بالأمس القريب كانت كلمة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في قاعدة سيدي براني العسكرية والتي حركت المياه الراكدة في الملف الليبي من العمل تحت الطاولة إلى العمل فوق الطاولة، ومن العمل بالضربات العسكرية التخريبية خفية بأيادي الميليشيات الإرهابية وإعادة صياغة التحالفات وخلق حالة حركة دبلوماسية على مستويات مجلس الأمن والأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي وقيادة الناتو والإدارة الأمريكية.
وهنا يجب أن نتساءل هل الخط الأحمر الذي حدده الرئيس السيسي بحدود سرت والجفرة أقلق لهذا الحد كل اللاعبين في الملف الليبي سواء بصفة فاعل علني أو داعم وفاعل مستتر؟
الإجابة هي نعم بوضوح تام، وإلا لما تحرك الكل يعيد ترتيب أوراقه وتحالفاته.
لنعطي فكرة للقارئ أن تركيا التي تظهر كلاعب رئيسي علني وليس مستتر هي عضو بالناتو الذي ينفي علاقته بتحركات أحد أعضائه ويوجه اللوم لتركيا على تحركاتها في شرق المتوسط ضد أعضاء آخرين بالناتو وفي ليبيا دون إتخاذ إجراءات مباشرة، وهذا نراه في الحالة القبرصية واليونانية، وبين تضارب تصريحات الناتو والإتحاد الأوروبي والتي تصدر على استحياء كامل بإنتظار القرار النهائي للإدارة الأمريكية التي تملك الملف الليبي منذ سقوط القذافي حيث قوات “أفريكوم” الأمريكية التي تعد لاعب رئيسي في الحالة الليبية والتي تبحث عن موطئ قدم منذ العام 2011 وحتى تاريخ اليوم.
ونرى نشاط قائد قوات “أفريكوم” واضحاً من خلال اللقاءات مع السراج غير الشرعي ومع أعضاء حكومته والذين ينتمون لجماعات إرهابية، هذا هو المشد الذي لا يأتي أحد على ذكره.
أما المشهد الثاني والذي لم يفسره أحد كما يجب خلال تقدم الجيش الوطني الليبي لتحرير العاصمة طرابلس من الإرهابيين، وكانت على بُعد دقائق من وسط طرابلس، ولكنها وجدت نفسها أمام “أفريكوم”، وبالتالي أمام أمريكا، فحدث إنسحاب والذي فسره الكثير على أنه تفوق لقوات الوفاق الإرهابية وحليفتها تركيا وهزيمة للجيش الوطني الليبي وحلفاؤه في مصر والإمارات والداعمين من دول الخليج.
في نفس المشهد السابق، أمريكا تريد قاعدة عسكرية في طرابلس ولا يعنيها تقسيم ليبيا من عدمه مع تمركزها العسكري الكامل في تونس والتي تقوم بالتعاون مع حكومة الوفاق المدعومة من تركيا ومع حزب النهضة الإخواني في تونس، مع إستخدام فزاعة التواجد الروسي في ليبيا والتي لم تثبت بالقدر الذي تدعيه القوى الأخرى.
أما بالنسبة لمصر التي تبحث عن ضمان أمنها القومي والذي يبدأ من الأمن الإقليمي حسب العقيدة الإستراتيجية المصرية، فهي قد حددت خطوط سرت والجفرة لمنع تقدم الجميع، سواء أتراك أو إرهابيين أو أمريكيين، وهنا يجب ألا ننسى أن أمريكا قد طلبت من مصر سابقاً في عهد الرئيس الراحل أنور السادات إقامة قاعدة عسكرية في برنيس وتم الرفض وإفتتحت مصر قاعدة عسكرية عملاقة فعلياً منذ شهرين في نفس المنطقة، كما طلبت أمريكا في عهد أوباما و قبل رحيل الرئيس الأسبق مبارك الموافقة على قاعدة عسكرية غرب مطار القاهرةً وتم الرفض أيضاً.
هنا نحن أمام جزء من مشهد يتشكل سواء بالتقسيم أو بشكل الصراع في ليبيا قد يذهب بتقسيمها إلى شرق وغرب، والغرب هنا بفتح خط مباشر بين طرابلس وتونس تحت السيادة الأمريكية أي سيادة القواعد بين طرابلس وتونس وفصل دول شرق أفريقيا عن غربها مع دخول قوات التدخل السريع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والمتمركزة في إسبانيا على خط التمكين لتلتقي جنوباً مع قوات “أفريكوم” لتحاصر منطقة الساحل والصحراء، ولتصبح دول شمال أفريقيا تحت الحصار شرقاً وجنوباً وشمالاً، فماذا هي فاعلة؟، هذا يتوقف عليهم جميعاً.
ولتقترب منطقة وسط ليبيا وشمال الوسط والشرق من مصر ودول المشرق في تحالف يستمر لمرحلة كبيرة من الزمن وهذا سيكون إن حدث بتصويت برلماني ودعم شعبي كامل.
أما من ناحية مصر فإنها تعمل على عدم تقسيم ليبيا، وفي نفس الوقت ضمان عدم تمركز القوى الإرهابية وقوى العدوان والإحتلال في ليبيا بما يهدد أمنها القومي وأمن دول المشرق العربي، وبالتالي القاهرة وحلفائها أمام معادلة صعبة جداً في كل مراحلها وجوانبها.
على جانب إحتمال بداية مواجهات عسكرية في ليبيا بين مصر من جانب ومن تتحالف معهم، وتركيا ومن تتحالف معهم هو أمر وارد الحدوث في حال تجاهل تحذيرات القاهرة، والجدير بالذكر هنا بأن محاولات الضغط على مصر بملف ليبيا وملف سد النهضة وملف ثروات شرق المتوسط كلها ضغوط كبرى ستواجهه القاهرة بقوة غير مسبوقة ستدفع الجميع للسؤال كيف إمتلكت مصر هذه القوة ومتى؟
هنا يجب أن أقوم بتنبيه القارئ بأنه الآن يشاهد الملف الليبي، لكن هذا الملف هو واجهة لتسوية ملفات وصراعات دولية أخرى قررت القوى الدولية تسويتها خارج حدودها وعلى حساب شعوب أخرى وبدمائها وبثرواتها، بعدما قامت هذه القوى ولعقود متوالية بهدم قيم هذه المجتمعات وقطع أوصال النسيج الوطني بين أبناء الوطن الواحد بما لا يدع إلا طريقاً واحداً أمامهم وهو القتال المباشر، وليخرج هؤلاء ليتحدثوا عبر كل وسائل ووسائط الإعلام عن ضرورة إحلال السلام وإيقاف وقف إطلاق النار وحقوق الإنسان والحيوان وضرورة إنشاء ترويكا لهذا الأمر، لندور في فكرة الفيدرالية والبلقنة في نظام التفكيك، ونموذج اللا حكم.
وللحديث بقية حيث يجب أن تنتبهوا جيدا للتاريخ الآتي من: 30 – 6 – 2020 إلى 30 – 6 – 2024.
خاص وكالة “رياليست” – محمد الألفي – الخبير في الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية – مصر.