مع مرور الذكرى الـ 69 لإستقلال ليبيا، تجددت الدعوات المطالبة بإنسحاب القوات الأجنبية وبالأخص “القوات التركية”، ليتركز المشهد الليبي هذا الأسبوع على زيارة وزير الدفاع التركي خلوص أكار للأراضي الليبية، في تحدٍّ تركي واضح للشعب الليبي.
هل تصريح حفتر حول تركيا، للتقارب مع واشنطن؟
من المعلوم أن الرئيس المنتخب جو بايدن، ساخط وبشكل كبير على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهناك حتماً سياسة أمريكية محددة تم خطها من قبل إدارة بايدن لتكون جاهزة مع إستلامه السلطة، ما يعني أن التمدد التركي ومحاولاته إبراز وجوده في مناطق الصراعات من الناحية القانونية مؤخراً لن يكون ذي نفع على أنقرة، فبايدن ليس ترامب، وبالتالي جاء تصريح المشير حفتر خلال خطاب بمناسبة ذكرى الاستقلال، متماهياً مع موقف الولايات المتحدة الأمريكية الجديد، ومن الغباء السياسي عدم إستثماره، وهذا ما فعله الجنرال حفتر، رافعاً الصوت بالقول: “إلى الليبيين، من مدنيين وعسكريين، ارفعوا راية التحرير من جديد، وصوبوا البنادق والقذائف ونيران المدافع نحو العدو المعتدي”، جاء ذلك بالتزامن مع دعوات من مسؤولي الحكومة الليبية الشرعية لتوحيد الصفوف وتغليب صوت العقل والتوافق، بمناسبة الذكرى الـ69 لاستقلال البلاد العام 1951.
إذاً، إن التحشيد العسكري الذي ألمح حوله حفتر، يبين أن خيار عودة المعارك أصبح متاحاً، فالمواجهة المحتملة، أو الضغط باتجاهها، قد يكون مبرراً لبلورة موقف أمريكي – أوروبي يجعل إخراج تركيا من ليبيا ضمن أجندة التوافق الدولي على حل النزاع الليبي، رغم أن الغرب بمجمله ليس مع خيار التصعيد العسكري، لكن إن وقع سيتم دعمه بما لا يتوافق وتطلعات أنقرة وبالتالي، إن زيارة أكار وتوقيتها، ليست تحدٍّ للمشير حفتر وإن بدت كذلك، بقدر ما هي تحدي للولايات المتحدة والغرب الأوروبي، مع تصاعد الخلافات بينهم مؤخراً.
فلقد رأى من يقفون في صف المنطقة الغربية في ليبيا أن حفتر يحاول أن يعيد تموضعه في المشهد السياسي الليبي، وأن تقربه من روسيا لن يكون عاملاً مساعداً له، والغرب حتماً سيفضل تركيا على روسيا من وجهة نظرهم، وهذا تحليل بعيد عن الحقيقة الدامغة التي تقول إن تركيا تعمل على الإستئثار بليبيا لوحدها دونما الغرب، ومهما حصل من إتفاقيات غير معلنة، فلن يستطيع أحد إيقاف الحلم التركي، ولأوروبا تجربه معه في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، في عهد الخلافة العثمانية، فهم يعلمون جيداً ما حقيقة مشروع التمدد التركي، وبالتالي، إن تصريح المشير حفتر جاء من باب قوة وليس من فراغ، إذ ان قواعد الإشتباك ستتغير لصالحه، وهذا ما لا يريد التركي أن يفهمه.
ما أهداف زيارة وزير الدفاع التركي، وماذا عن التوقيت؟
قبل يومين من الآن صرح المشير خليفة حفتر بأن قواته أعدت العدة لطرد كل المحتلين من الأراضي الليبية، وبالطبع تركيا ليست إستثناء، يأتي تصريح حفتر بعد اليقين المطلق بأن الحل السياسي أبعد مما هو متوقع ولا يراد لليبيا أية حلول، وبالتالي، عودة المعارك إلى زخمها، ونستطيع القول إنها تنتظر فقط إشارة البدء، ما يؤكد ذلك هي الزيارة المفاجئة التي قام بها خلوصي أكار على رأس وفد تركي رفيع المستوى، للتقليل من أهمية تصريحات المشير حفتر، وللتأكيد أن القوات التركية باقية في ليبيا وستتمدد، خاصة وأن الرئيس التركي كان قد صرح بتمديد مهام قواته في ليبيا.
حكومة الوفاق تعتبر أن هذه الزيارة أمر طبيعي نظراً لأنها الحكومة الشرعية، وهذه الزيارة في إطار القانون الدولي، هي زيارة شرعية وعلنية ليست سرية، لكنها تحدٍّ صارخ لقوات المنطقة الشرقية، بأنهم موجودين والدور التركي دور أساسي وأنهم لن يقبلوا بتهديدات حفتر لهم معتبرين أن قواتهم موجودة في ليبيا وفقاً لإتفاقية رسمية مسجلة لدى الأمم المتحدة.
فلقد رد أكار بعد وصوله إلى ليبيا ولقائه قواته المرابطة هناك على ما أسماه تهديدات حفتر، بالقول: “ليعلم المجرم حفتر وداعموه أننا سنعتبرهم هدفا مشروعاً في جميع الأماكن بعد كل محاولة اعتداء على قواتنا، مضيفاً، كلام حفتر عن استهداف جنودنا هذيان وإن فعلها فلن يجد مكاناً يهرب إليه”، وهذا التصريح “المشين” برسم حكومة الوفاق التي تنسق وعلى مستوى أممي لإبرام وخط الحل السياسي، بينما تسمح للأجنبي بأن يقلل من شأن إخوتها في الوطن دونما شجب أو إستنكار، ليعني ذلك أن المشير حفتر محق بأن الحل العسكري هو الحل الرئيسي لوقف العنتريات التركية ووضع حد لها، وبذلك، ليبيا ستكون على موعد جديد سيغير من قواعد الإشتباك، لتنتقل المعارك لمواجهة ليبية – تركية هي قاب قوسين أو أدنى.
أخيراً، إن التطورات التي تشهدها ليبيا مؤخراً تشي بأن الأمور ومجرياتها ستتبدل، لا نستطيع الجزم بالقول لصالح من ستكون، لكن فشل الأمم المتحدة في ملتقى تونس والإصرار الليبي على رفض الإسلاميين ورفع الصوت عالياً بخروج القوات التركية، وإعتذار المبعوث الدولي الأخير عن إستلام مهامه في ليبيا، عوامل كثيرة تدفع بإتجاه تغييرات في السياسة الخارجية للغرب مع الملف الليبي، بعد أكثر من عشر سنوات من التجاذبات دونما تحقيق نتائج ملموسة من حكومة منحتها كل الشرعية، فأدخلت التركي ليتمدد، وليصبح الغرب مجرد منظّر على أبواب الأمم المتحدة، بدون أية مكاسب يريدونها من هذا التدخل، المشهد عاد إلى تعقيداته الأولى، لكن الأفضل لليبيا أن يبقى وضعها معقداً على أن تستأثر أنقرة بالثروات الليبية ومقدرات الشعب الليبي، وما تهديدات حفتر إلا بداية لدب الرعب في القوات التركية التي لولا تحصنها بالمرتزقة والإرهابيين لما إستطاعت البقاء في أي مكان ساعة واحدة، ومعركة إدلب السورية أواخر العام 2019 خير دليل على ذلك.
فريق عمل “رياليست”.