تسببت التظاهرات التي إجتاحت عشرات المدن في إيران في الأيام الأخيرة من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 في دفع بعض المراقبين إلى الجزم بأن الرئيس الإيراني حسن روحاني على وشك الرحيل وحكومته بسبب ضغط التظاهرات التي شهدت حرقاً لمنشآت حكومية في بعض الأماكن وحرق صور للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، بالإضافة إلى مقتل العشرات وإصابة مئات المتظاهرين، وإعتقال الكثير منهم.
وزاد من ذلك، الموقف الأميركي الذي تضامن بطبيعة الحال مع الطرف الشعبي في إيران، بالإضافة إلى بيانات الاتحاد الأوروبي التي خرجت تدعو إلى ضبط النفس ورفضت قتل المتظاهرين وتضامنت مع الحراك السياسي الشعبوي الجديد. وذهب بعض المراقبين إلى أن هذه التظاهرات قوية وضخمة على عكس الاحتجاجات التي شهدتها البلاد في السنوات الماضية كما حدث في بازار طهران في ديسمبر/ كانون الأول 2017 يناير/ كانون الثاني 2018 أو تظاهرات 2009 وغيرها من الاحتجاجات.
وقد ضاعف الإحساس بقيمة وحجم هذه التظاهرات، هو حجم التصريحات التي صدرت من السلطات الإيرانية سواء من وزارة الداخلية أو الحرس الثوري، وحتى الرئاسة الإيرانية التي تضمنت تهديد ووعيد للمتظاهرين، بالتوقف عن التظاهرات أو مواجهة الاعتقال والتنكيل، وقد حدث أن قتل مايزيد عن مئة شخص وأصيب المئات واعتقل العشرات في هذه التظاهرات. فضلا عن ذلك هددت الرئاسة الإيرانية دولاً في المنطقة بالعقاب إذا ثبت دعمها للتظاهرات التي حدثت، ليخرج نائب الرئيس الإيراني إسحاق جهانغيري بالكشف عن أن المملكة العربية السعودية تقف وراء التظاهرات التي تحدث في البلاد وعليها تقبل العقاب الإيراني.
رغم كل ما سبق وماحدث من سلوك ضخم في المظاهرات والإحتجاجات في إيران بسبب ارتفاع أسعار الوقود وتصريحات حسن روحاني وقبله مرشد الثورة الإيرانية خامنئي من أنه لا تراجع عن رفع أسعار الوقود بسبب الأزمة الإقتصادية في البلاد، لكن التظاهرات التي حدثت لا تعدو كونها مجرد احتجاجات عادية واعتيادية اعتاد الشارع الإيراني عليها منذ عشرات السنوات بسبب الضغوط الأمريكية على البلاد.
حسن روحاني حين علق على التظاهرات بقوله: إنه لم يكن لديه سوى ثلاثة خيارات، إما رفع الضرائب أو رفع أسعار الوقود أو القدرة على ضخ النفط وتصديره للخارج، وأنه لم يجد أقل وطأة من رفع أسعار الوقود، كان إيذانا بأن السلطة الإيرانية لن تتراجع عن رفع أسعار الوقود وأنها تدرك جيدا أن التظاهرات مهما بدا للمتابعين والمراقبين أنها كبيرة، إلا أن السلطات الإيرانية تدرك أن الاحتجاجات لن تحقق شيئاً على الأرض لأسباب كثيرة:
منها أن التظاهرات التي خرجت في عشرات القرى والمدن وعلى تخوم العاصمة طهران، ليست مظاهرات سياسية بالمعنى المعروف للاحتجاج السياسي ولكن عمودها الفقري كان الوضع الاقتصادي وعدم قدرة ملايين الإيرانيين على مجابهة ضغوط أمريكا على السلطات، وبالتالي يجب على السلطة البحث عن طرق أخرى لحل المشكلة الاقتصادية. وبالتالي فالأزمة اقتصادية في المقام الأول وإن كان لها بطبيعة الحال ظلال سياسية لتشابك الملف الاقتصادي والسياسي مع بعضهما البعض في الملف الإيراني.
لذا فالتظاهرات لم يكن لها قيادة سياسية من رموز المعارضة في إيران والذين قادوا احتجاجات سابقة، مثل مهدي كروبي ومير حسين موسوي والذين وجهت لهما السلطات الايرانية تهم دعم التظاهرات التي حدثت عقب انتخابات 2009 والتي أعاد فيها الإيرانيين انتخاب أحمدي نجاد مرة أخرى لرئاسة الجمهورية.
حتى أن حسن روحاني في دعايته الانتخابية وفي أوائل دورته الرئاسية الأولى في عام 2013 قد صرح بنيته رفع الإقامة الجبرية على الرمزين الشهيرين في البلاد. فخرجت التظاهرات رافضة رفع أسعار الوقود شابها هتافات ضد السلطة الدينية والسلطة السياسية في البلاد لكن دون برنامج سياسي أو رمز معارضة واضح قادر على بلورة مشروع سياسي يجمع حوله هذه الأصوات.
الأمر الآخر هو أن حالة السيولة في منطقة الشرق الأوسط حيث التظاهرات المستمرة منذ أسابيع في العراق وفي لبنان وغيرها من مدن المنطقة، دفعت السلطات الإيرانية لتشديد القبضة الأمنية في مواجهة التظاهرات ودفعت بالحرس الثوري الذي استطاع أن يساعد الشرطة على قمع التظاهرات ووأدها في بداياتها وقتل العشرات واعتقال المئات في مواجهة ذلك.
وعلى الرغم من أن الكلفة الأمنية التي اضطرت إليها السلطة ستكون عالية بطبيعة الحال وسيكون لها آثار سلبية كبيرة على الداخل الإيراني في الفترة المقبلة إلا أن السلطة الإيرانية ترى أن القمع والبطش والوأد في البداية هو الحل حتى لا تنتقل عدوى التظاهرات والثورات إلى الداخل الإيراني ما يهدد معه مستقبل النظام الحاكم هناك. لذا فرغم الصخب الذي صاحب التظاهرات إلا أن الواقع يقول إن النظام الإيراني لن يرحل بسبب أزمة اقتصادية، خاصة وأن الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال يرى في النظام الحالي نموذج جيد لخدمة مصالحه في المنطقة خاصة الاقتصادية منها وحتى الرئيس الأمريكي ترامب والإدارة الأمريكية، سبق أن قالوا إن نوايا واشنطن تجاه إيران ليست في سبيل الإطاحة بالنظام الحالي بقدر تقليم أظافره.
محمود شعبان- باحث بجامعة اسطنبول ايدن بتركيا، خاص لوكالة أنباء “رياليست”