافة الجهات.
ولم ييأس وزير الخارجية الأمريكي وقتها من صنع تحالف شرق أوسطي يخضع لواشنطن، حتى جاء البديل للقاهرة في بغداد، وتم إنشاء “حلف بغداد” عام 1955 والذي ضم بجانب المملكة المتحدة العراق وتركيا وإيران وباكستان، ولكن كان عمر “حلف بغداد” قصيرا، بعد أن أسقط عبد الكريم قاسم النظام الملكي بقيادة نوري السعيد بعد ثورة تموز 1958 التي أطاحت بالمملكة العراقية الهاشمية التي أسسها الملك فيصل الأول تحت الرعاية البريطانية.
وهنا أرسل بن غوريون مؤسس إسرائيل للرئيس الامريكي أيزنهاور رسالة يقول فيها “إنه لمن الخطأ الفادح أن تفكر الولايات المتحدة بإقامة حلف في الشرق الأوسط يرتكز على أي عاصمة عربية، إن الشرق الأوسط لكي يحظى بالاستقرار وبالولاء للغرب يجب أن يرتكز على ثلاث عواصم دون غيرهم، وهم أنقرة وتل أبيب وأديس أبابا”.
تطويق العرب
ولم يخيب دوايت أيزنهاور رأي بن غوريون، وفى العام التالي من إنهيار حلف بغداد أي في عام 1959 تم توقيع إتفاقية “الرمح الثلاثي” بين إسرائيل وتركيا وإيران الشاه وأثيوبيا، وهي الإتفاقية التي استخدمت فيها إسرائيل كلا من إيران وأثيوبيا وإسرائيل كرمح في وجه الأمن القومي العربي، فمن خلال تركيا سيطرت إسرائيل على نهر دجلة والفرات للتحكم في العراق وسوريا، ومن خلال أثيوبيا هددت إسرائيل أمن مصر والسودان المائي بنهر النيل، وفى عام 1996تم تجديد الاتفاقية مرة أخرى لضمان تطويق الوطن العربي ليس في موارده المائية فقط بل وتقويض نفوذه السياسي والاقتصادي أيضا.
واليوم أمريكا وإسرائيل قد تحاولان فرض معادلة جديدة بالمنطقة منذ عام 2011م، وللأسف هي تسير في تقدم مستمر لتحقيق المخطط التوراتي القديم الجديد المسمى إعلاميا بـ “صفقة القرن”.
فادي عيد وهيب- باحث ومحلل سياسي بشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خاص لوكالة أنباء “رياليست”