إن الحرب السورية قد تحولت لحرب اقتصادية، ففي الفترة الأخيرة زاد الطلب من جانب العاصمة دمشق و حلفائها إلى الإدارة الأمريكية، قادة الفصائل الكردية و شيوخ القبائل العربية في شمال شرق سوريا لنقل إدارة الحقول النفطية إلى القيادة السورية، و بالطبع هذا الأمر من المطالب الطبيعية.
و لكن بالنظر إلى هذا الأمر من زاوية أخرى، سوف نجد أن هناك العديد من العثرات أمام هذه المطالب، منها:
أولا. تم تحرير الضفة الشرقية لنهر الفرات الغنية بالغاز والنفط من مسلحي داعش بقيادة قوات التحالف الدولي المدعوم أمريكياً ومن الميليشيات الكردية، ويجب ألا نغفل أن التدخل الروسي ساهم أيضا في هزيمة داعش. وأن الجيش السوري أو القيادة السورية لم تقم بأي عمل يذكر بل فضلّوا الجلوس في دمشق واللاذقية.
ثانيا. بالنظر للوضع الاقتصادي، إن الميلشيات الكردية بتحالفها مع القبائل السنية العربية وهم جميعهم مواطنون سوريون في ظل استمرار الحرب الأهلية وغياب الدولة الكامل عن تلك المنطقة، يعتبرون أن هذه الثروات هي ملكهم وهم أحق من الدولة في إمتلاكها. و أن سيطرة الولايات المتحدة على حقول النفط تؤمن لها توفير احتياجات القوات العسكرية المتحالفة معها الموجودة في المنطقة.
ثالثا. إن السلطات السورية تستمر بتجاهل الأكراد والعرب السنة الموجودين في تلك المنطقة وفقا لأهالي المنطقة فإنهم غير ملزمون بنقل إدارة المنشآت النفطية إلى دمشق ما لم يكن هناك اعتماد جديد للدستور وتشكيل حكومة ائتلافية بالأخص أن الأسد يستخدم المرتزقة الأجانب من حزب الله، الحرس الثوري، الشيعة، الأفغان، مرتزقة شركة فاجنر الروسية، إلخ، وذلك من أجل السيطرة الكاملة على أراضي البلاد والاستيلاء بالقوة على حقول النفط في البلاد.
إن الإيرانيون هم من يدفعون الأسد للمطالبات بنقل الحقول النفطية تحت إداراتها. من أجل تغطية نفقات الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية لان النظام الإيراني واجه مظاهرات واحتجاجات واسعة النطاق في أواخر العام 2017، في المدن الإيرانية بسبب دعمها المادي لنظام الأسد بمبلغ 8 إلى 12 مليار دولار. وهذا عبء ثقيل على إيران.
فقد طالب الإيرانيون من سلطاتهم بوقف ضخ الأموال إلى سوريا وتوجيهها للداخل لرفع مستويات المعيشة في البلاد، و من الواضح أيضا أن السلطات الروسية تدفع الأسد لنفس الإتجاه للاستفادة منه في التصدير وذلك من أجل تغطية بعض تكاليف عمليتها العسكرية في سوريا. لكن الواقع يقول إن معظم حقول النفط والغاز في شرق سوريا هو في ايدي الميليشيات الكردية والجيش الأمريكي و أي محاولة للأسد لاستعادة السيطرة عليه أمر غير وارد.
إن الأمور بالنسبة للأسد ليست على ما يرام في مسقط رأسه- اللاذقية حيث يعيش العلويون بكثافة. على الرغم من انتقال مقدرات الاقتصاد السوري إلى أيادي أمراء الحرب العلويين حيث ساعدهم نفوذهم على عمليات التهريب الغير المشروعة، فليس هناك أدنى شك أن النظام في مناطق ساحل البحر الأبيض المتوسط لن يستطيع المحافظة على السلطة طويلا في تلك المحافظة الصغيرة بالرغم من محاولة دمشق لتحقيق التوازن بين عشيرة الأسد وحلفائها الخارجيين.
خوف من الإستثمار
وبالرغم من دعوات الأسد لرجال الأعمال والمجتمع الدولي للاستثمار في إعادة بناء الاقتصاد، لم يتلقَّ أي موارد مالية كبيرة. حيث هناك حاجة إلى حوالي 400 مليار دولار، ولا تملك إيران والاتحاد الروسي مثل هذه الأموال المجانية، والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي والممالك الخليجية والدول العربية الأخرى وتركيا لا تعترف بشرعية حكومة الأسد، وإذا كانت تقدم المساعدة إلى سوريا، فهي تستهدف بشكل صارم المناطق التي لا تسيطر عليها دمشق وأيضا مشكلة اللاجئين بل الأمور تزداد تعقيدا بل وحتى رجال الأعمال المقربين من الأسد امتنعوا حتى الآن عن الاستثمار في اقتصادهم.
لذلك مؤخرا، تم نشر معلومات عن أن أقارب رئيس الجمهورية، بما في ذلك أبناء عمومته، الذين يخضعون للعقوبات الغربية، قاموا بشراء ما لا يقل عن 20 شقة فاخرة باهظة الثمن في موسكو، يقع معظمها في ناطحات السحاب في مدينة موسكو. تقدر القيمة الإجمالية للممتلكات التي استحوذ عليها السوريون في العاصمة الروسية بنحو 40 مليون دولار.
يبدو أن الأسد وحاشيته والجهات الراعية الرئيسية لدمشق في شخص آية الله وإيران، راضون تماما عن حالة “لا حرب ولا سلام” في سوريا، فمن مصلحتهم تأخير اعتماد دستور جديد وتشكيل حكومة ائتلافية إلى أجل غير مسمى. فمن الواضح أنهم يفهمون تماما أن أي انتخابات حرة وعامة في سوريا بمشاركة اللاجئين والمواطنين الذين يعيشون في مناطق خالية من مؤيدي بشار الأسد ستؤدي حتما إلى تغيير في نظام الحكم العلوي. ستانيسلاف إيفانوف – دكتوراه في التاريخ ، باحث أول في مركز الأمن الدولي التابع لأكاديمية العلوم الروسية، خاص لوكالة أنباء «رياليست»