موسكو – (رياليست عربي): أثارت التصريحات الهندية التي أججت مشاعر المسلمين وألهبتها حول العالم، ضجة واسعة، دفعت بنيودلهي على الفور بإيقاف عضوين من حزب بهاراتيا جاناتا، لكن الدول الإسلامية اتهمت الحكومة بالتحريض على كراهية الدين وطالبت باعتذار علني.
وشهد موقع تويتر حالة غضب واسعة عبر إطلاق هاشتاغ #إلا_رسول_الله_يامودي، فضلاً عن استنكار كل الدول الإسلامية، بما فيهم منظمة التعاون الإسلامي التي تضم 57 دولة إسلامية، كما دعا ممثلون رفيعو المستوى من رجال الدين المسلمين في دول مختلفة إلى مقاطعة البضائع الهندية في أسواق دول الخليج العربي، بالتالي، أصبحت التصريحات الهندية “الطائشة” إن جاز التعبير مكلفة للغاية، في وقت كانت الهند تسير على المسرح العالمي باندفاع قوي، خاصة مع إيران والمملكة العربية السعودية.
ولكن على خلفية الإجراءات التي تبدو ناجحة في مجال السياسة الخارجية، كانت المشاكل الداخلية المتعلقة بانتهاكات حقوق السكان المسلمين وتطور القومية الهندوسية مخفية عن الأنظار الخارجية، فقد كشفت الكلمات التي قيلت ضد النبي محمد (ص) الفجوات في أنشطة ناريندرا مودي وحزبه، بالإضافة إلى العواقب على الساحة الدبلوماسية المتمثلة في تهدئة العلاقات مع الدول الإسلامية، قد تواجه الهند مشكلة أكثر خطورة، وهي غضب الإسلاميين المتطرفين، بعد أن تلقت بالفعل تهديدات من تنظيم القاعدة (المحظور في الاتحاد الروسي).
عند الحديث عن العواقب المحتملة على الهند والمنطقة ككل، لا ينبغي تجاهل الفوائد التي تعود بها هذه الوعود على بلدان معينة، إذ تعتبر الحرب بالنسبة للبعض خسارة فادحة في جميع مجالات الحياة، بينما تعتبر بالنسبة للآخرين فرصة لإثراء أنفسهم وتقوية نفوذهم.
من المستفيد من الصراع في آسيا الوسطى؟
المستفيد الرئيسي في هذه الحالة ستكون المملكة المتحدة، حيث ستعود بريطانيا مجدداً إلى السياسة العالمية، وإحياء وضعها السابق وانتقال المركز السياسي من واشنطن إلى لندن، بالتالي، إضعاف نفوذ الولايات المتحدة في ملفات حيوية، وذلك بالنظر إلى حقيقة أن الولايات المتحدة وضعت نفسها لسنوات عديدة على أنها “شرطي العالم” و”المهيمن” على العالم، فإن إطلاق العنان لصراعات جديدة سيشرك الأمريكيين تلقائياً في حلها، بالتالي، سيتعين على الولايات المتحدة إنفاق الموارد والقوى حتى لا تفقد ماء الوجه في النهاية، وسيحدث هذا على خلفية أزمة اجتماعية واقتصادية حادة داخل الولايات المتحدة نفسها.
بالإضافة إلى ذلك، وبسبب الصراع في أوكرانيا، لم تعد الولايات المتحدة قادرة على الوفاء الكامل بالتزاماتها خاصة مع تايوان، بالتالي، إن الصراع الخطير في الهند، والذي يعتمد عليه الأمريكيون في مواجهة محتملة مع الصين، سيعقد الوضع بشكل كبير.
زعزعة الاستقرار في فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي
إن تصاعد النشاط الإرهابي في الهند وباكستان من أراضي أفغانستان سيؤثر بالتأكيد على بلدان رابطة الدول المستقلة، القريبة نسبياً من البلدين، وهذا سيجبر روسيا على تحويل انتباهها من المنطقة الأوروبية إلى الحدود الجنوبية لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي وإضعاف القدرة القتالية بالقرب من حدود الناتو.
كما ستضرب الفوضى في الهند روسيا بشدة أيضاً بسبب المستوى الهائل من التعاون الاقتصادي بين الدول.
التوتر في منطقة شينجيانغ الأويغورية المتمتعة بالحكم الذاتي
إن حملة “الجهاد المقدس” في ولاية جامو وكشمير المجاورة للمنطقة الصينية ذات المشاعر الانفصالية يمكن أن يقوض بشكل خطير الاستقرار الهش في المناطق الحدودية.
