موسكو – (رياليست عربي): بعد أن تظاهر آلاف الأشخاص في مختلف المدن الصربية احتجاجاً على موافقة حكومة بلغراد على استئناف العمل في أحد المناجم لمادة (الليثيوم)، من بين تلك المناجم التي أغلقت سابقاً قبل عامين بعد احتجاجاتٍ شعبية حاشدة، نظراً لأن تلك المناجم أثارت الجدل بسبب ظروفها البيئية والصحية:
- وصفت وزارة الخارجية الروسية هذه الإحتجاجات المستمرة في بلغراد وغيرها من المدن الصربية منذ مطلع شهر آب أغسطس الجاري 2024، بأنها محاولات لتقويض الوضع السياسي الداخلي في صربيا، وذلك عبر تأجيج المشاعر السلبية في المجتمع ضد قيادة البلاد، وتصويرها بأنها مدمرة وغير مسؤولة.
- وأعلنت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية (ماريا زاخاروفا) أن القوى التي تحرك تلك الإحتجاجات، إنما تتحرك تحت ستار النوايا الحسنة بحجة (قضايا التلوث البيئي وتأثيرها الصحي)، ومن خلال وسائل الإعلام العميلة والمنظمات غير الحكومية، التي تحاول تأجيج المشاعر السلبية في المجتمع، وتوجيهها ضد قيادة الدولة الصربية، وذلك باستخدام هذه التكتيكات المدمرة وغير مسؤولة، مشيرةً إلى أنه من خلال محاولة تقويض الوضع السياسي الداخلي في جمهورية صربيا، يتم التركيز حالياً على استخدام مواضيع بعيدة عن السياسة، كذريعة لإثارة السخط العام بهدف تقويض الإستقرار، وتشويه سمعة الحكومة الصربية المنتخبة قانونياً في البلاد. ولهذا السبب شددت (ماريا زاخاروفا) على أن الإنتهاكات من هذا النوع، وخاصة في الظروف الحالية، تشكل تهديداً مباشراً لجمهورية صربيا.
- وقد عادت المظاهرات في جمهورية صربيا بعد أن تظاهر آلاف المتظاهرين في شوارع (أراندجيلوفاتس) و(ساباتس) و(كرالييفو) و(ليغ) مرددين شعار (لترحل شركة ريوتينتو)، حيث استقطبت المسيرات آلاف المواطنين الصرب، من الذين أعربوا عن معارضتهم لمشروع (الليثيوم) مع الإتحاد الأوروبي.
- ويعود سبب الخلاف والتوتر الحالي بين المتظاهرين والحكومة في صربيا إلى وجود العديد من الرواسب الضخمة من الليثيوم بالقرب من بعض المدن الصربية مثل مدينة (لوزنيكا) الغربية على سبيل المثال، حيث كان هناك مشروع للتعدين تطوره شركة التعدين العملاقة الأنجلو أسترالية (ريو تينتو)، وهو المشروع الذي تسبب بالكثير من المشاكل في الدولة الواقعة في منطقة البلقان خلال السنوات الأخيرة.
- ويعد المنجم الذي كان معطلاً في السابق عنصراً أساسياً في اتفاق تمَّ توقيعه خلال شهر آب أغسطس الجاري، بين الإتحاد الأوروبي وجمهورية صربيا لتطوير إمدادات الليثيوم، والذي ينظر إليه باعتباره حجر الأساس لتحقيق انتقال أوروبا إلى ما يعرف بمنظومة (الإقتصاد الأخضر)، لكن المشروع لم يحظى بشعبية كبيرة بين الصرب الذين يشعرون بالقلق إزاء التلوث والصحة العامة والتأثير البيئي للمشروع، خاصة بعد أن تمَّ اكتشاف الكثير من رواسب الليثيوم قرب منطقة (لوزنيكا) سابقاً، مما تسبب لاحقاً بأسابيع من الإحتجاجات التي أجبرت الحكومة في نهاية المطاف على وقف المشروع في عام 2022 إلى أن أصدرت المحكمة العليا في جمهورية صربيا قراراً رسمياً يلغي كافة تصاريح المشروع في عام 2022.
- وبعد مرور عامين تقريباً على هذه القرارات، وبالذات بتاريخ 19 يوليو 2024 أعطت الحكومة الصربية الضوء الأخضر لاستئناف المشروع، بعد أن وقع الإتحاد الأوروبي وجمهورية صربيا اتفاقاً بشأن توريد مواد البطاريات خلال (قمة المواد الخام الحاسمة)، حيث قال المتحدث الرسمي باسم الحكومة الألمانية إن الإتفاق بين الإتحاد الأوروبي وجمهورية صربيا جاء على خلفية (مشروع استخراج الليثيوم المستدام) في جمهورية صربيا مما أثار موجة جديدة من المظاهرات والإحتجاجات.
آراء المراقبين والمحللين والخبراء في مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية الروسية والعالمية:
- يرى العديد من المراقبين والمحللين والخبراء في مجال العلاقات الدولية من المختصين بملف دول الإتحاد اليوغسلافي السابق، وعلى رأسها جمهورية صربيا مثل الخبيرة العالمية الصربية، وأستاذة علم الكيمياء، البروفيسورة (كارولينا ألكساندروفيتش) والتي شاركت في التظاهرات الأخيرة مع المتظاهرين في منطقة (أراندجيلوفاك)، أن الجماهير غاضبة لأنه لا يوجد أي ترياق للتلوث الناجم عن المنجم.
- فيما يرى الخبير الصربي والناشط البيئي (نيبويشا كوفاندزيتش)، والذي شارك في تظاهرة أخرى ضمن مدينة (كرالييفو)، أن السلطات الصربية تعمل من أجل مصالحها الخاصة، وليس من أجل مصلحة المواطنين، مضيفاً بأن الشركات الأجنبية قد احتلت الأنهار والجبال الصربية، فضلاً عن أنها سيطرت على مساحات واسعة من غابات البلاد وهو الأمر الذي أغضب الجماهير الصربية التي خرجت للتظاهر.
حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية.