تتوالى تصريحات المسؤولين الأتراك حول تحديد موعد لعمل عسكري في شمال شرق سوريا، بشكل منفرد، في ضوء معلومات تتحدث عن إرسال أطباء من مدن كبرى في تركيا إلى إقليمين في جنوب البلاد استعدادا لتوغل محتمل في شمال سوريا في سبتمبر/ أيلول الجاري 2019، الأمر الذي دفع بتركيا إلى إعلان ذلك بعد تأكيد تلكؤ الشريك الأمريكي في موضوع المنطقة الآمنة بحسب التصريحات التركية الأخيرة. طبقاً لوكالة رويترز.
صرّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبيل إنطلاقه إلى الولايات المتحدة الأمريكية لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأن تركيا أنهت إستعداداتها على الحدود الجنوبية، إذ أتى هذا التصريح بعد يوم من كشف المصادر الأمنية لإرسال الأطباء إلى جنوب البلاد، في إشارة مؤكدة من الرئيس التركي أنه لا بديل عن القيام بعمل عسكري في شمال سوريا، في ضوء تلكؤ أمريكي واضح لمّح حوله الأتراك وأكدوه في التصريحات المتتالية، رغم إعلانهم في أكثر من مناسبة عدم رغبتهم في مواجهة القوات الأمريكية الموجودة هناك التي لا زالت تدعم من نرى فيهم أنهم منظمات إرهابية “في إشارة على الأكراد”.
في هذا السياق يقول دنيز البستاني، المستشار في حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض، في تصريح خاص لـ “رياليست بالعربي“:
مشروع التقسيم
إن التصريحات التي أدلى بها الرئيس أردوغان هي مقدمة لدخولها إلى شمال شرق سوريا من خلال وضع مهلة زمنية وهي أسبوعان للولايات المتحدة الأمريكية، وإلا ستتصرف انقرة بشكل مستقل عن شريكها الأمريكي، لكن أعتقد أن هذه التصريحات لن يتم العمل بها على الأرض، فالعلاقات التركية – الأمريكية جيدة جدا، من هنا يفضّل الرئيس أردوغان أن تكون العملية العسكرية مشتركة مع أمريكا، لكن المشكلة الأساسية هنا هي في المشروع الأساسي المتفق عليه بين الجانبين، وهو مشروع المنطقة الآمنة بعمق من 15 -30 كلم على طول الحدود التركية – السورية، فبحسب ما جاء به أردوغان أن المنطقة الآمنة الهدف منها توحيد الأراضي السورية ولكن هذا المشروع برمته بعيدا عن الدولة السورية يدعم التقسيم في سوريا، وواشنطن مع هذا الطرح.
وبرأي القيادات في حزب الشعب الجمهوري، أن المنطقة الآمنة هي فقط المناطق التي يتواجد فيها الجيش السوري، فعامل الأمان هو مكان تواجد الدولة والحكومة السورية وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها، لا المناطق التي تنشئ ويضعون فيها ناس مختارين للسكن فيها وتغيير ديمغرافيتها، هذا يندرج تحت بند التقسيم.
وهذا الأمر يتماشى مع هدف واشنطن في تقسيم المنطقة، وحاليا ومع الأسف إن من يتحدثون من السلطة التركية في أنقرة حول وحدة سوريا، مشروعهم هذا يخالف تماما تصريحاتهم كلها.
القرار بيد واشنطن
ويستطرد البستاني، أن التصريحات التركية الكثيرة في هذه الفترة تأتي في سياق إنزعاج تركي شديد من دعم أمريكا للأكراد في سوريا، وهذا الإنزعاج ينطبق علينا نحن كمعارضة أيضا، في ضوء معلوماتنا التي تؤكد أن هذا الدعم مقدم لهم عبر العراق وأحيانا من تركيا إلى سوريا.
وهنا نستطيع توجيه سؤال للحكومة التركية، إذا هم حقا منزعجين من هذا الدعم، فكيف قابلوا صالح مسلم رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في تركيا في الماضي؟
السؤال الأخر، الأسلحة القادمة إلى سوريا والمواد الغذائية المرسلة أيضا هل يعبرون فقط من العراق أم من تركيا أيضا؟
بالمحصلة إن المشروع المراد تحقيقه في شمال شرق سوريا هو بالدرجة الأولى ضد سوريا، لكنه في نفس الوقت ضد تركيا أيضا، فتصريحات الحزب الحاكم في تركيا لا تعكس الحقائق مطلقا.
فتصريحات الرئيس التركي في هذا الإطار ما هي إلا محاولة منه لكسب الداخل التركي، والمؤكد أن هذه العملية بشكل منفرد هي مستحيلة في الوقت الحالي، فالمهلة التي وضعها أردوغان بعد إنقضائها سيجتمع مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وسيتفق الجانبان وتتم العملية العسكرية المرتقبة ولكن ضمن أهواء الإدارة الأمريكية لا العكس.
هدوء ما قبل العاصفة
وعلى الرغم من أن سوريا لا تشكل أهمية إستراتيجية بمعناها العام للولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن أماكن سيطرة الولايات المتحدة وقربها من الحدود العراقية أو ما يعرف بمثلث الموت أي الحدود العراقية – الأردنية – السورية، هو الذي يشكل تلك الأهمية لربط مناطق السيطرة جيدا، فتركيا التي تعتبر واشنطن شريكا لها وتنسق في كل خطوة سواء بين الرئيسين أردوغان ودونالد ترامب أو على مستوى رؤساء الدفاع خلوصي آكار ومايك إسبر، يبدو أن هناك ضوء أخضر أمريكي غير معلن، لهذا التوغل التركي، في وقت ذكرت معلومات أن مجموعة من العشائر العربية كانت قد شنت هجوما على بعض القوات الكردية لفرض التجنيد الإجباري على أحد شبانهم، الأمر الذي ينذر بأن هذه المنطقة على صفيح بركان قد ينفجر في أي لحظة وتطال الجميع.