مرة أخرى تُقرع طبول الحرب بين البلدين والشعبين الكبيرين المغرب والجزائر، مرة أخرى تمر العلاقات بينهما بمنعطف شديد الخطورة، وضع يقترب من الدخول في المربع الأحمر للتوترات والخلافات السياسية والدبلوماسية، لكن هناك دائماً اتجاه قوي لدى الطبقة البيروقراطية في كلا البلدين، الكل يريد أن تكون له اليد العليا والكلمة الأخيرة.
مع وصول عقارب الساعة عند الخامسة من صباح يوم “18 مارس/آذار الجاري” سيطرت السلطات الجزائرية على واحة تسمى العرجا والتي تقع على الحدود بين الجزائر والمغرب قرب مدينة فكيك المغربية، جنوب غرب الجزائر، وجنوب شرق المغرب، ووفقاً لاتفاقية ترسيم الحدود الموقعة بين البلدين بشأن ترسيم الحدود بين البلدين في عام ١٩٧٢، حيث تحتوي واحة العرجا ما يزيد عن ٤٠ ألف شجرة من الزيتون والنخيل، حيث سبق وأن صدر في الأسبوع الماضي قرار من السلطات الجزائرية بمغادرة الفلاحين المغاربة الذين يتكسبون قوت رزقهم من زراعة تلك الأشجار منذ زمن بعيد، وقد تظاهر هؤلاء الفلاحين حاملين كافة الأوراق والمستندات التي تثبت حقهم وملكيتهم لتلك الأراضي، والتي توارثوها من أجيال قديمة، وأن العرجا تابعة لمدينة فكيك وأهلها الذين هم في الحقيقة أقدم من كلا البلدين (استقل الجزائر عام ١٩٦٢)، وكانت السلطات الجزائرية قد بررت ذلك القرار بزيادة نشاط كميات كبيرة من الحشيش في تلك المنطقة ودخولها إلى الجزائر، وأيضاً بناءً على قرار السلطات المغربية مؤخراً بالسماح وترخيص زراعة القنب بالمغرب.
في الحقيقة، إن الخلافات المغربية – الجزائرية منذ سنوات طويلة، (حيث أن الحدود مغلقة بين البلدين منذ عام ١٩٩٤، وآخر اجتماع بينهم كان في عام ٢٠٠٥)، وعلى وجه الخصوص منذ عام 1975، مع انسحاب الإسبان من صحراء المغرب عام ١٩٧5، وخروج المسيرة الخضراء في ٦ نوفمبر/تشرين الثاني ١٩٧٥ بدعوة الملك الراحل الحسن الثاني، والتي خرج بها أكثر من ٣٥٠ ألف مغربي متوجهين إلى الصحراء، والذي أعقبها قيام جبهة البوليساريو (بدعم من الجزائر) عام ١٩٧٦ بالمطالبة بقيام جمهورية عربية صحراوية ديمقراطية، وإجراء استفتاء لتقرير المصير.
ومنذ ذلك الحدث والعلاقات الجزائرية – المغربية تشهد توترات تتصاعد بين الحين والآخر، تشبه الحرب الباردة، حيث أن كلا الطرفين يتربص للآخر، وفي لقاء تلفزيوني مع الرئيس المصري الراحل حسني مبارك مع المذيع عماد الدين أديب، تناول معه تفاصيل المهمة التي كلفه بها الرئيس الراحل أنور السادات بعد عدة أشهر من تولي منصبة كنائب للرئيس، وكيفية نجاحه في نزع فتيل الحرب بينهما ونجاح التوسط في تهدئة الأوضاع بين المغرب والجزائر.
كما أنه في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من عام ٢٠١٨ وفي حديث تلفزيوني، للملك محمد السادس، والذي خلف والده منذ يوليو/تموز ١٩٩٩، والذي ورث تلك العلاقات المتوترة دائماً، فقد دعا إلى إنشاء آلية سياسية عليا لحل كافة المشاكل والخلافات بين البلدين والعمل على سرعة حلها من أجل إقرار سلام دائم بين كلا الشعبين العربيين الشقيقين .
إلا أنه بين الحين والآخر تظهر تصريحات سياسية ودبلوماسية من كلا الجانبين تزيد من حدة تلك التوترات، منها ما صدر عن القنصل العام المغربي في مدينة وهران ثاني كبرى المدن الجزائرية غرب البلاد في ١٣ مايو/ أيار الماضي، عندما أثار مقطع فيديو صُوّر من هاتف ذكي أمام حشد من المواطنين المغاربة الراغبين والمطالبين بالعودة إلى المغرب، في محاولة لتهدئتهم، بأنهم في بلد معادية، وقد نفت السلطات المغربية تلك التصريحات وأعلنت أن هذا المقطع مزور، وذلك على لسان السفير المغربي بالجزائر والذي تم استدعاؤه من قبل وزارة الخارجية الجزائرية وفقاً للأعراف الدبلوماسية في حينه.
