اجتمعت الدول الخمس، الموقعة على الاتفاق النووي وإيران، اجتماعًا في فيينا، الجمعة، لبحث الانتهاكات الإيرانية للاتفاق، والعمل على آلية تجارية بين الدول، وذلك في الوقت الذي أعلنت فيه الدول الأوروبية عن غضبها إزاء استمرار إيران في انتهاك الاتفاق النووي تدريجيًا، واستمرارها في تطوير منظومتها الباليستية والصاروخية.
وقد دخلت المرحلة الرابعة من تقليص إيران التزاماتها بما جاء في الاتفاق النووي في الثاني من نوفمبر الماضي حيز التنفيذ، حيث بدأت إيران في ضخ غاز اليورانيوم بأنابيب الوقود بمفاعل فوردو المحصن، كخطوة تالية لخطوات ثلاث سبقتها منذ إعلان الولايات المتحدة الأمريكية الانسحاب آحادي الجانب من خطة العمل الشاملة المشتركة المعرفة بـ”الاتفاق النووي” الموقع بين طهران وواشنطن عام 2015.
بدأ الجانب الإيراني في تقليص التزاماته ببنود الاتفاق خطوة بعد أخرى، بدأت الخطوة الأولى في الثامن من مايو بـ تجاوزها المخزون المحدد من اليورانيوم 300 كيلوجرام وعدم الالتزام بمخزون الماء الثقيل تحت سقف 130 طنا، ثم تلتها الخطوة الثانية في السابع من يوليو من العام الجاري بـ تجاوز نسبة تخصيب اليورانيوم 3.67% وكمية الإنتاج إلى النسبة التي تحتاج إليها البلاد، وتفعيل مفاعل آراك ونطنز اللذان يعملان بالماء الثقيل، فيما بدأت المرحلة الثالثة في ٤ سبتمبر من العام نفسه بـ تطوير أجهزة الطرد المركزي، وإزالة جميع القيود المفروضة على البحث والتطوير في المجال النووي.
ولكن هناك عدة أمور هي التي جعلت إيران تتجه لتخفيض التزاماتها من الاتفاق النووي بدلًا من الخروج دفعة واحدة منه، تمثلت في 4 مبررات رئيسية وهي:
1- تعمدت طهران أن يكون ذلك الأسلوب يمثل أكثر من جرس إنذار للجانب الأوروبي وأكثر من تهديد على الوضع العالمي بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي آحادي الجانب خاصة وأن إيران تعلم جيدًا مدى الضغط الذي ستوضع تحت وطأته من واشنطن وأوروبا والمجتمع الدولي كله إذا ما اتخذت نفس الخيار الأمريكي في الانسحاب.
2- الضغط على الجانب الأوروبي في كل مرة تعلن فيها طهران تخفيض التزاماتها، وذلك لضمان الوساطة الأوروبية ومحاولة إرجاع واشنطن إلى الاتفاق مرة أخرى بكل السبل كشرط لعودة إيران عن تخفيض التزاماتها، خاصة وأنها تعلم أن الجانب الأوروبي متخوف كثيرًا من ترسانة إيران الصاروخية والنووية.
3- محاولة من طهران لكسب الوقت قبل أن يتماهى الموقف الأوربي والعالمي مع الموقف الأمريكي فيما يتعلق بالعقوبات التي تفرض من وقت لأخر، ولأن إيران تعلم جيدًا أن المرحلة المقبلة ستتمثل في عودة حالة العقوبات الدولية بجانب العقوبات الأمريكية كما كان الحال فيما قبل عقد اتفاق 2015، خاصة وأن الاستثمارات الأوروبية في الولايات المتحدة الأمريكية – التي تعتبر من أكبر الأسواق التنافسية في العالم – أضعاف أضعاف الاستثمارات الأوروبية في طهران.
4- حاولت إيران الحصول على أية مكاسب من جراء تلك الإجراءات التي اتخذتها، فكانت الآلية المالية المعروفة بـ”الانستكس” مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا للالتفاف على العقوبات الأمريكية، إلا أن تلك الآلية لم تكن آلية منجزة للاقتصاد الإيراني الذي يعاني من قسوة العقوبات الأمريكية.
خاتمة
بهذه الإجراءات تكون إيران قد أفرغت الاتفاق النووي من محتواه، وأصبح الاتفاق كأن لم يكن، خاصة وأن طهران بهذا الأداء وضعت الجانب الأوروبي تحت ضغطها في كل مرة تعلن فيها تخفيض التزاماتها، وحاولت الحصول على أكبر مكاسب ممكنة من خلال تعاونها مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا في آلية “SPV”، إلا أن فشل تلك الآلية في أن تكون مدرة لأي مكسب لإيران جعلها تفقد الأمل في التعاون المالي مع أوروبا، وطالبت في أكثر من مناسبة بمحاولة إقناع الولايات المتحدة بالعودة للاتفاق النووي مرة أخرى كشرط لوقف تقليص التزاماتها النووي.
محمد خيري- خاص لوكالة أنباء «رياليست»