دمشق – (رياليست عربي): يوسف النبي.. يوسف القضية الأخلاقية.. يوسف المثال والمثل عن غدر الإخوة.. استخدمه محمود درويش في قصيدة خالدة عن فلسطين، وأعجز القرآن البشرية في آية تزلزل القلوب، (إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر لي ساجدين).
عندما تحدثت عن وطني سورية حتى ميراث يوسف الإنساني من حصيلة غدر حضن الإخوة كان قاصراً عن توصيف الواقع، فالغدر لحظة أو لحظتين أو برهة من الزمن، لكن سنوات طويلة بهذا المدى يخرج القصة من سياقها فتصير سيرة زمنية يختلط فيها الألم بتضاد التضليل في تقييم المآسي، وأما يوسف النبي فقد تجلى بالعبرةِ أمامنا، وفي الموروث الشعبي يقولون إن الغضب من الأهل كالورم قابل للاضمحلال، ولكن ماذا عن الندوب؟!!
والندبة هي أثر جرح بعد زواله، وماذا عن الندم كصيغة للاعتذار؟!
انقسم المنقسمون بفعل التلاعب بالروايات حول المواقف، فالبعض ما زال متبنياً لرواية إسقاط البلاد وهدمها بشراً وحجراً، ومازالوا يصدقون كذبتهم بأن الذئب أكل يوسف وأن الدم المزيف على قميصه حقيقة .
والبعض الآخر ما زال رافضاً لفكرة المسامحة جملة وتفصيلاً وحجته دامغة أن للدم المسفوك ولاية على الضمير لا يملك أحد انتهاكها ..وبعض من البعض الباقي يدعو إلى التقارب مع الأشقاء القابعين على آبار النفط لعل نفطهم يفيض على سورية المكلومة متجاهلين من سرق النفط ومن شرعن وموّل وجهز الحرب الإعلامية والعسكرية والاقتصادية علينا وحجتهم بسيطة مختصرها أن الحي أبقى من الميت وأن العين لا تقاوم المخرز، فهم يسوقون مبررات التنازل باختصار حرب عمادها الاصرار والتضحية لأجل الوجود وكسر المخرز بالعيون والأرواح لتحويلها إلى تسول اللقمة، وبقية البعض المتبقي يتراوح صعوداً أو هبوطاً بين المجموعات السابقة .
أما الكتلة الأهم وهي كتلة وليست بعضاً من بعض، تعرف بقية قصة سيدنا يوسف الذي جاءه إخوته ساجدين بعد أن نصره الله ، وتلك صيغة تسامح المنتصر ..
أما بعد: بالعودة للجرح الذي يرفضون تحوله إلى ندبة، لأن الخنجر ما زال يحفر عميقاً في أوصال جلده، بمعنى أن نية القتل ما تزال.. ونحن شعوب زادها العاطفة وتاريخها منقول بالتواتر وحزنها وفرحها مشفوع بالخطابة والشعر فاتحته الوقوف على الأطلال .
كرة القدم رياضة، ولكنها تفتق و ترتق عواطف الجماهير بتناغم مع تركيبة البشر عجائبية الصيغة، فهي ساحات لانتصارات مفقودة على الأقل في البنية النفسية، وقد لا نملك تفسيراً حقيقياً لقدرتها السحرية على التحشيد، ولكنها ارتبطت باستبدال الهزائم فشوارع الأرجنتين التي قادت الولايات المتحدة الأمريكية انقلاباً إجبارياً فيها ظلت ترفع نجمها الأسطورة مارادونا كأيقونة للفقر المنتصر في الساحة الخضراء، وظل ملهماً بديلاً لرمز الثورة المصلوب على سفح آلام أمريكا الجنوبية تشي جيفارا ..
و في كأس العالم الماضي تمكن صناع السياسات ومخترعو نظريات القوالب الاجتماعية من رصد المشاعر الشبابية في استبيان بين جمهوري ميسي ورونالدو ..وهو الحقيقة استبيان بين عالمين ..
نحن العرب ككتلة تجمعها خصائص أكثر من التي تفرقها، تعلقت أنظارنا بالعربي المتسلل لصناعة نصر يتمثله الشباب، فارتص كتلة مرعبة خلف الفريق المغربي، وإمعاناً في الاستدلال على التمرد المحمول على عمق المظلومية كان علم فلسطين أيقونة التواصل مع ذلك الجمهور الذي تحزب لهم بالفطرة، وبقيت العقدة التي تفصل المرابط الوجدانية.
هي إمارة قطر ..الساحة المربكة للمشاعر القابلة للاتحاد، وظلت ساحة الجدل والنقطة العمياء ..وبقيت الأسئلة سهلة باستثناء السؤال عن قطر، فلم يجد الجمهور حرجاً في تأييد لاعبين مغاربة عرب سواء كانوا يلعبون في نادي اسباني أو بريطاني، ولم يتشكك الجمهور بعلم فلسطين الخفاق فوق رؤوسهم رغم أن نظامهم السياسي في المغرب نظام تطبيع، تمكن الناس بسلاسة من الفصل بين الشعب والسياسة وبالبعد ذاته تم الادماج بين النصر الكروي والسياسة ..إلا قطر، دفعت مليارات الدولارات ولم تتمكن من تجاوز الشك الدفين لدى مساحات شعبية ارتبطت دون قرار سياسي ببعضها .
وبحثت عن أجوبة انطلاقاً من مأساة سورية الحديثة المستحدثة ..وسؤال سهل وصعب في آن واحد اشترك الاخوة في وضع يوسف في الجب فلماذا بقيت قطر هي العقدة؟
هل لأنها استخدمت عميلاً موسادياً لدس السم في العسل والتنظير على العروبة واعادة اغتيال محمد عابد الجابري ومالك بن نبي وزكي الأرسوزي وحتى جمال عبد الناصر.. تمهيداً لاغتيال سورية قلب العروبة.
هل لأنها استكملت المشروع البريطاني لتفكيك الإسلام عبر إعادة انتاج سيد قطب وأمثاله عبر تنظيم (جبهة النصرة) هل لأنها شكلت أداة الولايات المتحدة في شحذ نصل حلف الناتو عبر التلاعب بالتاريخ بإحياء العثمانية الممتدة حتى حدود الصين من فصائل السلطان مراد حتى الحزب التركستاني؟!
هل لأنها لم تكتف بفعلها في تجنيد وشراء العملاء وتوظيفهم ضد بلدانهم وإنما أمعنت في ظهور مدروس لأحد كبار دبلوماسييها معترفاً بأضخم عرض إعلامي لحجم الثروة التي أنفقوها على تدمير بلدي سورية؟!
هل لأنها دمرت الحلم العربي باستخدام النفط ضد الكيان الغاصب لأرضنا لعلنا نستعيد بعض حقنا وأرضنا واستخدمته كسلاح استراتيجي ضدنا ولصالح العدو ..
هي بعض تساؤلات بسيطة سهلة الأجوبة، لمن يستغرب كيف لم نسامح مشخصاتي سوري تزلف لمولاه أمير قطر، رغم التسامح مع آلاف الضالين والضالات.
خاص وكالة رياليست – ميس الكريدي – كاتبة وإعلامية – سوريا.