أربيل – (رياليست عربي): منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، أصبح العراق ساحة مفتوحة للتدخلات الخارجية، حيث تنافست الولايات المتحدة وإيران على النفوذ فيه، مما أضعف سيادته الوطنية. تصاعدت التدخلات مع الأحداث الإقليمية الأخيرة، مثل “طوفان الأقصى” و”سيف الحديد”، التي أضافت أبعادًا جديدة للصراع، وساهمت في تعقيد المشهد العراقي. العراق اليوم يشهد تحديات تتجاوز حدوده، مع تنافس القوى الإقليمية والدولية، وصراع داخلي بين الدولة الرسمية وقوى غير خاضعة لسلطتها تهدد استقراره.
النفوذ الإقليمي والدولي
الأحداث الإقليمية الأخيرة دفعت قوى المقاومة الإسلامية، مثل “حزب الله” و”الحشد الشعبي”، إلى التعبير عن دعمها لحركة حماس، ما زاد من تعقيد الوضع في العراق. انقسمت القوى السياسية والأمنية بين موالين للنفوذ الإيراني ومعارضين له. أصبح الحشد الشعبي وقوى أخرى بمثابة أطراف موازية تتجاوز أحيانًا سلطة الدولة، معتمدة على الدعم الإيراني، مما يقوض قدرة الحكومة العراقية على فرض سيادتها. تشير تقارير إلى أن هذه الجهات تُدير شبكات اقتصادية موازية، بما في ذلك تهريب النفط، الذي يكلف الاقتصاد العراقي مليارات الدولارات سنويًا. كما أن استغلالها للموارد العامة يُضعف قدرة الدولة على الاستثمار في قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة، مما يزيد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية.
صعود الكيانات الموازية
الصراعات السياسية بين القيادات العراقية ساهمت في تقزيم دور الدولة وفتح المجال أمام مجموعات مسلحة لتحويل البلاد إلى كيان تهيمن عليه أطراف خارج إطار السلطة الرسمية. هذه الكيانات لا تخضع فعليًا لسلطة الحكومة، وتتصرف ككيانات مستقلة تمتلك المال والسلاح، مدعومة إقليميًا. بلغ هذا الصراع ذروته عندما استخدمت بعض الجماعات المسلحة الطائرات المسيّرة والصواريخ بعيدة المدى في هجمات خارجية، مما جرّ العراق إلى صراعات إقليمية كان يمكن تفاديها. بدلاً من التركيز على تعزيز سيادة الدولة، تُستخدم البلاد كمنصة لتنفيذ أجندات إقليمية، مما يُفقد العراق حياده ويُعمق أزماته.
التدخلات الخارجية الجماعات المسلحة الموالية لإيران تعتمد على الدعم العسكري والاقتصادي لتعزيز نفوذها، ما يجعلها قادرة على تحدي الدولة. في المقابل، تضغط الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لدمج هذه الجهات ضمن إطار الدولة ونزع سلاحها، وهو أمر صعب التحقيق في ظل المصالح المتشابكة وغياب الإرادة السياسية. الاعتماد العراقي على الدعم الأمريكي في مجالات مثل التدريب العسكري والتكنولوجيا يُقيد حرية القرار الوطني، ويجعل من الصعب تحقيق استقلالية حقيقية.
مظاهر الفشل الهيكلي اليوم، يُعتبر العراق واحدًا من أكثر الدول هشاشة، نتيجة الفشل المؤسسي الذي يُعيق قيام الدولة بوظائفها الأساسية. من البطالة المرتفعة التي تجاوزت 14% إلى الفساد وانعدام الأمن، تُظهر التقارير أن الاقتصاد العراقي يتكبد خسائر تتجاوز 10 مليارات دولار سنويًا. هذه التحديات تؤثر بشكل مباشر على قدرة الدولة على توفير الخدمات الأساسية وإعادة بناء الثقة مع مواطنيها.
العلاقة مع إقليم كردستان
إلى جانب الأزمات الداخلية، تشكل الخلافات بين بغداد وإقليم كردستان تحديًا إضافيًا. تتمحور هذه الخلافات حول الموارد النفطية وإدارة المناطق المتنازع عليها وصلاحيات الإقليم ضمن النظام الفيدرالي. يُنتج الإقليم نحو 450 ألف برميل يوميًا من النفط، لكنه يحتفظ بجزء من العائدات دون التنسيق مع بغداد، مما يزيد من حدة التوتر. رغم محاولات الحوار، فإن غياب الثقة المتبادلة، إلى جانب انعكاسات الصراعات الإقليمية، يزيد من تعقيد العلاقة بين الطرفين، مما يُعمق الانقسامات الداخلية.
تساؤلات المستقبل
مع استمرار هذه التحديات، يبقى العراق أمام مفترق طرق. تحقيق السيادة الحقيقية يتطلب جهودًا جادة من القيادة السياسية، تبدأ بمعالجة الانقسامات الداخلية وبناء مشروع وطني جامع يعزز الوحدة الوطنية. يبقى السؤال الأهم: هل يستطيع العراق تجاوز هذا الواقع المضطرب والمضي نحو بناء دولة ذات سيادة كاملة، أم أن المصالح المتشابكة ستبقيه رهينة للفوضى؟
خاص وكالة رياليست – کاوە نادر قادر – باحث ومحلل سياسي – كردستان.