أربيل – (رياليست عربي): في خطوة بشأن التغيرات المحتملة في سوريا بعد الأسد، أعلن أحمد الشرع، يوم الأربعاء 12 فبراير/شباط، تشكيل لجنة من سبعة أعضاء للتحضير لما يسمى بـ”مؤتمر الحوار الوطني السوري”. لكن المفارقة تكمن في غياب أي تمثيل حقيقي للمكونات العرقية والدينية والسياسية المتنوعة في سوريا، حيث ضمت اللجنة شخصيات ذات خلفيات عربية وإسلامية موالية لتركيا فقط، متجاهلةً الأكراد، والمسيحيين، والدروز، والعلويين، وغيرهم من الأطراف الفاعلة في المشهد السوري.
إعادة إنتاج الاستبداد تحت مسمى جديد
يبدو واضحًا أن هذه المبادرة لا تأتي في إطار حل سياسي شامل، بل تهدف إلى إعادة إنتاج نموذج سلطوي جديد بآليات مختلفة، يخدم مصالح تركيا وحلفائها على حساب التنوع السوري. وبينما تتحدث الولايات المتحدة والغرب عن “الانتقال الديمقراطي”، فإن الواقع يشير إلى أن القوى المهيمنة على الأرض تسعى لإقصاء المنافسين وإعادة إنتاج نظام دكتاتوري جديد، بواجهة إسلامية هذه المرة، بدلاً من حزب البعث.
قبل تدخل القوى الغربية، كانت الولايات المتحدة قد وعدت بإنشاء مجتمع مدني سوري يتمتع بحقوق متساوية لجميع مكوناته، مؤكدةً أنها “ستوظف قدراتها لدعم حكومة انتقالية في سوريا موحدة”. لكن بدلاً من تحقيق المصالحة بين الدولة والمجتمع بعد نظام بشار الأسد، اتخذ الجولاني خطوة تهدف إلى فرض نموذج سلطوي جديد، محاكياً في أسلوبه احتكار السلطة الذي ميز حكم حزب البعث لعقود.
الحوار الوطني السوري: بين الدستور والانتخابات والسيطرة المطلقة
يدور الجدل حول هذا الحوار فيما يتعلق بصياغة دستور جديد، وإجراء انتخابات عامة، وإعادة بناء مؤسسات الدولة المنحلة. لكن تنفيذ هذه الأهداف لن يكون سهلاً، بل على العكس، سيكون معقداً للغاية. إذ إن القوى الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة والدول الأوروبية، قد منحت تركيا مساحة واسعة للتدخل في الشأن السوري، وهو ما يجعل إعادة الإعمار خاضعة لمصالح أنقرة، حيث تسيطر تركيا حاليًا على أكثر من 8,835 كيلومتر مربع من الأراضي السورية، مما يجعل عملية إعادة البناء تسير وفقاً لأجندتها السياسية.
التناقضات في المشهد السوري
هناك مفارقات غريبة في هذا السياق: كيف يمكن لدولة إسلامية أو ذات توجه إسلامي أن تكون جارة لإسرائيل وتقبل بوجودها؟ كيف يمكن للقوى الغربية التي تتحدث عن الديمقراطية أن تدعم عملية سياسية تُقصي شرائح واسعة من المجتمع السوري؟
إضافة إلى ذلك، أكثر من 13.5 مليون سوري اضطروا للنزوح داخليًا أو اللجوء إلى دول أخرى، مما جعل سوريا أكبر أزمة لاجئين في العالم. كما يعيش 90% من السوريين تحت خط الفقر، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي.
الفوضى القادمة: من المستفيد؟
إن ما يفعله الجولاني يعني أن سوريا تتجه نحو حالة من الفوضى التي لن يستفيد منها سوى إسرائيل والولايات المتحدة، في ظل أزمة إنسانية غير مسبوقة، حيث يعاني 12 مليون شخص في سوريا من انعدام الأمن الغذائي، بينما فقدت الليرة السورية 99% من قيمتها منذ عام 2011، ووصل سعر الصرف إلى حوالي 15,000 ليرة سورية مقابل الدولار في عام 2024.
على الجانب العسكري، منذ عام 2016، شنت تركيا ثلاث عمليات عسكرية رئيسية في شمال سوريا، مما أدى إلى تهجير حوالي 300,000 شخص، وفقًا لمنظمة العفو الدولية. كل هذه العوامل تعكس أن التدخلات الخارجية لم تؤدِ إلا إلى مزيد من التشرذم وعدم الاستقرار.
الخاتمة
يبقى السؤال قائماً: هل سيكون مؤتمر الحوار السوري خطوة نحو الحل أم مجرد وسيلة لإعادة تشكيل السلطة بنفس العقلية الاستبدادية؟ ومحاولة لشرعنة سلطة جديدة بغطاء إسلامي وبدعم تركي في ظل غياب تمثيل حقيقي لجميع مكونات الشعب السوري، واستمرار التدخلات الإقليمية والدولية، ستصبح ساحة جديدة لصراعات إقليمية ودولية لن يستفيد منها أحد سوى القوى الكبرى.
إذا استمر هذا النهج، فإن سوريا لن تتجه نحو الاستقرار، بل ستصبح ساحة جديدة لصراعات إقليمية ودولية، في وقت يعيش فيه 12 مليون شخص في انعدام الأمن الغذائي ويعاني الاقتصاد من انهيار شبه كامل. إن أي خطوة خاطئة اليوم لن يكون من السهل تصحيحها مستقبلاً. فكما أدى التهميش السياسي في العراق إلى صراعات استمرت عقودًا، فإن تكرار هذا السيناريو في سوريا سيؤدي إلى دولة مقسمة، غير مستقرة، تتحكم فيها القوى الإقليمية بدلاً من السوريين أنفسهم.
لذلك، فإن أي “حوار وطني” لا يقوم على أسس العدالة والمشاركة الحقيقية، سيكون مجرد إعادة إنتاج لمنظومة استبدادية جديدة تحت مسمى مختلف.
خاص وكالة رياليست – کاوە نادر قادر – باحث ومحلل سياسي – كردستان.