لم يعد خافياً على أحد التمدد التركي في الداخل الليبي، والتدخل المباشر في مسرح العمليات سواء على الصعيد السياسي أو العسكري، إلا أن اللافت هو دخول قطر على خط الأزمة الليبية بشكل علني، بعد أن كان دورها مقتصراً على التنسيق في الخفاء أو من تحت الطاولة.
قواعد تثبيت
بعد أن قامت تركيا بإنشاء قاعدة عسكرية جوية لها في مطار الوطية، تعمد الآن إلى إنشاء قاعدة عسكرية جديدة لها في مدينة مصراته، مستغلة الاتفاق الموقع بينها وبين حكومة الوفاق الليبية. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فهناك معلومات تتحدث عن وصول 5 فرقاطات عسكرية تركية إلى قبالة سواحل مدينة سرت الليبية، وأنباء عن هجوم تركي وشيك، لم يتم التأكد من مدى صحة هذا الأمر، لكن شهود عيان من ليبيا أكدوا وصول الفرقاطات التركية إلى السواحل الليبية.
هذا ما أكده اللواء أحمد المسماري، الناطق باسم قوات شرق ليبيا، بأن هناك إستعداد تركي – قطري لهجوم على مدينة سرت، كما انه أشار إلى أن حكومة الوفاق عمدت مؤخراً إلى إدماج الإرهابيين في حكومتها، المؤشر الخطير خاصة أن ولاءهم سيكون للمال مقابل تدمير ليبيا.
إن الأوضاع المستجدة، بدأت تتوضح مع الزيارات التركية المستمرة إلى العاصمة الليبية طرابلس، فلقد زارها مؤخراً، وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، تحت عنوان مناقشة القضايا الأمنية مع حكومة الوفاق، إلا أن التطورات تتحدث عن عملية عسكرية مرتقبة وقاعدة عسكرية جديدة ودخول قطري جديد عبر إرسالها لمقاتلين بحجة مساعدة قوات الوفاق في المعارك الدائرة على الأراضي الليبية، ملفات تحتاج تنسيق تركي رفيع المستوى، إذ يبدو أن فائز السراج ممثل حكومة الوفاق يعتمد في إدارة بلاده على تركيا سواء عسكرياً أو إقتصادياً.
ماذا يعني دخول قطر العلني إلى ليبيا؟
يبدو أن الأوضاع في ليبيا لا تحتمل أي تأخير، فبعد أن أرسلت الأمم المتحدة رسالة تسأل فيها الحكومة التركية عن مصادر تمويل وتدريب الإرهابيين والتحقيق في ذلك، تحاول تركيا اليوم أن تسبق المجتمع الدولي بخطوات عديدة، تجنباً لأي تبعات مستقبلية وهذه حسابات سياسية ذكية يناور بها النظام التركي، ولكي لا تتحمل المسؤولية وحدها أقنعت الدوحة بالدخول العلني والإنخراط في الملف الليبي، فلقد أعلن خالد المشري رئيس المجلس الاستشاري في حكومة الوفاق، “أن حكومة الوفاق بقيادة فائز السراج و”حلفائها من تركيا وقطر” على استعداد لبسط سيطرتها ونفوذها على كامل الأراضي الليبية”، مضيفاً، “نحن مستعدون لبسط نفوذ حكومة الوفاق بالتعاون مع حلفائنا على كامل التراب الليبي طبقا لبنود الاتفاق السياسي الذي يلزم حكومة الوفاق بأن تكون مسيطرة على كل ليبيا”.
اللافت أن هذا التصريح جاء بعد المشري مع وزير الدفاع القطري خالد العطية، ووزير الدفاع التركي خلوصي آكار، فالإصرار على السيطرة على كل الأراضي الليبية، والتشديد على ذلك من وراء هذا التحالف، قد يكون لضرب ونسف الإتفاقية البحرية بين مصر واليونان أيضاً، ولذلك عادت مدينة سرت وإنشاء قاعدة عسكرية تركية جديدة في مصراته إلى واجهة الأطماع التركية، بمساعدة قطر حليفتها الأقوى وخزان الدعم المالي للإرهابيين الذين تستقدمهم تركيا سواء من الشمال السوري أو من الصومال مؤخراً.
تدمير البلاد
رغم كل الصعاب التي يتعرض لها الوطن العربي خاصة الدول التي حدث فيها ربيع عربي تحول من ثورات سلمية إلى دمار وخراب كالحالتين السورية والليبية، أن خرج أحد من المتحكمين من أهل تلك البلاد، بأن يتم تجنيس الإرهابيين ومنحهم جوازات الدول الوطنية لهم، لكن هذا حدث حقاً وبشكل علني، فلقد سلمت حكومة الوفاق بعض الإرهابيين مناصب رفيعة في حكومتها، وجعلت من المرتزقة السوريين شرطة يصولون ويجولون في مدنها دون أي شعور بالحس الوطني التي يجب أن يكون موجوداً لدى كل مواطن بشكل عام.
الآن، وخلال مفاوضات بين وزيري دفاع تركيا وقطر مع رئيس حكومة الوفاق فايز السراج، أنه تم اتخاذ قرار بإصدار جوازات سفر ليبية لمرتزقة أجانب في طرابلس، حيث تم الاتفاق في هذه المفاوضات على منح الجنسية الليبية لإرهابيين من سوريا والصومال وتونس وسيتم تدريبهم في قاعدة الوطية الجوية بدعم مالي من قطر.
على المقلب الآخر، وقطعاً للطريق على كل المحاولات الأجنبية قال مجلس النواب الليبي وعلى لسان رئيسه “عقيلة صالح”، حول إقتراح بدء هدنة في ليبيا، أيضا من شأن هذا الأمر أن يسهل عملية إستئناف إنتاج النفط، الأمر الذي رحبت به روسيا حتى وإن كان على نطاق محدود، لكن تذرعت الوفاق أنها مع هدنة بسبب الحس الوطني والشعور بالمسؤولية جراء تفشي فيروس “كورونا” في البلاد.
ترحيب بالهدنة
عبر المجلس الاجتماعي لقبائل ورفلة عن ترحيبهم بإعلاني وقف إطلاق النار الصادرين عن رئاسة مجلس النواب والمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، لربما هذا هو المتنفس الوحيد للشعب الليبي في هذا الصيف الحار وسط إشتداد المظاهرات الغاضبة جراء إنقطاع الكهرباء الدائم وغير ذلك من تردي الخدمات في مناطق سيطرة الوفاق.
وتأمل القبائل أن يتم احترام جميع الاتفاقيات الضرورية وعدم انتهاكها، وسيسهل وقف إطلاق النار نزع السلاح وإيجاد حل سلمي للأزمة الليبية.
من هنا، لا تزال الجهود المبذولة في طريق الحل السلمي في ليبيا خجولة ولا ترقى لمستوى الملفات الدولية أو الإقليمية الأخرى، إذ يبدو أن الجميع لا يرغب بضرورة الحل السياسي وتغليبه على العسكري، لكن من الطبيعي القول إن مؤشر الصراع إتخذ منحىً تصعيدياً جديداً بعد الدخول القطري العلني، فيما لا تزال روسيا تحاول إثبات عدم تدخل قواتها في هذا الصراع حتى الآن، بينما تركيا باقية وتتمدد وما الحديث عن إقتحام مدينة سرت إلى بداية لهذا البقاء.
فريق عمل “رياليست”.