بغداد – (رياليست عربي): في خطوة دبلوماسية تعكس تحولات المشهد السياسي العالمي، استضافت الرياض لقاءً استثنائيًا جمع بين مسؤولين رفيعي المستوى من الولايات المتحدة وروسيا، في محاولة لاستكشاف سبل إنهاء الحرب في أوكرانيا وإعادة رسم ملامح النظام الدولي. هذه القمة، التي جاءت برعاية سعودية، لم تكن مجرد لقاء عادي، بل شكلت اختبارًا حقيقيًا لموازين القوى العالمية، خاصة في ظل التوترات الجيوسياسية المتصاعدة.
ما وراء الكواليس: لقاء الضرورة لا الخيار
لا يمكن النظر إلى هذا الاجتماع بمعزل عن السياقات الدولية المعقدة التي دفعته إلى الواجهة. فمن جهة، تعاني الولايات المتحدة من استنزاف استراتيجي نتيجة دعمها المتواصل لأوكرانيا، وسط تنامي الأصوات الداخلية المطالبة بإعادة النظر في الإنفاق العسكري. ومن جهة أخرى، تجد روسيا نفسها في مأزق، حيث تسعى لإعادة ضبط علاقاتها مع الغرب دون تقديم تنازلات تمس بمصالحها الاستراتيجية.
لكن السؤال الأهم: لماذا الرياض؟ هنا تتجلى براعة الدبلوماسية السعودية التي نجحت في تحويل نفسها إلى نقطة التقاء بين القوى الكبرى، مستفيدة من علاقاتها المتوازنة مع الجميع.
الدور السعودي: وسيط أم لاعب رئيسي؟
لم تكن استضافة الرياض لهذا الاجتماع مجرد ترتيبات لوجستية، بل مؤشرًا على صعود دورها كلاعب رئيسي في هندسة التوازنات الدولية. فمنذ سنوات، تنتهج السعودية سياسة خارجية مرنة تمزج بين الواقعية السياسية والطموح الاستراتيجي، مما جعلها قادرة على لعب دور الوسيط الفاعل في القضايا الشائكة.
هذه القمة عززت موقع السعودية كدولة محورية ليس فقط في القضايا الاقتصادية والطاقة، بل أيضًا في الملفات السياسية الأكثر تعقيدًا. إذ أثبتت قدرتها على توفير أرضية محايدة للحوار بين قوى متنافسة، وهو ما لم تستطع دول أخرى تحقيقه.
ما بين السطور: رسائل غير معلنة
بعيدًا عن التصريحات الرسمية، تحمل هذه القمة رسائل سياسية عميقة، أبرزها:
تحول في الموقف الأمريكي: رغم الخطاب الصارم تجاه موسكو، هناك بوادر براغماتية في السياسة الأمريكية تجاه الصراع الأوكراني.
رغبة روسية في تخفيف الضغوط: موسكو تدرك أن استمرار المواجهة على المدى الطويل قد يرهق اقتصادها وعلاقاتها الدولية.
إعادة تعريف موازين القوى الدولية: لم تعد أوروبا وحدها صاحبة التأثير في مسار الأزمة الأوكرانية، بل دخلت قوى جديدة، وعلى رأسها السعودية، كلاعب مؤثر.
المشهد القادم: نحو خارطة طريق جديدة؟
رغم الأهمية الرمزية والاستراتيجية لهذه القمة، لا تزال التحديات كبيرة أمام أي تسوية سياسية للأزمة الأوكرانية. فمن دون توافق أوسع يشمل أوكرانيا وأوروبا، ستظل أي تفاهمات مؤقتة وغير قابلة للاستدامة.
لكن المؤكد أن الرياض نجحت في تثبيت نفسها كعاصمة للدبلوماسية متعددة الأقطاب، وقد نشهد في المستقبل دورًا سعوديًا أكثر تأثيرًا في قضايا عالمية أخرى، من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط، وربما أبعد من ذلك.!!
خاص وكالة رياليست – عبدالله الصالح – كاتب، باحث ومحلل سياسي – خبير في العلاقات الثقافية الدولية – العراق.