أدى رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد دبيبة ووزرائه اليمين الدستورية أمام مجلس النواب بمدينة طبرق، وسط حضور دولي موسّع، يضم ممثلين من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وبعض سفراء الدول الشقيقة والصديقة سواء بالحضور شخصياً، أو عبر تطبيق “الزوم”، طبقاً للمعلومات، في وقت علّق الليبيون آمالهم وتطلعاتهم على أن تنهي هذه الحكومة كل الأزمات التي تعترض طريق الحل الأزمة الليبية.
خطوات متسارعة
ما إن اكتسبت الحكومة الانتقالية الجديدة شرعيتها ومُنحت الثقة حتى سارعت إلى البدء بجولاتها الرامية إلى تذليل كل الصعوبات التي كانت تعترض طريق حل كل الأزمات السياسية، بما فيها العسكرية، وفي أولى مهام هذه الحكومة أن بحث رئيس الحكومة دبيبة مع لجنة 5+5 العسكرية بمدينة سرت تطورات عملية فتح الطريق الساحلي وخطة التأمين بعد فتح الطريق.
هنا يبدو أن الاهتمام منصب على تذليل العقبات بين قيادات شرق وغرب ليبيا، واختيار سرت ليس عبثياً أو من باب الترف السياسي، بل على العكس تماماً هذه المدينة كانت تشكل منذ أيام احتدام المعارك بين الفريقين المتقاتلين أهمية كبرى، حتى بالنسبة للقوى الأجنبية المتدخلة في الأزمة الليبية وفي مقدمتها تركيا، إذ أن اختيارها في هذا التوقيت وهذه التطورات والتي أهمها تشكيل حكومة جديدة يشير إلى أن المواقف التي كانت مدرجة سابقاً كخلافات تم تذليلها بمجيء مسؤولين جدد إليها، لمناقشة فتح الطريق الساحلي وتأمينه خاصة وأن هذا الأمر مرتبط بدور الجيش الوطني الليبي وكل الترتيبات ستكون بإمرته وتحت إشرافه، وبالتالي هذا الأمر بطبيعة الحال سيمهد لموضوعين أساسيين وهما وقف إطلاق النار بشكل دائم، إضافة إلى سحب القوى الأجنبية والمرتزقة كأحد أهم بنود الاتفاق ونجاح الحكومة في مهامها الأولية.
وزارة بلا وزير
من المعروف أنه ورغم تسلم الحكومة الجديدة لمقاليد السلطة، لكن هناك عقبات حقيقية تعترض أدائها والذي سيكون صعباً مهما حاول البعض تجميل الأوضاع حلها، ورغم توزيع الحقائب السيادية وتسميتها، لا تزال وزارة الدفاع شاغرة، رغم أن دبيبة يتولاها لنقل كمنصب لتصريف الأعمال في الفترة الحالية حتى تعيين وزير ثابت لها، لكن لماذا لم يتم تعيين وزير دفاع إلى الآن؟
إن توافق الأقاليم الثلاثة في ليبيا يبين أن هناك أجندات معينة تخضع لكل إقليم، ويريد كل إقليم أن يأخذ حقيبة هذه الوزارة لشخص من طرفه، ما يعني أن هناك خلافات معينة حول الأسماء المقترحة، ورفض غير معلن، القيادة الغربية على سبيل المثال لا تريد لهذه الوزارة أن تكون من نصيب أحد من المنطقة الشرقية وبالعكس، وبالتالي شغور هذا المنصب من شأنه أن يخلق مشاكل مستقبلية إن لم نسمع بها اليوم، ستتوضح في القادم من الأيام، وهذا من جهة.
من جهة أخرى، هناك اليوم في ليبيا أكثر من 20 ألف مقاتل أجنبي وهو رقم ضخم ومن شأنه أن يقلب الطاولة إذا ما تم تحريكه لإحداث شروخات معينة هنا أو هناك، ومسألة إخراجهم لو توفرت الإرادة الحقيقية لكان نقلهم من حين الاتفاق حتى اليوم قد انتهى، لكن هناك من يريد المساومة من خلالهم والتحفظ بهم في حال حدث أي تطور ما، الحكومة مُنحت الثقة، لكن الملفات العالقة تثبت أن لا ثقة بين الأطراف حتى الآن وإلا لبدأوا بحل الأمور الأهم لا تأجيلها، نظراً للحساسية الكبرى لها.
