بيروت – (رياليست عربي): أخفق مجلس النواب اللبناني للمرة العاشرة، الخميس الماضي في انتخاب رئيس جديد للبلاد، مما أدى إلى إطالة أمد الفراغ المؤسسي المتمثل في حالة الفراغ الرئاسي القائمة منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، في 31 أكتوبر الماضي، وسط أزمة اقتصادية حادة تمر بها البلاد.
ويُمكن القول بأنَّ ما يجري في لبنان هو عملية تخريب مُتعمَّدة، تدور على مستويين مُتوازيين؛ الأوَّل تخريب يجري على المستوى السياسي، وتنفِّذه المنظومة الحاكمة لحماية مُكتسباتها، وهو ما أدَّى إلى تفكك أوصال الدولة اللبنانية إلى غير رجعةٍ.
اقتصاد ينهار
حذرت مجموعة البنك الدولي من أن الخسائر المالية التي يعاني منها اقتصاد لبنان وماليته العامة، تعادل 3 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لسنة 2021؛ وذكر البنك أن إجمالي الخسائر المالية للبلاد وصل إلى 72 مليار دولار، داعياً إلى ضرورة إعادة هيكلة القطاع المصرفي المحلي.
أحجام ونطاق الكساد المتعمَّد الذي يشهده لبنان حالياً يؤديان إلى تفكك الركائز الرئيسية لنموذج الاقتصاد السياسي السائد في البلاد منذ انتهاء الحرب الأهلية. ويتجلَّى هذا في انهيار الخدمات العامة الأساسية، واستمرار الخلافات السياسية الداخلية المُنهكة، ونزيف رأس المال البشري، وهجرة الكفاءات على نطاقٍ واسعٍ. وفي موازاة ذلك، تتحمَّل الفئات الفقيرة والمتوسطة العبء الأكبر للأزمة، وهي الفئات التي لم يكُن النموذج القائم يُلبِّي حاجاتها أصلاً.
يُذكَر أنه في خريف 2021، صدر تقرير من البنك الدولي معنون بـ”المرصد الاقتصادي للبنان: الإنكار الكبير”، وأشار إلى أن الكساد المُتعمَّد في لبنان هو مِن تدبير قيادات النخبة في البلاد التي تُسيطر منذ وقتٍ طويلٍ على مقاليد الدولة وتستأثر بمنافعها الاقتصادية.
وقد استمرَّت هذه الهيمنة بالرغم مِن شدة الأزمة التي باتت تعرض للخطر الاستقرار والسلم الاجتماعي في البلاد على المدى الطويل، فقد أفلس نموذج التنمية الاقتصادية للبنان الذي ازدهر بفضل تدفقات وافدة كبيرة لرؤوس الأموال ودعم دولي في مقابل وعودٍ بإجراء إصلاحات.
وأدَّى انتقال آثار تغيرات أسعار الصرف على الأسعار إلى قفزة كبيرة للتضخم الذي يقدر أن معدله بلغ في المتوسط 145% في 2021، ليسجل ثالث أعلى معدل على مستوى العالم بعد فنزويلا والسودان. وتمثِّل التأثيرات التضخمية عوامل تنازلية شديدة تُؤثِّر على الفقراء والطبقة المتوسطة أكثر مِن غيرهم، وبوجهٍ أعم على مَن يعيشون على دخلٍ ثابتٍ، مثل أصحاب معاشات التقاعد. وما زال تضخم أسعار المواد الغذائية مبعث قلق كبير، لأنَّه يشكِّل نسبة أكبر مِن النفقات التي تتكبَّدها الأسر الأفقر التي تُواجه مصاعب جمَّة في تلبية احتياجاتها الأساسية في ظل تدهور قدرتها الشرائية.
ولحلِّ تلك الأزمة الاقتصادية يجب وضع استراتيجية تُركِّز على النقاط التالية بحسب الخبراء، أولاً: وضع إطار جديد للسياسة النقدية يعيد الثقة والاستقرار في سعر الصرف، ثانيا: إنشاء برنامج إعادة هيكلة الدين الذي مِن شأنه أن يحقِّق الحيز المالي على المدى القصير واستدامة الدين على المدى المتوسط.
كذلك إعادة هيكلة شاملة للقطاع المالي لاستعادة ملاءة القطاع المصرفي، تصحيح مالي منصف وتدريجي يهدف إلى إعادة الثقة في السياسة المالية وتعزيز الحماية الاجتماعية وتعزيز النمو.
غادر ميشال عون، البالغ من العمر 89 عامًا وشهدت رئاسته انفجار مرفأ بيروت وانهياراً ماليّاً كارثيّاً في لبنان، قصر الرئاسة، تاركاً فراغاً في قمة الدولة اللبنانية.
وقال في كلمةٍ مِن قصر الرئاسة في بعبدا “لن نقبل بأن يُفرَض علينا وزراؤنا… نحن رفضنا الوصاية في زمن الحرب، ولن نقبل بها في يومنا هذا.” وحذَّر قائلًا “مؤسسات الدولة مهترئة، لأن القيِّمين عليها خائفون مِن عصا تهددهم”.
خاص وكالة رياليست.