بالتالي، إن ظهور التهديدات الإرهابية من الهند سيعرض للخطر تنفيذ المشاريع الاقتصادية في باكستان، والتي تكتسب الصين أهمية كبيرة في سياق المواجهة مع الولايات المتحدة بشأن تايوان.
من هنا، إن الفضيحة الدولية التي سببتها تصرفات مسؤولي الحزب الحاكم في الهند يمكن أن تسبب عواقب وخيمة ليس فقط على البلاد، ولكن على المنطقة بأسرها، وللناس تجربة مع ما حدث في فرنسا بعد الكلمات المسيئة التي أطلقها الرئيس إيمانويل ماكرون للمسلمين ورسوم كاريكاتورية مجلة شارلي إيبدو في أكتوبر/ تشرين الأول 2020.
في هذه الحالة، يمكن أن يأخذ الوضع منعطفاً أكثر خطورة بسبب وجود عدد كبير من المتطرفين الإسلاميين في البلدان المجاورة مثل باكستان وأفغانستان، وذلك دون مراعاة التنظيمات الإرهابية الأخرى مثل “عسكر طيبة” و”جيش محمد” و”البدر” التي تعمل في ولاية جامو وكشمير منذ سنوات عديدة.
من يمكنه تصعيد أنشطته في الهند؟
أولاً، تنظيم القاعدة: بعد وصول حركة طالبان إلى السلطة، تلقى التنظيم دفعة إحياء تجددت مرة اخرى بانسحاب القوات الأمريكية وحلف شمال الأطلسي من أفغانستان، ومنذ أغسطس الماضي، بدأ زعيم القاعدة (الآن القاعدة في شبه القارة الهندية)، أيمن الظواهري، في إرسال رسائل فيديو بشكل منتظم إلى المسلمين في الهند ويدعو إلى الكفاح من أجل حقوقهم.
ووفقاً لتقرير للأمم المتحدة بتاريخ 30 مايو/ أيار الماضي، قدمت طالبان للمسلحين موطئ قدم لتدريب أعضاء مجموعتهم في جنوب شرق أفغانستان، كما نشرت الدائرة الإعلامية الرسمية للتنظيم، في 7 يونيو/ حزيران، بياناً حول بدء الكفاح المقدس ضد اضطهاد المسلمين في الهند بسبب تصريحات ضد النبي محمد (ص).
ثانياً، الدولة الإسلامية: ساهم رحيل القوات الغربية بشكل كبير في توسيع منطقة نفوذ الفرع الأفغاني، بدأ تنظيم الدولة الإسلامية – داعش (المحظور في الاتحاد الروسي) في مواجهة مع السلطات الأفغانية الحالية، وازداد نشاطه بشكل مطرد.
بحلول بداية عام 2022، كان مقاتلو داعش حاضرين بشكل كامل في المقاطعات الحدودية لأفغانستان وباكستان، مما أتاح توسيع أنشطتهم أيضاً في الهند، حيث يوجد لديهم ثلاث قواعد تدريب مع أشخاص مدربين بالفعل في الهند، وبدأوا يدعون المسلمين إلى الوقوف إلى جانبهم لبدء الجهاد ضد السلطات الهندية.
ومع ذلك، فإن خيار شن حملة كاملة ضد السلطات الهندية على الأقل حتى نهاية عام 2022 غير مرجح حالياً، لأن تنظيم داعش متورط أساساً في الصراع على النفوذ مع طالبان.
ثالثاً، حركة طالبان: من المعروف أن الحركة ولدت من رحم الصراعات والحروب، لكن بعد وصولهم إلى السلطة في أفغانستان، فإن خيار شن “جهاد” آخر قد يغري بشكل خاص أعضاء طالبان الراديكاليين.
بالتالي، من المستبعد توقع مشاركة طالبان في أي صراع مع الهند بسبب وجود مشاكل داخلية خطيرة على شكل مقاومة بقيادة المعارض أحمد مسعود وانتشار تنظيم الدولة الإسلامية، لكن ذلك لن يمنعهم من توفير نقطة انطلاق لتدريب الجماعات الكشميرية المتطرفة ومقاتلي القاعدة.
بالمحصلة، لقد فتحت الهند على نفسها، عش الدبابير، الأمر الذي سيكلفها غالياً، أو على الأقل سيمنع تقدمها في وقت تحاول فيه الوصول إلى العالمية عبر تقوية السياسة الخارجية لديها، لكن تصريحاً واحداً قد يقوض كل هذا البنيان، فكيف ستتصرف في وجه الخطر الداهم المحيط بها من كل الاتجاهات؟
خاص وكالة رياليست.