وجهت وزارة الخارجية التركية انتقادات لاذعة إلى تصريحات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، حول تركيا ورئيسها، رجب طيب أردوغان، واصفة هذه التعليقات بغير المقبولة، وقال المتحدث باسم الخارجية التركية، حامي أقصوي، في بيان: إن تصريحات ماكرون حول تركيا وأردوغان “غير عادلة وغير متسقة”، كما أشار إلى أن أنقرة تعتبرها “غير مقبولة ومتناقضة مع علاقات الصداقة والتحالف” بين كلا البلدين، طبقاً لموقع قناة “روسيا اليوم“.
وكان قد قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إنه من الضروري توضيح مكانة تركيا في حلف شمال الأطلسي – الناتو، وأوضح ماكرون أنه يريد المزيد من الحزم من طرف أوروبا تجاه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أثناء انعقاد قمة وزراء خارجية الناتو.
تحديد الأولويات
على الرغم من إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الثاني من مارس/ آذار الجاري عن إجراء محادثات مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، والتي وصفها بالناجحة، بعد أن شابت العلاقات الكثير من التوتر مؤخراً وفي عددٍ من الملفات لا سيما في الشرق الأوسط، عادت الأمور لتأخذ منحى تصعيدي جديد مجدداً، والبدء بتراشق التصريحات بين الجانبين.
وقبيل انعقاد القمة المرتقبة لزعماء حلف شمال الأطلسي – الناتو، وكون الطرفين التركي والفرنسي، دولاً أعضاء في الحلف، يأتي هذا التصعيد في وقت تحاول فيه أنقرة تصحيح مسار سياستها الخارجية عن طريق تقديم تنازلات لكن على الصعيد الشخصي من خلال المبادرات بالحديث مع كل الأطراف التي تختلف معها، لكن هذا الأمر لم يعد ينطلي على أحد من خصوم تركيا “الحالية”، فما كسره الدهر لن يصلحه اتصال هاتفي مع ماكرون وغيره، الخلافات تبدو أعمق مما تبدو عليه، فإن أراد الحزب الحاكم التركي التقرب من الولايات المتحدة الأمريكية الجديدة، ليس عبر فرنسا، إن انتقاء فرنسا للتقارب، خطوة تركية خاطئة، لا يمكن لها أن تنجح، إذ أعلن ماكرون صراحة أن باريس لديها معلومات حول نوايا أنقرة التدخل في الانتخابات القادمة في فرنسا، واصفاً إياها بـ “الخطيرة” وأنها تتسبب في إقصاء المجتمعات ذات الأصول الأجنبية في البلاد.
وبطبيعة الحال، خرج المتحدث باسم الخارجية التركية، حامي أقصوي، لينفي هذه التصريحات ويبررها بزعم أن تركيا مهتمة لأمر جاليتها الموجودة في فرنسا والتي يبلغ عددها حوالي 800 ألف تركي.
حقيقة التصعيد
إن تراشق الاتهامات قبيل انعقاد قمة الناتو والطلب الفرنسي من قادة الحلف الضغط على تركيا، لجهة الملفات الثلاثة الساخنة “السوري والليبي وشرق المتوسط” هو العنوان الرئيس لكل الخلافات الحالية، لكن حقيقة الأمر أن هذه الخلافات ليست جديدة وهي موضع جدل بين كثير من الأطراف، وتركيا وفرنسا ليستا استثناء، لكن الحقيقة الكامنة خلف هذا التصعيد، هي إعادة إعمار ليبيا وتقاسم “الكعكة”، إذ أنه وبعد خروج الدفعة الأولى من المرتزقة الأجانب “السوريين” من الأراضي الليبية وتوجههم ظاهرياً إلى سوريا، لكن في حقيقة الأمر هناك معلومات تتحدث عن توجههم إلى مالي، معقل الوجود الفرنسي في أفريقيا، وأما عن كامل الانسحاب لهم سيكون في غضون أسبوعين، وهذا من جهة.
من جهةٍ أخرى، نعود إلى إعادة إعمار ليبيا، والإطباق التركي على أغلب المرافق الحيوية ذات الدسم الاقتصادي الكبير، والتي سبق وأن أبرمت العديد من الاتفاقيات مع حكومة الوفاق حولها، سواء مشاريع اتصالات أو كهرباء أو مشاريع مصرفية وغير ذلك، ما يضعف الدور الأوروبي في البلد شمال أفريقي، ويضعف حصص المنخرطين بالملف الليبي بطبيعة الحال، التصريحات الأخيرة تعكس رغبة باريس في تخفيض حصص أنقرة في أفريقيا عموماً وفي ليبيا على وجه الخصوص لكن ليس بقرار فرنسي صرف نابع من الإليزيه.
أخيراً، إن الخلافات الفرنسية – التركية لن تحقق من أمرها شيء حيال المطروح حولها بشكله العام، لكن الحقائق هي وبعد نهاية الدور الوظيفي إن جاز التعبير، يحتاج الغرب إلى طرف محايد يستطيع من خلاله قصقصة أجنحة أنقرة، لأن لا الولايات المتحدة ولا بريطانيا يستطيعان ذلك، لعمق الملفات المشتركة بينهما لعل أبرزها، أمريكياً موضوع “الإسلام السياسي”، وبريطانياً مسألة “الإخوان المسلمين”، وبالتالي ليس أفضل من ماكرون لتنفيذ نوايا حليفيه وإبعاد تركيا تدريجياً بعد إنقضاء دورها الوظيفي مبدئياً في ليبيا.
فريق عمل “رياليست”.