هناك تكرار لزيارات متبادلة بين الرئيس التركي و الرئيس البيلاروسي، و هذا التكرار يدل على وجود علاقات نشطة. إلا أن التبادل التجاري بين البلدين ليس كبيرا. فحجم التجارة بينهما حوالي مليار دولار. وهناك مساعي لرفعها إلى 1.5 مليار دولار في الخمس سنوات المقبلة. المنتجات الزراعية تستوردها بيلاروسيا من تركيا. و صادرات بيلاروسيا للأنقرة هي المواد الكيميائية و بعض المعدات الزراعية و هناك مشروع مزمع بينهم يتمثل في إطلاق تصنيع جرارات زراعية خاصة بشركة مينسك للجرارات في إحدى المناطق الحرة في تركيا.
حجم ميزان التجارة بين البلدين ليس كبيرا، و لا يعكس حجم الزيارات المتبادلة بين البلدين، فهناك العديد من نقاط التلاقي بين البلدين بعيدا عن التجارة، و نقاط التلاقي هذه تتصل بالمنطقة التي تقع فيها كلا الدولتين، فهذه المنطقة ساحة صراع ساخنة بين الولايات المتحدة و روسيا، أما أردوغان و لوكاشينكو يريدان الظفر بكل ما هو ممكن من خلال الصراع الأميركي-الروسي.
تركيا تحولت من دولة مرشحة كعضو في الإتحاد الأوروبي، و من دولة عضو فعال في حلف الناتو إلى دولة تحاول لعب دور كبير في كل المناطق الجغرافية التي تحدها، نقصد هنا منطقة الشرق الأوسط، شرق أوروبا، حوض البحر الأبيض المتوسط، آسيا الوسطى و أوكرانيا. و هنا على سبيل المثال ، في الأزمة السورية ، حاولت تركيا أن تأخذ مكانا رئيسيا في سوريا، بالاعتماد على دعم دول الناتو ، و لكن بعد إسقاطها للطائرة الروسية، و المحاولة الإنقلابية الفاشلة ضد نظام أردوغان، إقتنعت تركيا بأنها لن تتلقى مساعدة استراتيجية لتعزيز دورها في المنطقة من الناتو و أوروبا. لذلك ، على مدار السنوات الثلاث الماضية ، كانت تعمل في إطار عملية أستانا ، بتنسيق سياستها مع روسيا وإيران. و هذا التحالف الثلاثي أضعف دور الولايات المتحدة في سوريا.
أما في مجال النفط والغاز ، فقد أنشأت تركيا، نظام نقل الغاز الخاص بها ، والذي يمكنه الوصول من 5 دول على الأقل ، بما في ذلك من الاتحاد الروسي(مشروع السيل الجنوبي). فترغب تركيا أن تتحول إلى مركز للنفط والغاز لجنوب وشرق أوروبا. فإن عمليات بناء خطوط أنابيب الغاز عبر أراضي اليونان إلى إيطاليا ، عبر بلغاريا ورومانيا والمجر إلى النمسا ومولدوفا يزيد من التأثير التركي على هذه البلدان.
أما في العالم العربي ،فتريد تركيا من خلال المثلث الإيراني-السوري-القطري، أن تصبح منافسًا للمملكة العربية السعودية. و يمكن أن يظهر ذلك جليا في إستخدامها مسألة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي. و بالتوازي مع كل ذلك، في حوض البحر الأسود ، تعتزم أنقرة زيادة نفوذها على دوله لطالما كانت مصالحها ممثلة في جورجيا وأذربيجان من خلال مشاريع مشتركة لنقل و بيع النفط و الغاز. علاوة على ذلك ، فإن اعتماد باكو على أنقرة مرتفع للغاية ، والذي تعززه ، من بين أمور أخرى ، دعم تركيا لأذربيجان في أزمة إقليم “قره باغ” المتنازع عليه مع أرمينيا(عدو تركيا التاريخي).
الخطط التركية في أوكرانيا واضحة. فهي تلعب دور مزدوج من أجل تحقيق المصالح مع كل من روسيا و أوكرانيا. فهي لم تعترف بروسيا كمعتدية ضد أوكرانيا ، و لم تؤيد العقوبات المناهضة لروسيا ، ولكن في الوقت نفسه لم تعترف بضم شبه جزيرة القرم إلى الإتحاد الروسي فتعتبرها كييف “حليفة” رئيسية. والسبب هو دعم التتار القرم.
تحاول جمهورية بيلاروسيا ، كونها تعتمد اقتصاديًا وسياسيًا على الاتحاد الروسي ، إيجاد موطئ قدم في الساحة الخارجية الإقليمية تبتعد فيه عن تأثير الكرملين. و يتفهم الإتحاد الأوروبي و أيضا الولايات المتحدة هذه الرغبة البيلاروسية. و لكن هناك عائقان: مطالب الغرب ، في إضفاء الطابع الديمقراطي على العمليات السياسية الداخلية ، والتي لا يوافق عليها لوكاشينكو ؛ رد الفعل الحاد للغاية المتوقع لروسيا على “اللجوء إلى الغرب” لجيرانها الجغرافيين. و المثال على ذلك ما حدث في جورجيا ومولدوفا وأوكرانيا و بالتالي ، تحاول مينسك أن تجد الدعم من دول ليست في حالة مواجهة مباشرة مع الاتحاد الروسي ، ولكن في الوقت نفسه أعربت بوضوح عن مصالح مختلفة عن مصالح موسكو في المنطقة (أو العالم). واحدة من هذه الدول – الصين ، والثانية، قد تكون تركيا.
العلاقات التركية-البيلاروسية يمكنها أن تتحول إلى علاقة إستراتيجية، و هذه العلاقة الإستراتيجية يمكن لها أن تتمحور في التعاون العسكري المشترك، فتركيا منذ فترة تحاول إقامة صناعات عسكرية خاصة بها، و بيلاروسيا دولة لديها خبرة في المجالات العسكرية خصوصا في مجال العربات العسكرية الكبيرة (هناك خطط لتعاون تركيا مع مصنع MZKT البيلاروسي )و أيضا الأجهزة البصرية العسكرية و غيرها.
رغبة بيلاروسيا في أن تساعدها تركيا من أجل إعادة العمل في نقل البضائع عن طريق نهر الدنيبر من البحر الأسود من خلال الأراضي الأوكرانية، و تركيا يبدو أنها تستطيع ذلك، نظرا لنفوذها الواضح في أوكرانيا. فبيلاروسيا تريد عدم إستخدام الموانىء الروسية من أجل تصدير منتجاتها. و هناك مشاريع تركية محتملة لوجستية ستكون في صالح مينسك من أجل تحقيق رغبتها. و في حالة إستمرار لوكاشينكو في حكم بيلاروسيا، ستكون تركيا في الخمس سنوات القادمة محور تخلص بيلاروسيا من النفوذ الروسي بمساعدة الأراضي الأوكرانية.
فريق عمل “رياليست”