رغم القرار الدولي رقم 1970 الصادر عن مجلس الأمن في مارس/ آذار 2011 والذي طالب جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة بمنع بيع أو توريد الأسلحة إلى ليبيا، بجانب القرار 2420، الذي يسمح للدول الأعضاء بتفتيش السفن المتجهة إلى ليبيا أو القادمة منها بهدف التصدي لدخول السلاح إليها، إلا أن الواقع على الأرض كان أمراً مختلفاً تماماً. فالسلاح لم يتوقف عن التدفق على جانبي الصراع في البلاد، طبقاً لـ “دي دبليو الألمانية”.
ما إن وقّع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على إتفاقيتين أمنية وأخرى بحرية مع رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية، فائز السراج، حتى خرج بتصريح يتحدث فيه أنه لو لزم الأمر سيرسل جيش بلاده لمساعدة حكومة السراج حتى ولو عارضت بعض الدول، الأمر الذي لقى سخطاً ورفضاً دولياً وإقليمياً نتيجة هذا التصريح، الذي رأوا فيه أنه إعلان حرب ولا يمكن لهذا الطرح أن ينهي أي صراع في ليبيا بل على العكس سيزيد من أمد الأزمة الليبية وينقلها إلى مزيد من الفوضى والإقتتال الدموي، فالذي يدركه الرئيس أردوغان جيداً أن هذا الأمر سيمنحه شرعية إستقبال مرتزقة من وإلى ليبيا يتم تدريبها على الأراضي التركية، إضافة إلى إرسال مرتزقة جاهزة ومدربة إلى الداخل الليبي، فضلاً عن إمكانية توريد الأسلحة والعتاد العسكريَين بموجب إلإتفاقية الأمنية وبطريقة لا خوف منها بعكس ما كان يحدث في السابق.
يعلم أردوغان جيداً أن حكومة الوفاق لا تمثل كل الليبيين، وبالتالي هي حكومة غير قانونية إذ هي لا تمثل رسمياً كل البلاد وحتى أنه لم يتم إنتخابها، ووفقاً لتلك المعطيات، هذه الإتفاقيات غير ملزمة قانوناً، فلقد قالت الخارجية الأمريكية على سبيل المثال إن الإتفاقية البحرية عديمة الجدوى وإستفزازية، بينما رأت إيطاليا ممثلة بوزير خارجيتها لويجي دي مايو بأن المذكرة غير قانونية، كما أنها تسببت في خطر حدوث حالة عدم استقرار في المنطقة، إذاً هذه الحقائق أدركها أردوغان جيداً لكنه يعمل على تحصيل المكاسب بسرعة كبيرة، لأن الإنقلاب الغربي قاب قوسين أو أدنى عليه، خصوصاً لتصرفه منفرداً لدرجة أنه يعتقد أن تركيا هي الدولة الوحيدة العظمى، وهذا ما يشكل إهانة وتحقير لحلفائه.
إلى ذلك، من المرجح أن يتم الدعم التركي العسكري بعد التطورات الأخيرة إلى قوات الدرع المشترك الليبية وكتائب مصراته خاصة في نوعية الأسلحة المضادة للطائرات، أي ما يعني تحقيق إصابات مباشرة للقوات المشير خليفة حفتر، وفي هذا رسائل لداعمي حفتر كمصر والإمارات والسعودية إلى جانب روسيا، فحجم التحدي التركي يفوق مستوى السكوت عنه أو غض النظر، لأن ما يفعله لا يختلف عن الهيمنة الفرنسية على الجزائر والتي إلى اليوم تحاول تحطيمها إن خرجت عن سيطرتها، كما إيطاليا وسيطرتها على ليبيا قبل العام 2011 وما بعده، وبهذا يعمل أردوغان على إستعمار تركي جديد يدخل القارة الأفريقية بمباركة السراج لأول مرة بعد إنهيار الإمبراطورية العثمانية، وبهذا سيفتح أردوغان باب الصراع على إحتمالات عدّة ستدمر ليبيا أكثر مما هي مدمرة.
من هنا، يبدو أن هناك ملفات هامة على اجندة الدول الغربية، التي إكتفت بالتنديد ولم تقم بأي خطوة لصد الغزو التركي، خاصة بموجب القوانين والأعراف الدولية، فإما هي تحتاج إلى حاكم متهور يحول ساحة الصراع إلى بيئة هشّة وضعيفة لتنقض حينها بكل جاهزيتها، أو يكون الإحتمال الآخر أن الرئيس التركي أردوغان ينتقم من سياسة الغرب من ملفاتٍ عدة خاصة السوري، من خلال المسألة الليبية.
فإن لم يتحد العرب ويشكلون موقفاً حازماً خاصة مصر ودول الخليج بإستثناء قطر التي تبنت تدريب مقاتلين ليبين على هيئة شرطة ليبية على أراضيها، سيبقى هذا الملف من أعقد الملفات فما إن تتموضع القوات التركية في الداخل الليبي سيصبح الخروج أمراً معقداً، ولتلافي هذا السيناريو، يجب إعادة إختيار حكومة معتدلة تكون بديلة عن حكومة الوفاق وتستطيع التفاوض مع الأطراف الأخرى، أو ستكون ليبيا مسرحاً دموياً لن يجف على المدى المنظور.
فريق عمل “رياليست”