اقتربت ليبيا من تهيئة الأجواء لمنح الحكومة الانتقالية الثقة التي ستتم مناقشتها في مدينة سرت اليوم الاثنين 8 مارس/ آذار الجاري، بعد أن سلم رئيس الحكومة عبد الحميد دبيبة، رئاسةَ مجلس النواب الأسماء المقترحة لتشكيلة حكومته الجديدة، تمهيداً لمنحها الثقة.
قبول مبدأي
سلم رئيس الحكومة الانتقالية عبد الحميد دبيبة رئاسة مجلس النواب، الأسماء المقترحة لتشكيلة حكومته تمهيداً لمنحها الثقة، حيث من المقرر أن يجتمع أعضاء البرلمان اليوم الاثنين، في مدينة سرت الواقعة على خط المواجهة ويسيطر عليها الجيش الوطني الليبي، للمصادقة على الحكومة المقترحة، بعد أن قرر مجلس النواب في طبرق منتصف فبراير/ شباط الماضي عقد جلسة منح الثقة للحكومة الجديدة في مدينة سرت، إذ أن هذا الإنجاز لم يأتِ بسهولة بل قاده دبيبة بروح قتالية عالية حتى وصل إلى ما وصل إليه، من خلال وضع أسماء بحسب المعلومات أنها تشمل الأقاليم الثلاثة الليبية (شرق وغرب وجنوب)، وذلك على الرغم من الدعوات كدعوة فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي الليبي لتسيير الأعمال، الذي طالب وزراء حكومته ورؤساء الهيئات والمؤسسات العامة بعدم التواصل مع قيادات الحوار الوطني قبل اكتسابها شرعية العمل السيادي، كما وشدد السراج على عدم عقد رؤساء الهيئات والمؤسسات الاجتماعات لقاءات دون إذن، مؤكداً “احترام مخرجات العملية السياسية القائمة لانتقال السلطة وتوحيدها”.
تأتي مطالبة السراج بذلك بناءً على الرغبة في النأي بالمؤسسات والجهات العامة عن التأثر بالعملية السياسية القائمة قبل موعد الاستحقاقات المقررة، منبهاً إلى ضرورة الالتزام بضوابط العمل داخل المؤسسات العامة، طبقاً للمعلومات.
الطلب الوحيد المتفق عليه هو التوزيع العادل للحقائب بحيث تشمل جميع الأقاليم الليبية، فكان الحديث عن تشكيل قائمة كبيرة تضم 35 شخصاً بناءً على اقتراح رئيس الحكومة المؤقتة، ولا تزال المفاوضات مستمرة حول إمكانية تقليص العدد قبيل منح الثقة، لكن خرجت بعض التسريبات التي تقول إن حقيبة وزارة الخارجية ستُمنح للمياء بوسدرة، وزيرة الثقافة السابقة، وسيتم تعيين خالد مازن وزيراً للداخلية، وسيشغل دبيبة نفسه منصب وزير الدفاع، كما وتضم القائمة نائبين لرئيس الوزراء من شرق ليبيا وغربها.
وإلى الآن يبدو أن الأمور تسير وفق المخطط الذي تم رسمه خلال جولة مفاوضات بين الليبيين في جنيف أوائل فبراير/ شباط الماضي في جنيف، التي أفضت إلى تشكيل حكومة انتقالية مؤقتة تكون حكومة تسيير أعمال حتى موعد الانتخابات العامة الوطنية المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر/ كانون الأول القادم.
الموقف الدولي
هناك ترحيب دولي واسع جداً من كل الأطراف بهذه الخطوات الإيجابية بعد سنوات من الفوضى والاقتتال، وكما كنا نشير سابقاً يجب إكمال كل البنود المتفق عليها من وقف إدخال الأسلحة واستمرار وقف إطلاق النار إضافة إلى خروج القوى الأجنبية والمقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية، وبالفعل تم البدء بمعالجة هذه الأمور، من خلال إرسال فريق أممي لمراقبة وقف إطلاق النار كخطوة أولى.
