الحوار الليبي بكل تشعباته حافظ على وقف إطلاق النار، وخفّف التصعيد الإعلامي بين أطراف النزاع في ليبيا، إلى جانب الإفراج عن معتقلين بين الجيش الوطني وحكومة الوفاق، مع تأكيد كل الأطراف إلى ضرورة التوصل لحلٍّ ليبيٍّ خالص دون تدخلات أجنبية، إذ لا يزال مسار الحوار بين الفريقين قائماً للاتفاق على تنظيم آلية الانتخابات المقبلة وغيرها من الملفات.
وقد أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بدء فترة تقديم الترشيحات لمناصب المجلس الرئاسي والتي ستستمر أسبوعاً واحداً وتنتهي في 28 يناير/كانون الثاني الجاري.
اجتماعات متسارعة
توصلت الأطراف الليبية التي اجتمعت في مدينة الغردقة المصرية بحضور أعضاء مجلس النواب ومجلس الدولة الليبيين وبرعاية البعثة الأممية بليبيا إلى إجراء استفتاء حول الدستور قبل الانتخابات المقرر تنظيمها في 24 كانون الأول/ديسمبر 2021، حيث من المفترض أن تضع هذه المحادثات الأسس القانونية لتنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة، ليكتمل المشهد مع اجتماعات بوزنيقة والتي كانت قد بدأت منذ بضعة أشهر، وفي نسختها الأخيرة جاءت لفتح باب الترشح لعضوية السلطة التنفيذية للمرحلة التحضيرية للانتخابات المقبلة.
وكانت قد أصدرت الخارجية المصرية بياناً، قالت فيه: (إن الأطراف الليبية المجتمعة في الغردقة اتفقت على إجراء استفتاء حول الدستور قبل الانتخابات المقرر تنظيمها في 24 كانون الأول/ ديسمبر 2021. ومن المفترض أن تضع محادثات الغردقة الأسس القانونية لتنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة)، حيث رحبت الدولة المصرية بالاتفاق في إطار المسار الدستوري تحت رعاية الأمم المتحدة، وأضاف البيان، (تتطلّع مصر لاستضافة الجولة الثالثة والأخيرة للمسار الدستوري في شباط/ فبراير المُقبل بحضور المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا لوضع خارطة الطريق لكل من الاستفتاء والانتخابات).
الجديد في هذا المسار هو أن تسمية أصحاب المناصب يجب أن تتم بصورة عادلة من حيث التوزيع الجغرافي إلى جانب الكفاءة بحسب المعلومات، حيث أنها 7 مناصب توزع على الأقاليم الليبية الثلاثة (برقة وطرابلس الغرب وفزان) مع التشديد على دور الأمم المتحدة في دعم جهود وقف إطلاق النار للاستمرار بالإجراءات السياسية ودعمها أسوةً بالمستجدات المطروحة.
هذه العملية قد تكون هي العملية الحاسمة من بين كل الاجتماعات التي حدثت سابقاً كون التوزيع سيكون حول الأقاليم الثلاثة، الأمر الذي لم يعرف ما إذا سيكون هناك قبول وتوافق حوله، خاصة على الأسماء المطروحة بما يرضي جميع الأطراف، فلقد خرج الصوت الأول مما يسمى “قوة حماية طرابلس والمنطقة الغربية”، التي رفضت مخرجات وطريقة التصويت التي أعلنتها البعثة الأممية في ليبيا بشأن اتفاق أعضاء ملتقى الحوار السياسي على آلية اختيار السلطة التنفيذية الجديدة، حيث اتهمت أعضاء ورئيسة البعثة ستيفاني وليامز المبعوثة الأممية إلى ليبيا بـ”الضغط والاستهتار بمصالح الشعب الليبي” والتدخل لتوجيه مسارات الحوار، حيث عبّرت عن ذلك بأنها رصدت انحرافاً خطيراً حسب زعمها يتعلق بـ “من التجاوزات بدءاً من الطريقة المشبوهة لاختيار بعض الشخصيات المشاركة في الحوار، إلى الطريقة التي يتم بها عرض المقترحات والتصويت، وانتهاء إلى التدخل الشخصي لبعض أعضاء البعثة في توجيه المسار السياسي نحو أهداف معينة لا تخدم مصلحة ليبيا، وإنما تخدم دائرة حزبية ضيقة لن تستطيع الوصول بليبيا إلى بر الأمان”، طبقاً للمعلومات المتواترة، لكن إلى الآن لم تخرج اصوات معارضة أخرى مما يشير إلى أن هناك توافق تام بين الأطراف لاستكمال العملية ونقل البلاد من حالة الفوضى إلى الاستقرار.
