لا يخفى على العالم المتابع للأحداث في ليبيا أنه ومنذ أن أسقطت الدول الكبرى نظام الرئيس السابق معمر القذافي، ودخول ليبيا في دوامة من الفوضى والدمار وسيطرة مجموعات إسلامية متطرفة على القرار السياسي والعسكري في البلاد خلال هذه السنوات، كان من الضروري تحرك شعبي وعسكري لتخليص البلاد من قبضة الإسلاميين المتشددين.
تنصيب قائد للمعارك
بعد إسقاط نظام الرئيس السابق معمر القذافي، وتشكل حركات شعبية، ترافق مع ذلك إنطلاق انتفاضات شعبية في العام 2014 داعمة إلى ضرورة قيام دولة مؤسسات وقانون، ورافضة لوجود السلاح خارج إطار الدولة، وقد استجاب لهذه الانتفاضات والمظاهرات في ذاك الوقت القائد العسكري آنذاك برتبة لواء “خليفة حفتر” الذي انطلق بعملية عسكرية سميت “بعملية الكرامة ” وبعدد قليل من الجنود والضباط الذين لا يتجاوزون الـ 300 جندي وضابط في مواجهة مجموعات إرهابية متعددة الأفكار والأيديولوجيات والذي يتجاوز عددها الـ 10000 شخص، وقد خاض المعركة القائد العسكري حفتر في منتصف عام 2014، وفي خلال أشهر قد نصبه مجلس النواب الشرعي كقائد للقوات العسكرية العربية الليبية، وتم منحه أعلى رتبة في الجيش وهي رتبة المشير.
سير المعركة نحو طرابلس
في غضون ذلك، استمر الجيش في خوض معاركه ضد الإرهاب في بنغازي على مدى أربع سنوات، إلى حين تحرير المدينة وتأمينها ومن ثم الانطلاق إلى معركة تحرير مدينة درنة التي كانت تحت سيطرة تنظيم داعش الإرهابي، وبعد ذلك تحرير الموانئ النفطية والجنوب الليبي مؤخرا، ليأتي دور العاصمة طرابلس، فكان لزاما علي الجيش الليبي أن يذهب لأجل استعادتها من قبضة المليشيات المسلحة الخارجة عن القانون والتي تمتلك كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات العسكرية، القادمة وعلى مدار السنوات من دول خارجية داعمة للإرهاب مثل قطر وتركيا، وللأسف إن من يسدد فواتير هذه الأسلحة هي ما تسمى حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج.
فمع إنطلاقة الجيش نحو طرابلس من تاريخ 4 أبريل/ نيسان 2019 إعتمد ممارسة إستراتيجية استدراج لكل هذه المجموعات خارج أسوار العاصمة، وقد نجح في تكبيدهم خسائر فادحة، ورغم ذلك لم يتوقف الخوف على طرابلس، فكانت العملية العسكرية تتم وفق خطط دقيقة ومدروسة تضع من أولوياتها سلامة المواطنين أولا في العاصمة والحفاظ علي أكبر قدر من المنشآت ومؤسسات الدولة.
فالقوات المسلحة بمقدورها الدخول إلى وسط العاصمة بعملية اقتحام كاسح بالأسلحة الثقيلة والقوة المفرطة خلال أيام معدودة ولكن ذلك لا يخدم المشروع الوطني المرتكز على حماية أرواح الناس لأن العملية هي عملية استعادة للعاصمة والدفاع عنها وليس مجرد الهجوم عليها والسيطرة عليها وحسب، فما نراه من معطيات على الأرض يدلل أن حسم المعركة العسكرية سيكون من صالح قوات الجيش الوطني الليبي حتى وإن طالت المدة قليلا.
مفاوضات غير نافعة
إن المفاوضات بين القيادة العامة للجيش وحكومة الوفاق، لم تعد تجدي نفعا خاصة ما بعد العملية العسكرية في طرابلس، لأنه سبق وأن حصلت عدة مفاوضات واجتماعات محلية ودولية وجميعها فشلت لعدم وجود تطبيق للنصوص المتفق عليها من أحد الطرفين في كل جولة من الاجتماعات السابقة.
