مصدر الصورة: رويترز
لا شك أن عملية تسلم الدكتور آبي أحمد لمنصب رئاسة مجلس الوزراء كانت خطوة إيجابية نحو التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي في إثيوبيا، حيث نقشت هذه الخطوة صورة إيجابية وناصعة عن اثيوبيا في أذهان العديد من المتابعين، وبالفعل عندما تسنم آبي احمد السلطة أجرى إصلاحات جذرية وقلل من حدة التناقض بين المكونات الإثيوبية المتناحرة، فضلاً عن تصفيره للعديد من المشاكل الإقليمية ولعب الدور الريادي في إجراء مصالحات عديدة في دول الإقليم المختلفة، وهذا ما منحه فرصة الدخول الى قائمة الحاصلين على جائزة نوبل للسلام.
وبعد إطلاق أكثر الإصلاحات السياسية طموحًا في تاريخ بلاده، يتعرض اليوم رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الى انتقادات حادة بسبب بعض الإجراءات التعسفية من قبيل قمع المتظاهرين وقتل النشطاء وحبسهم دون وجه حق، وقطع الإنترنت عن الشعب لمدة تقرب من شهر. وبطبيعة الحال كل هذه الاجراءات أدت إلى تغيير الصورة الحسنة التي تشكلت عن أثيوبيا، وأظهرتها بصورة سيئة أمام المستبشرين بنموذج التحول الديمقراطي الحاصل فيها.
لقد تضاءلت شعبية آبي أحمد في الأشهر الأخيرة بصورة ملحوظة، ومثلت حادثة اغتيال المطرب الأورومي أشالو هنديسا اختباراً عظيماً لحكومته، وتعامل القوات الأمنية الخشن مع المظاهرات الأوروموية العفوية أوصلت الأوضاع الى منعطف خطير، وبدا الحراك الأورومي الثوري يحاصر ويشيطن أبي أحمد في الداخل والخارج والردود الدولية والإقليمية الناقدة تنهال عليه من كل جانب بسبب مظاهرات الجاليات الاورومية في عواصم عديدة من العالم، والتي حملت العديد من الحكومات الغربية الى الاعتراض على الاجراءات القمعية التي تتبعها حكومته ضد شعب الأورومو المناضل.
على سبيل المثال لمحت إدارة البيت الابيض بقطع المعونات المقدمة لأثيوبيا، بالرغم من أن الأوساط المصرية اعتبرت هذه الخطوة إنذاراً أمريكياً لحكومة أثيوبيا لكي تثنيها عن مواقفها المتعنتة حيال قضية سد النهضة ، بجانب ذلك، مناشدة الحكومة الالمانية حكومة آبي احمد بأن تكف عن قتل المتظاهرين وأن تسمع لمطالبهم، بالإضافة الى تقديم الحكومة الاسترالية الدعم العيني للجالية الأورومية وتسهيل إمكانيات التظاهر السلمي حتى تتمكن من ان توصل صوتها للعالم الديمقراطي الحر.
وبناءً على ما تقدم، يمكن القول بأن رئيس الوزراء الاثيوبي آبي أحمد يواجه تحديات كبيرة، على الصعيد الداخلي تتمثل هذه التحديات في الحراك الشعبي الأورومي والذي ربما يفقده الأصوات الانتخابية في الماراثون الانتخابي المؤجل، وينزع من ثياب الشرعية الثورية الذي أوصله الى موقعه القيادي، واما على الصعيد الخارجي نلاحظ أن الأزمات الإقليمية والدولية بدأت تتصاعد، واصبح التنافس شرساً بين الأقطاب الدولية، والذي من المتوقع ان تؤثر على الاوضاع السياسية والاقتصادية في أثيوبيا، وبالمحصلة تقلل من حظوظ ابي احمد في البقاء كزعيم وطني لأثيوبيا. عطفاً الى المخاوف والشكوك المتزايدة بين مكونات الشعوب الأثيوبية من أن إصلاحات آبي قد لا تؤدي إلى تحقيق الحكم الرشيد ولا الاستقرار في البلاد وخصوصاً بعد أن توسع الخلاف بينه وبين اقلية التجراي المسيطرة عن القوى الصلبة العسكرية والمخابراتية والبوليسية في أثيوبيا.
ولكن بخلاف الصورة المرسومة في أعلاه، لا أحد ينكر المحاولات الحثيثة التي يقوم بها الدكتور آبي أحمد لنشل بلاده من نظام الحكم السياسي الاثنوفيدرالي المشوة، والذي خلف تناقضات خطيرة تهدد تماسك الشعوب الأثيوبية على أساس وطني مترفع على العرق والإقليم، ولذلك نلاحظ بأن آبي قرر أن يؤسس “حزب الازدهار” المتسامى في خطابه عن الانتماء الإثني الضيق، ولكن تحقيق رؤية الحزب ربما تصطدم بعثرات عديدة من ضمنها مطالب المكونات الإثنية التي تعتبر النظام السابق منحها الحقوق السياسية والاجتماعية بالرغم من النواقص التي اعترته.
وبالمحصلة يمكن القول بأن الشكوك المحيطة بقدرة آبي احمد في إدارة البلاد، بالإضافة الى الحراك الأورومي الثوري المناهض له ربما يكون عائقاً امام التحول الديموقراطي الكامل وإقامة المشروع الوطني الوحدوي الذي ينشده آبي أحمد وأركان نظامه.
إبراهيم ناصر- باحث بمركز أنقرة لدراسة الأزمات والسياسيات (أنكاسام)، خاص لــ”رياليست”