حكومة موحدة
تتحد دول العالم اليوم على تبني المسار السياسي الذي توصل إليه الفرقاء حول تشكيل السلطة التنفيذية والتحضير للانتخابات، حيث صدر بيان أوروبي – أميركي مشترك يدعو الفرقاء الليبيين لتبني حكومة موحدة، وضرورة إخراج كل المقاتلين الأجانب دون تسمية الجهات التي تدعمهم، ومواصلة دعم جهود وقف إطلاق النار، وفتح الطريق الساحلي (مصراته – سرت) بشكل فوري الواصل بين شرق وغرب ليبيا، في مؤشر غربي يدعو إلى وحدة البلاد.
ومن المتوقع أن تجتمع اللجنة العسكرية 5+5 مطلع الأسبوع المقبل في مدينة سرت لنقاش الجدول الزمني لانسحاب القوات الأجنبية مع إمكانية تمهيد المهلة اللازمة للانسحاب مدة ثلاثة أشهر إضافية، إلى جانب مناقشة البنود الأخرى التي أشرنا إليها أعلاه.
فإذا نجح هذا الأمر، يمكن القول إن ليبيا اليوم أمام فرصة ذهبية تعيد فيها بناء بلدها وتوحيد مؤسساتها، للانتقال إلى مرحلة أكثر فعالية وإيجابية.
إلى ذلك، أعلنت تركيا أيضاً تقديم كل أنواع الدعم اللازم لإنجاح هذا المسار، بناءً على قاعدة المصالحة الوطنية الشاملة، دون أن تتطرق إلى دورها ما بعد رأب الصدع بين الطرفين المتنازعين وحول وجودها وقواعدها وقواتها، وما إذا كانت ستبقى أو ستنسحب، فالدور التركي مستقبلاً قد يكون النقطة الأكثر خلافية بين الطرفين الليبيين وعثرة كبيرة، في ضوء تمسك حكومة الوفاق بتحالفها معها، لكن إذا أبدى المجتمع الدولي دوراً رائداً في إنجاح هذا المسار، قد يحد من التوسع والتمدد التركي خاصة إذا كان سيرمي إلى نسف جهود كثيرة بذلتها الأمم المتحدة والدول الراعية لهذا المسار.
فلقد أعلن اللواء خالد المحجوب، مدير إدارة التوجيه المعنوي بـ”الجيش الوطني الليبي”، أن اللجنة العسكرية 5+5 بمشاركة ممثلين من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وإيطاليا وتركيا في اجتماعها يوم 20 يناير/ كانون الثاني، خروج جميع القوات الأجنبية (في إشارة مباشرة إلى تركيا) إلى جانب المرتزقة فوراً، وتفعيل حظر السلاح إلى ليبيا مع الإلتزام والتقيد به، إضافة إلى توقيع عقوبات على كل من يحاول عرقلة تنفيذ الاتفاق من أي جهة كانت، دولاً أو أشخاص، البند الأهم إحالة هذه الطلبات إلى مجلس الأمن الدولي لإصدار قرار ملزم تحت البند السابع لتنفيذ جميع ما ورد في مخرجات مؤتمر برلين.
أخيراً، إن تسارع وتيرة جهود الأمم المتحدة ومصر والمغرب وكل الأطراف إلى وضع حد للمأساة الليبية يشي باقتراب إسدال الستارة على العقد الدموي الذي لحق بهذا البلد، من خلال تذليل كل النقاط الخلافية القائمة والتي من المتوقع ألا تكون حجر عثرة فيها إلا تركيا، نظراً لأن شروط حكومة القيادة الشرقية واضحة في هذا الخصوص، يبقى الانتظار حول رد مجلس الأمن بالموافقة وإلا قد تكون هذه الجولة مجرد محاولة غير ناجحة إذا ما نسفت أنقرة الجهود من خلال نواياها البقاء إلى أجلٍ غير مسمى، فهذه ورقة مناورة مقلقة تحتاج حل سريع وإلا النتيجة معروفة للجميع.
فريق عمل “رياليست”.