فأعتقد أن المشكلة في ليبيا مشكلة أمنية، ما دامت الميليشيات والمجموعات الإرهابية موجودة لا يمكن الوصول لأي حل سياسي فالحل السياسي سيظل الهدف ولكن بعد أن يتم تجاوز الموضوع الأمني أولا.
حدود الدور الأوروبي و الأمريكي
مما لا شك فيه أن فرنسا دولة لها وزن كبير ولها علاقات قوية في العديد من بعض الدول المجاورة لليبيا وخاصة في غرب أفريقيا، ولهذا من أولوياتها أن تستقر ليبيا حتى تشعر هي بالأمان والحفاظ على شركاتها النفطية في ليبيا.
أما إيطاليا فهي لاعب قوي في الغرب الليبي، وتعاني من ملف الهجرة الغير شرعية وتعيش فترة من التشرذم والصراع السياسي الداخلي، وبالتالي يهمها المحافظة على الصفقات الغير شرعية التي أبرمتها مع حكومة طرابلس على مدى هذه السنوات.
من هنا، إن الدول الأوروبية رغم تباين الخلفيات الأيديولوجية لزعمائها، لديها القدرة على التوافق وإبرام الصفقات والوصول إلى تفاهمات مشتركة تخدم مصالح البلدين وتضيق شق الخلاف، من جهة أخرى يدل ذلك أيضا على حالة الصراع والتصادم الدائر بينهما الذي يهدد مصالح البلدين كليهما، لذلك من يراهن على هذا الخلاف ظنا أنه يقف على أرضية صلبة ويتمتع بدعم قوي من إحدى هذه الدول فهو مخطئ، بالتالي نرى مؤخرا أن إيطاليا بدأت في التخلي على حلفاءها في طرابلس لأنهم لم يعودوا قادرين على الوفاء بوعودهم وتعهداتهم، وأن المرحلة القادمة ستنقلب الكفة نحو الجيش الليبي.
أما أمريكيا، فبإعتقادي أن الإدارة الأمريكية غير مهتمة كثيرا بتسوية العملية السياسية في ليبيا بقدر اهتمامها بملف مكافحة الإرهاب ومراقبة الأجواء الليبية وملاحقة الإرهابيين في ليبيا، وبنفس اللحظة نرى أنه بعد مكالمة الرئيس ترامب للمشير حفتر وتقديم الشكر له على جهوده في مكافحة الإرهاب خطوة يمكن البناء عليها في الرضى الأمريكي وغض الطرف على عمليات الجيش الليبي في طرابلس.
الوضع الأمنيبعد أن طُرد وإنهزم تنظيم داعش في بنغازي وسرت، يحاول الآن إعادة تنظيم نفسه من خلال الاستفادة من التراخي الأمني في الجنوب الليبي، إذ يتمركز الآن بأعداد كبيرة في المناطق الجبلية بجنوب ليبيا، كبلدة القطرون على الحدود مع تشاد، فلقد تم رصد معسكرات لهم هناك، كما ويتواجدون أيضا في قاعدة الويغ العسكرية أقصى الجنوب، ويتنقلون ما بين منطقة جبال الهروج مرورا بمنطقة أم الأرانب ومدينة مرزق التي تتواجد فيها قوات حكومة الوفاق، يضاف إلى ذلك، أن كل من تركيا وقطر، تسعيان إلى تحويل المعركة مع الجيش الليبي إلى معركة مفتوحة في عدة محاور، في الغرب الليبي وفي الجنوب، معتمدين على عناصر داعش والقاعدة الذين تم جلبهم من سوريا عبر تركيا، إلى ليبيا، وذلك لتخفيف العبء على حكومة الوفاق في طرابلس وما تعانيه من خناق. فتح الله الفرجاني- خبير و باحث ليبي، خاص لوكالة أنباء “رياليست” الروسية