ورحبت ألمانيا وفرنسا بالتطورات الأخيرة في ليبيا، كما جاء في بيان على موقع وزارة الخارجية الألمانية ومما جاء فيه أن: (وزير خارجية ألمانيا هايكو ماس، اتصل بنظيره الفرنسي جان إيف لودريان، وأكدا على أهمية تنظيم الانتخابات الليبية في 24 ديسمبر/ كانون الثاني المقبل من أجل التقدم في العملية السياسية)، بدورها أثنت السفارة الأمريكية في بيان على هذه التطورات، مؤكدة أن ليبيا بحاجة ماسة لمنح الثقة بأسرع وقت ممكن من أجل الاضطلاع بمهامها واتخاذ إجراءات عاجلة، حيث قال السفير الأمريكي، ريتشارد نورلاند، في بيان على “تويتر”: “هنالك حاجة لاتخاذ إجراءات عاجلة من جانب القادة الليبيين لتمويل الإصلاحات اللازمة في قطاع الكهرباء وغيره من المجالات الرئيسية الأخرى، إن تصويت مجلس النواب بمنح الثقة للحكومة المؤقتة الجديدة مطلوب بشكل عاجل حتى تتمكّن من مباشرة مهامها، وهنا تجدر الإشارة إلى نقطة مهمة وهي أن مصر عرضت على ليبيا تزويدها بالكهرباء إن أرادت ذلك.
روسيا أيضاً رحبت بهذا الإنجاز بحسب تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرجيه لافروف عند لقائه المبعوث الأممي إلى ليبيا يان كوبيش، حيث عرض لافروف أن تقدم روسيا كل المساعدة الممكنة إن طلب منها لتقديم الدعم للحكومة الجديدة من خلال ما ستقوم به من إصلاحات في الفترة المقبلة.
إلى ذلك، رحب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال محادثة فيديو مع المستشارة أنجيلا ميركل، قائلاً ان الأولوية اليوم أن تسارع الحكومة الليبية الجديدة في أداء مهامها فور منحها الثقة.
المهام الإصلاحية
من السابق لأوانه نقد هذه العملية قبل أن تبدأ، إذ لا يمكن معرفة أداء الحكومة الجديدة حتى يتم منحها الثقة، والبدء بقيامها بكل الإصلاحات وتفعيل دور المؤسسات وتغليب الروح الوطنية على الانقسامات التي عانت منها البلاد طوال السنوات الماضية، وطالما كان هناك التزام بخارطة الطريق المحددة في الاتفاق السياسي، وبالإجراءات المحددة لتسليم تشكيلة الحكومة، يعني أن الأمور تسير على الطريقٍ الصحيح، وهذا كله من حيث الشكل أكثر من جيد، لكن الشقاق الدولي والانقسامات الدولية بين مؤيد لشرق ومؤيد لغرب، لم يتحدد بعد كيف سيتم التنسيق في هذه الجزئية خاصة وأن هناك قواعد لقوى أجنبية على الأراضي الليبية، وهناك حالة رفض من بعض الأطراف حيال الوجود التركي في ليبيا، وإلى الآن لم يتم الحديث عن هذا الوجود ولا عن دور الميليشيات التي تقوم ببعض العمليات هنا وهناك، وهل ستبقى ليبيا دولة ذات سيادة لكن تحت وصاية ورقابة أممية أم سيتوقف ذلك مع تشكيل الحكومة الدائمة أواخر هذا العام.
كل هذه التساؤلات موضع جدل وقائمة، ومشروعة، فإن لم يتم البت فيها، ليس أسهل من عودة الاقتتال وتهديم كل هذه الجهود، إن بقي الوضع على حاله، فإذا كان الدور الأممي مضطلع فعلاً بمهامه عليه إيجاد حلول لهذه المشاكل، والتي منها على سبيل المثال، من المستحيل أن تسمح حكومة شرق ليبيا للأتراك بأن يقتربوا من سرت أو الجفرة، ومن المستحيل أن يسمحوا لشركات تركية بأن تستثمر بالنفط الليبي، وغير ذلك الكثير، فكل هذا الوضع لا يزال مهدداً، وهذا الإنجاز لا يزال جنيناً، يحتاج رعاية وعناية خاصة، أو لا أحد يعلم كيف ستكون النهاية، فالمدة الزمنية قصيرة، وأي خلل قد ينسف كل ما تم بذله في الفترة الماضية.
أخيراً، إن الأمور تجري كما هو متوقع، والموافقات المبدئية توحي بأن الجميع تواق للاستقرار، لكن كما ذكرنا أعلاه، هناك أمور مهمة لا يجدر إهمالها أو التأخر فيها، لأنها قد تنسف كل شيء وبأسرع مما هو متوقع، فكما استطاع المجتمع الدولي إيصال الأمور إلى خواتيمها، إن لم يجد حلولاً سريعة لإخراج الأجنبي والمرتزقة، نحن أمام مرحلة خطيرة، فما تعيشه ليبيا اليوم هو أنها تقف بين الاستقرار واللااستقرار، لكن ما بعد منح الثقة كلام آخر.
فريق عمل “رياليست”.