إن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، يعمل على ترتيب السياسة الخارجية بالتوازي مع السياسة العراقية الداخلية، والتخلص من الملفات العالقة التي حملها من الحكومات السابقة والتي أنهكت العراق كثيراً، ولأن العراق منقسم الولاءات والتبعيات، فلابد للكاظمي من إحداث توازن في العلاقة ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، ولذلك بدأ جولته الخارجية بهاتين البلدين.
ولفهم طبيعة ترتيب السياسة الخارجية العراقية، لابد من تلخيص نتائج زيارة الكاظمي للولايات المتحد منذ لحظة الإعلان عنها.
من المعروف أن العراق يحكم بمحاصصة طائفية إنفرضت عليه بحكم التعدد المذهبي والعرقي والإثني فيه، حيث أن رئيس الوزراء أياً يكن ومنذ العام 2003 وسقوط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، كان هذا المنصب من نصيب “الطائفة الشيعية”، وعلى الرغم من الشرخ الكبير ما بين هذه الطائفة والولايات المتحدة بحكم أنها تتبع لـ “محور المقاومة” خاصة في العراق، كـ “حزب الله العراقي”، “العصائب”، والكثير من الأحزاب والتيارات الإسلامية الأخرى.
إلا أن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، وضع هدف لزيارته إلى واشنطن، وهي العودة بمشاريع إستثمارية تعود بالنفع على الشعب العراقي، وبالتالي يكون قد كسب الود الأمريكي، والولاء الداخلي له. من خلال جلب عقود إستثمارات ضخمة في قطاع الطاقة، إذ أنه من المعروف أن العراق تعاني من مشاكل شديدة في هذا الخصوص، خاصة “الكهرباء”، وإن حلّت هذه المشكل، تكون الإدارة الأمريكية قد ربحت أول خطوة في إزاحة إيران من العراق، والتي تقوم بمد العراق بالكهرباء، وكانت واشنطن قد إستثنت العقوبات من هذا الجانب كرمى لبغداد.
واعتبر بعض المحللين، أنه ما كان يجب على الكاظمي إعلان زيارتيه والحديث عن المشاريع مع الولايات المتحدة على الأقل في الوقت الحالي، وكما أشرنا أعلاه، أن تختار أمريكا مشاريع الطاقة فهذا يعني الحد من الدور الإيراني في العراق خاصة في هذا المجال، رغم أن التوقيع مع الإدارة الأمريكية لا يعني أن التنفيذ سيكون غداً، إنما هذه الورقة ستكون ورقة ضغط مستقبلية من قبل واشنطن على الكاظمي وحكومته وبالطبع سيكون الإستخدام عندما يأتي وقتها بحسب الحسابات الأمريكية.
وبما أن العراق منقسم بين من يريد إخراج القوات الأمريكية الفوري من الأراضي العراقية وبين لا ممانع لبقائها، ورغم ذلك لم تذعن واشنطن لهذا الأمر، ولم يكن أساساً مدرج على أجندة أعمال الكاظمي، فالرضى الأمريكي يناسبه، وغض النظر عن هذا الطلب مناسب للولايات المتحدة. حيث ترك هذا الملف مفتوحاً حتى إشعارٍ آخر.
إلا أن الخطر والضرر الأكبر، هو الإستثمار بمشاريع الطاقة في العراق، من قبل الولايات المتحدة التي دمرتها، في حين أن لدى بعض الدول العربية الشقيقة والصديقة القدرة على التنفيذ، ولا نقل هنا إيران، فيكون الكاظمي قد حرم هذا الخير من البلاد العربية وقدمه للأمريكي.
وأما أبرز النقاط التي إتفق عليها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والكاظمي:
أولاً، وعد الرئيس ترامب بسحب قوات التحالف الدولي بالكامل من العراق في غضون ثلاث سنوات.
ثانياً، إتفق الجانبان على تشكيل مجموعة ثنائية من المتخصصين لبحث “الآليات والأطر الزمنية لإعادة إنتشار قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة خارج العراق.
ثالثاً، جدد الطرفان إلتزامهما بالتعاون الأمني طويل الأمد من أجل تعزيز القوات العراقية في محاربة التهديدات لمصالحهما المشتركة.
رابعاً، جددت بغداد إلتزامها بضمان حماية قوات التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب وكذلك المقار الدبلوماسية الأجنبية الموجودة على أراضي العراق.
خامساً،خمس شركات طاقة أمريكية – هانيويل إنترناشونال، شركة بيكر هيوز. ، شركة جنرال إلكتريك. و Stellar و شيفرون ، وقعت اتفاقيات مع العراق تصل قيمتها إلى 8 مليارات دولار.
سادساً، إستعادة برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في العراق، حيث سيقدم صندوق الإستثمار الأمريكي حوالي 5 مليارات دولار لمشاريع التنمية في العراق.
سابعاً، تم التخطيط على توسيع العلاقات الاقتصادية والسياسية والإنسانية والثقافية بين الجانبين، مرفقاً بشرط من قبل وزيرة الخارجية الأمريكية، لتطوير التعاون الاقتصادي مع العراق من خلال الإصلاحات وإبرام إتفاقية حول الميزانية بين السلطات العراقية وحكومة إقليم كردستان – العراق.
ثامناً، قدمت واشنطن الدعم الكامل لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة في العراق، العام المقبل “2021”.
تاسعاً، ساندت الولايات المتحدة العراق، وأعلنت تضامنها “كلامياً” ضد الهجمات التركية على شمال العراق. حيث قال مسؤول في الإدارة الأمريكية بما يتعلق في هذا الجانب، “نحن نحترم سيادة العراق ونتوقع من الدول الأخرى أن تفعل الشيء نفسه”.
من هنا، إن زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ما هي إلا موافقته على صك إنتداب يجدد فيه التواجد الأمريكي على أراضيه، من خلال تصرف فردي، ليس من المتوقع أن يكون البرلمان العراقي قد سمع بهذه الخطوات أو تمت مناقشته بها في وقت سابق، الأمر الذي لن يعمل على تهدئة الأجواء الساخنة في العراق، بل سيشهد تصعيداً جديداً، خاصة وأن طهران لن تسمح بأن تخرج من العراق صفر اليدين، فلقد حفر الكاظمي لنفسه حفرةً عميقة لن يستطيع الخروج منها، وإن أرادت إيران الضغط ليقدم إستقالته فإنها قادرة على ذلك، لكنه بهذه الزيارة، أعلن موقفه الصريح وإختار الوقوف مع الولايات المتحدة، ما يعني مسرح العنف والمظاهرات وعدم الاستقرار مستمر، وهذا ما تريده واشنطن بكل تأكيد.
فريق عمل “رياليست”.