لندن – (رياليست عربي): قام وزير الخارجية البريطاني، ديفيد كاميرون، بجولة في دول آسيا الوسطى، هدفها هو الحد من نفوذ روسيا على دول المنطقة، حيث ذهب أولاً إلى طاجيكستان، ثم إلى قيرغيزستان وأوزبكستان وكازاخستان وتركمانستان، وعلى مدى السنوات الثلاث المقبلة، تعتزم لندن تخصيص 50 مليون جنيه إسترليني للدول “لدعم الاستقلال والسيادة”.
وبدأت زيارة ديفيد كاميرون للمنطقة بزيارة طاجيكستان وقيرغيزستان، وفي اجتماعه مع الزعيم الطاجيكي إيمومالي رحمون، قال إن الطرفين لديهما فرص كبيرة للتعاون في مجال الأعمال ومكافحة الإرهاب وتغير المناخ، بالإضافة إلى ذلك، فإن المملكة مستعدة لتقديم برنامج خاص لمدرسي اللغة الإنكليزية والتدريب الداخلي في بريطانيا، ومضاعفة تمويل المنح الدراسية للطلاب من مختلف البلدان للدراسة في الجامعات البريطانية.
وأضاف الدبلوماسي أيضاً أنه أصبح أول وزير بريطاني يزور طاجيكستان، بدوره أكد له رئيس الدولة أن دوشانبي تولي اهتماماً كبيراً بتنمية وتعزيز العلاقات متعددة الأوجه مع بريطانيا.
وتأتي زيارة كاميرون في إطار تنفيذ استراتيجية التعاون لمجموعة 5+1. وخلال الرحلة، صرح وزير الخارجية البريطاني أن لندن تريد بدء حقبة جديدة في العلاقات مع دول آسيا الوسطى.
وناقش كاميرون قضايا الأمن في المنطقة وهجرة العمالة مع زعماء دول آسيا الوسطى، حيث تم التوقيع على اتفاقية الخدمات الجوية بين المملكة المتحدة وطاجيكستان في دوشانبي، والتي يمكن أن تضع الأساس لإدخال رحلات جوية مباشرة بين لندن ودوشانبي في نهاية المطاف.
وفي اجتماعه مع نظيره القيرغيزي وزير الخارجية جينبيك كولوبايف، أشار كاميرون إلى أن بيشكيك نفسها لها الحق في اختيار شركائها، مؤكداً أن البلاد ترتبط ارتباطاً وثيقاً اقتصادياً مع بكين، وبحث وزير الخارجية مع الرئيس صدر جباروف إمكانيات وآفاق التعاون الثنائي في مجالات الطاقة والسياسية والاستثمار والنقل والتجارة والاقتصاد.
وأشار كاميرون إلى أنه نظرا للموارد المائية الغنية في قيرغيزستان، فإن لندن مستعدة لدعم مشاريع بيشكيك البيئية.
وبعد ذلك توجه الوزير البريطاني إلى أوزبكستان حيث التقى بوزير الخارجية بختيور سعيدوف، ووقع الطرفان على إعلان للتعاون الشامل بين المملكة المتحدة وأوزبكستان ومذكرة تفاهم في مجالات العلاقات الإقليمية والدولية والبنية التحتية، وعلى وجه الخصوص، اتفق الدبلوماسيون على تعزيز العلاقات في جميع المجالات وخاصة زيادة العلاقات الاقتصادية.
بالإضافة إلى ذلك، يعتزم كاميرون إبرام اتفاقية شراكة استراتيجية مع كازاخستان، والتي ظل البلدان يعملان عليها طوال السنوات الست الماضية.
تغيير الاستراتيجية
وفي وقت سابق، نشرت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم بالبرلمان البريطاني تقريرا بعنوان “الدول عند مفترق الطرق: المشاركة البريطانية في آسيا الوسطى”، أعرب فيه المؤلفون عن أسفهم “لافتقار لندن إلى الاستراتيجية” في المنطقة.
وصفت ثمانية فصول بالتفصيل خصائص كل دولة، بالإضافة إلى تقديم توصيات للحكومة البريطانية، وعلى وجه الخصوص، “أن نكون أكثر جرأة وطموحاً في قضايا التجارة وحقوق الإنسان والتبادلات الثقافية والتعاون الإقليمي بشكل عام”.
وأكد التقرير بشكل خاص على التعزيز النشط لنفوذ موسكو وبكين في المنطقة وكتبوا عن الحاجة إلى خلق توازن موازن لروسيا والصين، وتعمل لندن الآن مع الدول والمجتمع المدني في آسيا الوسطى من خلال إدارة التنمية الدولية، التي تقع مكاتبها في سفارات المملكة في هذه الدول، وفي المقابل، تنفذ الدولة سياسة القوة الناعمة الخاصة بها من خلال المجلس الثقافي البريطاني.