كما في يونيو/حزيران الماضي وخلال مؤتمر دول عدم الانحياز – NAM صرح وزير خارجية المغرب ناصر بوريطة بضرورة العمل على إحياء مبادرة الملك محمد السادس نحو التسريع بإنشاء آلية لحل الخلافات بين البلدين والمشار لها آنفاً، وذلك رداً على ما جاء بكلمة الرئيس الجزائري المنتخب الحالي عبد المجيد تبون بأن الصحراء المغربية أرض محتلة.
وزادت التوترات حدة، ومن المنتظر أن تزداد، في أعقاب اعتراف الإدارة الأمريكية السابقة والرئيس السابق دونالد ترامب بتبعية الصحراء المغربية للمملكة المغربية مقابل اعتراف المغرب وتطبيع العلاقات الكاملة مع دولة إسرائيل.
وكما فعلت دولة الإمارات العربية والبحرين والسودان، بناءً على ما يسمى اتفاقيات أبراهام أو (اتفاقيات السلام) ، وهو الذي رحبت به وأيدته الإدارة الأمريكية الجديدة والرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن ونائبه كمالا هاريس، ومنذ ذلك الحدث والمناوشات والتوترات في تصاعد بأشكال وصور مختلفة ومتنوعة، أخطرها ما يتم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي واسعة الانتشار والتأثير الشعبي والجماهيري بالسخرية من القيادة السياسية في كلا البلدين، تمثلت في برنامج تلفزيوني بث عبر التلفاز الجزائري يسخر من الملك محمد الثاني وحالته الصحية والتطبيع وحياة البذح والرفاهية التي يعيشها، وعلى الجانب الآخر أيضاً، انتشرت مقاطع الفيديو التي تتناول الحالة الصحية للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خاصة بعد إصابته بفيروس كورونا وسفره إلى ألمانيا للعلاج، وتعافيه منها.
وتشير بعض التقارير مؤخراً حول تصريحات بعض قادة المسلحين التابعين لقوات البوليساريو أنهم بصدد شن هجوم مسلح على القوات المسلحة المغربية بالصحراء رداً على قرار الولايات المتحدة الأمريكية الاعتراف بتبعية الصحراء المغربية للمغرب، وفي ضوء قيام السلطات المغربية بطبع خرائط جغرافية للمملكة تتضمن الصحراء، ماذا يلزم لوأد تلك الحرب قبل اشتعالها؟
أولاً، على القيادة السياسية والدبلوماسية في كلا البلدين تحمل مسئوليتها قبل شعبيهما والتاريخ والبعد عما يمس أرزاق وقوت المواطنين الذين يكدحون من أجل عيشة طيبة كريمة، والبعد عن اللعب بالنار، خاصة في ظل ظروف وأوضاع اقتصادية صعبة تمر بها المنطقة والعالم بأكمله.
ثانياً، ضرورة تدخل المنظمات الدولية وخاصة الأمم المتحدة والجامعة العربية والاتحاد الأفريقي لوضع حد سريع وعاجل لحل الخلافات العالقة بين البلدين، قبل نشوب أي صراع، لأن حدوث أي صراع، سوف يدخل البلدين بل ودول المغرب كلها في صراع ونفق مظلم، وبالتالي يجب تجنب تكرار سيناريوهات العراق وسوريا واليمن وليبيا ولبنان، وعدم ترك المنطقة والدولتين لأطماع القوى الكبرى والتي يعلمها الجميع.
ثالثاً، مناشدة القوى المدنية والشعبية التي لها دور هام وحيوي في كلا البلدين نحو العمل سريعاً لتهدئة الأوضاع، والعمل على منع نشوب أي صراع مسلح، خاصة وأن البلدين تجمعهما علاقات اجتماعية وثقافية وتاريخية قوية، فضلاً عن الروابط العائلية والأسرية القوية بين الشعبين.
بالنتيجة، هذا ما نأمل تحققه عاجلاً وسريعاً من أجل حاضر ومستقبل الشعوب في دول المغرب العربي العزيز والغالي علينا جميعاً.
خاص وكالة “رياليست” – د. خالد عمر.