هذا الأمر سيعقد دور الحكومة الجديدة إذ تكمن المشكلة الحقيقية في أن ممثلي غرب ليبيا وشرقها يختلفون على تفسير مفهوم “المرتزقة” والفصائل الأخرى التي تتخذ أسماء مختلفة بين قوات أمن وقوات ردع وما شابه ذلك، فبينما يطالب ممثلو الغرب بانسحاب مقاتلي شركة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة، وكذلك المرتزقة من السودان وتشاد، يعارض ممثلو الشرق وجود القوات التركية في ليبيا والمرتزقة السوريين الذين تنشرهم أنقرة في هذا البلد. لذلك، لم يتضح بعد كيف سيتم حل هذه المشكلة، رغم المطالبات الحثيثة بحلها، والمتوقع أن يكون هذا الأمر هو الخلاف الأول الذي قد ينسف كل الجهود السابقة إن أراد أحد نسف ما توصل إليه الليبيين مؤخراً.
سياسة الأمر الواقع
خرجت إشاعات كثيرة تتحدث عن احتمال أن يكون لوزير الداخلية الليبي في حكومة الوفاق فتحي باشاغا منصباً ما في الحكومة الجديدة، أو على الأقل البقاء في منصبه كوزير للداخلية، وما زاد فرصه في ذلك، حادثة الاغتيال الأخيرة التي تعرض لها ونجاته منها، لكن ما الذي حدث؟
صرح باشاغا في كلمة له خلال مراسم تسليم السلطة من حكومة الوفاق إلى حكومة الوحدة الوطنية في العاصمة طرابلس قائلاً: (لم يعد هناك أي مجال لحكم الليبيين بالقوة، وما نشهده اليوم يعكس إرادة كل الليبيين، أقمنا اليوم المعرض الأول لمناشط وزارة الداخلية لعامي 2019 – 2020، قمنا خلاله بعرض التقارير الختامية لأنشطة الوزارة بمختلف أجهزتها وإداراتها ومكوناتها، لقد بذلنا جهدنا لخدمة المواطنين، ولقد حققنا ما حققناه بفضل الله ثم جهود وتكاثف الضباط وضباط الصف والموظفين بوزارة الداخلية، لقد استلمت في أكتوبر 2018 أمانة كبيرة أسلمها اليوم للسيد خالد مازن وزير الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية)، موجهاً اعتذاراً للشعب الليبي عن أي تقصير أو خطأ صدر منه خلال تأدية عمله، مؤكداً أن غرضه كان ولايزال خدمة ليبيا، مبدياً استعداده للمسائلة عن أي تجاوزات حدثت.
هذا يعني أن باشاغا قبل هزيمته بروح رياضية، لكن هناك أمر بغاية الأهمية وهو أنه أصدر تعليماته لجميع القطاعات الأمنية بوزارة الداخلية إلى التعاون مع وزير الداخلية بحكومة الوحدة خالد مازن، لمواصلة جهود الوزارة في أداء عملها، ما يعني سيطرته المطلقة على هذه الوزارة وقدرته على التحكم بها حتى ولم يكن هو الوزير، وهذه المسألة يجب التنبه لها خاصة وإن حدثت انقلابات مستقبلية في ليبيا.
أخيراً، المؤشرات تقول إن القيادتين الشرقية والغربية منحت فرصة لليبيا الجديدة بأن تمارس صلاحيات جديدة في ضوء التطورات الأخيرة، ما يدلل على ذلك على سبيل المثال، أن مديرية المخابرات العسكرية في حكومة شرق ليبيا منحت لرئيس أركان البحرية وهيئة الموانئ إذن السماح للسفن التي ترفع العلم التركي بالرسو في الموانئ مع التأكيد على مراعاة البروتوكول الأمني وفق التشريع الحالي، هذا يبين أن لا بادرة حسن نية أفضل من ذلك، وعلى القوى الأجنبية خاصة الأمم المتحدة تقدير هذا الأمر لأن ذلك مقدمة حقيقية لتذليل كل العقبات لكن طريق الحل لا يزال طويلاً، وإن بدا في شكله الحالي أن الأمور في خواتيمها.
فريق عمل “رياليست”.