بالتالي، عند الحديث عن مصالح بريطانيا في آسيا الوسطى، يأتي مصطلح “اللعبة الكبرى” وأهداف الإمبراطورية البريطانية في هذه المنطقة على الفور إلى الذهن، فلطالما نظرت لندن إلى آسيا الوسطى باعتبارها وسيلة لروسيا للوصول إلى الهند، باعتبارها منطقة استراتيجية مهمة من حيث الوصول إلى مناطق أخرى مهمة جغرافياً، هذا هو الوصول إلى الهند والشرق الأوسط ومنطقة البحر الأسود وفي نفس الوقت السيطرة على أوروبا، حيث أن مصطلح “اللعبة الكبرى” يرتبط على وجه التحديد بالتنافس في هذه المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن المهمة الرئيسية للبريطانيين هي الحد من قدرات روسيا، ومنع تعزيزها بشكل جدي، حتى يتمكن الاتحاد الروسي من حل مشاكله الاستراتيجية والنقل واللوجستية عبر آسيا الوسطى، إن السيطرة على هذه المناطق تسمح لروسيا بأن تكون لاعباً مهماً في آسيا الوسطى، كما أن البريطانيين، مثل الاتحاد الأوروبي، كانوا يأملون لفترة طويلة أن تتنافس روسيا والصين في المنطقة وأن يكبح كل منهما الآخر.
هذه الآمال لم يكن لها ما يبررها؛ إذ يتعاون الاتحاد الروسي وجمهورية الصين الشعبية بنجاح، لذا فإن البريطانيين يأخذون الأمور بأيديهم” وفي كثير من النواحي، حتى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان مفروضاً على حقيقة مفادها أن لندن ألقت اللوم على الاتحاد الأوروبي لعدم نشاطه بالقدر الكافي في منطقة ما بعد الاتحاد السوفييتي، وخاصة في آسيا الوسطى، ما يعني أن هذه المنطقة تنطوي أيضاً على موارد الطاقة.
كازاخستان، على سبيل المثال، تزودها بالنفط واليورانيوم. وقام البريطانيون مؤخراً بتطوير برنامجهم الخاص لتحديث المنشآت النووية، وفي هذه الحالة سيكونون مهتمين بهذا النوع من التعاون، كما أنهم يتفاعلون بشكل فعال مع هذه الدول في إطار المشاريع الإنسانية والتعليمية، كما أن عمالقة الطاقة لديهم موجودون هناك أيضاً، خاصة في كازاخستان.
بالتالي، إن العالم الغربي، يدرك منذ فترة طويلة أهمية التعاون مع آسيا الوسطى بالنسبة لروسيا، في محاولة لكسب دول المنطقة، حيث قام عدد من السياسيين من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بزيارة المنطقة، والتي، لسوء الحظ، لم تنته إلى النتائج التي توقعوها، كان الهدف الرئيسي للسياسيين الغربيين هو إقناع الدول بالبدء في الالتزام بالعقوبات ضد روسيا تحت التهديد بالقيود الثانوية التي تخيف دول آسيا الوسطى.
كما أن الغرب لم يتمكن أبداً من تحقيق قطع كامل للعلاقات بين روسيا وآسيا الوسطى، على العكس من ذلك، نمت العلاقات التجارية بين الدول، فقد اعترف البريطانيون جزئياً بأن مثل هذه التكتيكات كانت فاشلة، وذكر التقرير الذي يحمل عنوان “دول عند مفترق طرق: انخراط بريطانيا في آسيا الوسطى”، والذي قدمته لجنة الشؤون الخارجية بمجلس العموم بالبرلمان البريطاني، أن بريطانيا يجب أن تنتهج سياسة أكثر نشاطاً وطموحاً على خلفية صعود روسيا والصين في عام 2016، ما يعني أن المنطقة وأن الاستراتيجية الحالية لا تحقق نتائج للندن.
في الوقت نفسه، أكد أن مثل هذا الضغط لا يزال يحقق بعض النجاح، هناك فشل في خدمة بطاقات مير في جميع أنحاء المنطقة، حتى في قيرغيزستان، التي قاومت مثل هذه التدابير لفترة طويلة وصدت هجوم الشركاء الغربيين، وفي الوقت نفسه، فإن هذا الإجراء يضر بدول المنطقة نفسها، مما يجعلها أقل جاذبية للسياحة وتعقيد التحويلات المالية للمواطنين الذين يعيشون ويعملون في روسيا، لذلك، يبدو هذا الإجراء بمثابة تنازل من دول آسيا الوسطى التي تخشى فرض عقوبات ثانوية.
لذلك، قررت بريطانيا الانضمام إلى القتال من أجل المنطقة بقوة متجددة، فليس من قبيل الصدفة أن يقوم ديفيد كاميرون بزيارة أفقر البلدان من حيث مستويات المعيشة، مثل طاجيكستان وقيرغيزستان، وبعد إدراكهم لاعتمادهم على التمويل الخارجي، عرضت عليهم مشاريع مختلفة باستثمارات صغيرة.
من هنا، إن رغبة الدول في عزل نفسها عن التهديدات بالعقوبات وتطوير العلاقات مع العالم الغربي في إطار طبيعتها المتعددة العوامل تجعل من الممكن لبريطانيا أن تحاول تعزيز نفوذها في آسيا الوسطى، لكن هل سيعود هذا التعاون بالنفع على دول المنطقة؟ قادم الأيام ستكشف ذلك!