صحيحٌ أنّ الزمن القادم (المستقبل) لم يأت بعد، وهو ما يجعل معرفة تفاصيله أمراً بالغ الصعوبة، إن لم يكن من (الأمور المستحيلة)، ولكن على الرغم من ذلك أعتقد أنّ الاعتماد على عددٍ من المعطيات يمكّن من إيجاد الإطار العام له، والاقتراب من معرفة تلك الاحتمالات (خصوصاً أنّ المستقبل، بما يحفل به من أحداث، هو من صنع البشر)، الأمر الذي سيجعل من تلك الاحتمالات أمراً قابلاً للحصول إذا ما توفّرت الظروف الموضوعية لحدوث تلك المعطيات، وعند الحديث عن مستقبل الدولة السودانية في ظل الأزمات (الإقتصادية والسياسية والأمنية) التي يعايشها الشعب السوداني تطرح ثلاثة مشاهد مستقبلية:
– مشهد إستمرارية: هناك حالة يقين سائدة بين الأوساط السودانية المثقفة بأن الأزمات الحاصلة في السودان هي تركة ثقيلة ورثتها النخب الحاكمة في الخرطوم من النظام البائد الذي أدار البلد بالأزمات، مما أدى الى إنهاك الجسد السوداني حتى صعب مهمة إشفائه بالغت التعقيد مهما تكاثرت المبادرات وتظافرت الجهود. ولكن تحميل الفشل الحاصل والإخفاقات التي تُرتكب بحق الشعب السوداني الثائر كل يوم الى أتباع النظام الساقط أمر لا يصعب لعاقل تصديقه وذو بصيرة قبوله وخصوصاً بعد أن كُنس النظام السابق ووضعت أركانه السجون ومنح التفويض الثوري للحكام الحالين.
وعليه ما أن تواصل مشهد الإستمرارية ووقعت التفلتات الأمنية وأخذت طابع قبلي وإزدادت الخانقة الإقتصادية بالتاكيد سيحصل إنهيار ولو نسبي وتسود حالة سيولة للدولة السودانية لان متلازمة الأزمات بالنهاية سيؤدي الى إحباط النخبة الحاكم في البلد وتقبل بستاريو تقسيمه حسب رغبات أهل الأقاليم الحاملة للنزعات الإنفصالية.
– مشهد التغيير: بالرغم من الازمات التي يعايشها الشعب السوداني إلا أن التفاؤل والثقة في حكمة الشعب السوداني لازالت قائمة وأن قرن إستشعار الخطر للعقل سيدخل دورة تشغيله في الوقت المناسب وينتشل الدولة السودانية قبل فوات الأوان، بذلك يُحقق المستقبل الزاهر وان صروف الدهر الحالية تكون محطات صعبة في طريق الوصول الى حلم الدولة المدنية الديمقراطية التي يسود الإزدهار والإستفرار. (مع أني شخصياً أستبعد ذلك في ظل تشتت الجهود الحاصل).
– مشهد التغيير والإستمرارية: يفترض هذا المشهد أنه، ولطبيعة الأزمات القائمة التي أفرزتها التطورات الجديدة في مناطق مختلفة من السودان تتّجه أغلب النخب السودانية إلى احتواء وتفعيل دَوْرها من أجل إيجاد حلول نصفية للأزمات الحاصلة كخطوة لقطع الطريق أمام أيّ عملية تغييرٍ جذري محتملة، إلى جانب إذابة دَوْر هذه النُّخب داخل منظومة حكم عسكري فاشل سياسياً وإقتصادياً وأمنياً، وبالتالي يتحقق مشهدي الإستمرارية والتغيير في آن واحد وهذا يعني تجسيد لأزمة إدمان الفشل التي التي وفقت فيها النخب السودانية بالمحصلة والتي فصلها المفكر اللبرالي دكتور منصور خالد رحمة الله في كتابه “النخب السودانية وإدمان الفشل”.
إبراهيم ناصر- باحث بمركز أنقرة لدراسة الأزمات والسياسيات (أنكاسام)، خاص لوكالة أنباء “رياليست”